20 ديسمبر، 2024 2:36 ص

البُعد التاريخي لأفعال الدواعش بتخريب المدن وقتل الناس

البُعد التاريخي لأفعال الدواعش بتخريب المدن وقتل الناس

لو رجعنا إلى التاريخ المتعلق بأصول الفكر الداعشي التكفيري لوجدنا أن كل ما قاموا به من جرائم قتل ، وتخريب مدن وإماتة للحياة ، له بعد تاريخي . فأغلب المملكات والسلطات التي يعتقد الدواعش وشيوخها أنها حكومات شرعية أسلامية كانت تمارس نفس الجرائم بل وأبشع منها وتترسخ مشروعية تلك الجرائم لدى داعش وأخواتها من خلال الأطلاع على مشاركة شيخهم ونبيهم ابن تيمية في تلك الجرائم . وخير شاهد على ذلك ما نقله التاريخ وأعترف به ابن تيمية نفسه في مجزرة كسروان .
يذكر المقريزي في كتاب السلوك ما يلي: وفي سنة 704 هـ‏:‏ توجه شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في ذي الحجة من دمشق ومعه الأمير بهاء الدين قراقوش المنصوري إلى أهل جبل كسروان يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا‏.‏ فجمعت العساكر لقتالهم‏.‏ وفي المحرم 705هـ‏:‏ سار الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب الشام من دمشق في عساكرها لقتال أهل جبال كسروان ونادى بالمدينة: من تأخر من الأجناد والرجالة شنق‏.‏ فاجتمع له نحو خمسين ألف راجل وزحف بهم لمهاجمة أهل تلك الجبال ونازلهم وخرب ضياعهم وقطع كرومهم ومزقهم بعدما قاتلهم أحد عشر يوماً وملك الجبل عنوة ووضع فيهم السيف وأسر ستمائة رجل وغنمت العساكر منهم مالاً عظيماً وعاد إلى دمشق في رابع عشر صفر . ‏

وقال أبن تيمية في الرسالة التي أرسلها لسيده المملوك (الناصر قلاوون) بعد مجزرة جبل كسروان والتي شارك فيها ابن تيمية بنفسه
قال : أما بعد، فقد صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأنعم الله على السلطان وعلى المؤمنين في دولته نعما لم تعهد في القرون الخالية، وجدد الإسلام في أيامه تجديدا بانت فضيلته على الدول
الماضية، وتحقق في ولايته ما كان يقصده أكابر الأئمة العادلين، من جهاد أعداء الله المارقين من الدين، وهم صنفان: أهل الفجور والطغيان، وذوو الغيّ والعدوان، الخارجون عن شرائع الإيمان، طلبا للعلو في الإحن والفساد، وتركا لسبيل الهدى والرشاد، وهؤلاء هم التتار ونحوهم من كل خارج عن شرائع الإسلام. وان تمسك بالشهادتين. والصنف الثاني: أهل البدع المارقون، وذوو الضلال المنافقون الخارجون عن السنة والجماعة، المفارقون للشرعة والطاعة، مثل هؤلاء الذين غزوا بأمر السلطان من أهل الجبيل والجرد وكسروان. فإن ما منّ الله به
من الفتح والنصر على هؤلاء الطغام، هو من عظائم الأمور التي أنعم الله بها على السلطان وأهل الإسلام. وذلك لأن هؤلاء وجنسهم من أكابر المفسدين، في أمر الدنيا والدين، فإن اعتقادهم أن أبا بكر وعمر وعثمان،
وأهل بدر وبيعة الرضوان، وجمهور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان. وأئمة الإسلام وعلماءهم أهل المذاهب الأربعة وغيرهم. ومشايخ الإسلام وعبادهم، وملوك الإسلام وأجنادهم، وعوام المسلمين وأفرادهم كل هؤلاء عندهم كفار مرتدون أكفر من اليهود والنصارى لأنهم مرتدون عندهم والمرتد شرّ من الكافر الأصلي، لأن عندهم أن كل من لم يوافقهم على ضلالهم فهو مرتد ومن استحل الفقاع فهو عندهم كافر. ومن مسح الخفين فهو عندهم كافر. ومن حرم المتعة فهو عندهم كافر. ومن أحب أبا بكر أو عمر أو عثمان أو ترضى عنهم أو عن جماهير الصحابة فهو كافر. ومن لم يؤمن بمنتظرهم فهو كافر. بل عندهم من قال :” الله يرى في الآخرة” فهو كافر. ومن قال: “أن الله تكلم بالقرآن حقيقة” فهو كافر ومن قال “أن الله فوق السماوات” فهو كافر ومن آمن بالقضاء والقدر وقال: “أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وأن الله يقلب قلوب عباده. وأن
الله خالق كل شيء” فهو عندهم كافر. وعندهم أن من آمن بحقيقة أسماء الله وصفاته التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، فهو عندهم كافر. وهذا هو المذهب الذي تلقنه لهم أئمتهم مثل” بني العود” فإنهم شيوخ أهل هذا الجبل. وقد حصل بأيدي المسلمين عدة من كتبهم تصنيف “ابن العود” وغيره. وفيها هذا وأعظم منه. وهم اعترفوا لنا بأنهم الذين علموهم وأمروهم. لكنهم مع هذا يظهرون التقية والنفاق، ويتقربون ببذل الأموال إلى من يقبلهم منهم، وهكذا كان عادة هؤلاء الجبلية، فإنما أقاموا بجبلهم لما كانوا يظهرونه من النفاق. فأعان الله ويسر بحسن نية السلطان، وهمته في إقامة شرائع الإسلام، وعنايته وجهاده المارقين أن غزوا غزوة شرعية كما أمر الله ورسوله بعد أن كشفت أموالهم، وأزيلت شبهتهم، وبذل لهم من العدل والإنصاف ما لم يكونوا يطمعون به. ولم نجد في جبلهم مصحفا، ولا فيهم قارئ للقرآن وإنما عندهم عقائدهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، واستحلوا بها دماء المسلمين فإذا كان علي ابن أبي طالب قد أباح لعسكره أن ينهبوا ما في عسكر الخوارج مع أنه قتلهم جميعا، كان هؤلاء أحق بأخذ أموالهم، وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل أنه لا يقتل مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبي لهم ذريّة لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ، وهؤلاء ليس لهم تأويل سايغ، ومثل أولئك إنما يكون خارجا عن طاعة الإمام، وهؤلاء خرجوا عن شريعة الله وسنته، وهم شر من التتار من وجوه متعدد وقد اتفق العلماء على جواز قطع الشجر وتخريب العامر عند الحاجة إليه، فليس ذلك بأولى من قتل النفوس. وما أمكن غير ذلك، فإن القوم لم يحصوا كلهم من الأماكن التي اختفوا فيها ويئسوا من المقام في الجبل إلا حين قطعت الأشجار، وإلا كانوا يختفون حيث لا يمكن العلم بهم وما أمكن أن يسكن الجبل غيرهم. فالحمد لله الذي يسر بهذا الفتح في دولة السلطان، وبهمته وعزمه وأمره، وإخلاء منهم، وأيضا فإنه بهذا قد انكسر من أهل البدع والنفاق بالشام ومصر والحجاز واليمن والعراق، ما يرفع الله به درجات السلطان، ويعز به أهل الإيمان. أنتهى كلام ابن تيمية . وكلامه بين في تبرير القتل لاسباب طائفية بل حكم عليهم بجواز سبي ذراريهم وقتل مدبرهم والاجهاز على جرريحهم كونهم لا تأويل لهم خلاف الخارجين على امام زمانهم يوم الجمل ثم ذهب ابعد من ذلك فأجاز وادعى اتفاق العلماء على قطع الشجر وتخريب العامر عن الحاجة !! هذه سنة التخريب الداعشي متأصل لدى هذا الخط الفكري التكفيري ينقل السيد المحقق الصرخي الحسني في احدى محاضراته حادثة مشابهه لذلك الخط قال :
المورد6: الكامل10/(144): [ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَة(593هـ)]:
[ذِكْرُ مُلْكِ الْعَادِلِ يَافَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَمُلْكِ الْفِرِنْجِ بَيْرُوتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَصْرِ الْفِرِنْجِ تِبْنِينَ وَرَحِيلِهِمْ عَنْهَا]: قال ابن الأثير في الكامل:

1ـ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَوَّالٍ، مَلَكَ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ مَدِينَةَ يَافَا مِنَ السَّاحِلِ الشَّامِيِّ، وَهِيَ بَيْدِ الْفِرِنْجِ – لَعَنَهُمُ اللَّهُ ،
2ـ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُمُ الْكُنْد هِرِي، كَانَ الصُّلْحُ قَدِ اسْتَقَرَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْفِرِنْجِ أَيَّامَ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَمَلَكَ أَوْلَادُهُ بَعْدَهُ، جَدَّدَ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ الْهُدْنَةَ مَعَ الْكُنْد هِرِي(مَلِكِ الْفِرِنْجِ) وَزَادَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ، وَبَقِيَ ذَلِكَ إِلَى الْآنِ(593هـ)، 3ـ وكَانَ بِمَدِينَةِ بَيْرُوتَ أَمِيرٌ يُعْرَفُ بِأُسَامَةَ، وَهُوَ مُقْطَعُهَا، فَكَانَ يُرْسِلُ الشَّوَانِيَ(السفن الحربية) تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَاشْتَكَى الْفِرِنْجُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ، وَإِلَى الْمَلِكِ الْعَزِيزِ بِمِصْرَ، فَلَمْ يَمْنَعَا أُسَامَةَ مِنْ ذَلِكَ،
4ـ فَأَرْسَلُوا(الفِرِنج) إِلَى مُلُوكِهِمُ الَّذِينَ دَاخَلَ الْبَحْرِ يَشْتَكُونَ إِلَيْهِمْ مَا يَفْعَلُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، وَيَقُولُونَ: إِنْ لَمْ تَنْجِدُونَا، وَإِلَّا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْبِلَادَ، فَأَمَدَّهُمُ الْفِرِنْجُ بِالْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ قِسِّيسٌ يُعْرَفُ بِالْخُنْصِلِيرِ،
5ـ فَلَمَّا سَمِعَ الْعَادِلُ بِذَلِكَ، أَرْسَلَ إِلَى الْعَزِيزِ بِمِصْرَ يَطْلُبُ الْعَسَاكِرَ، وَأَرْسَلَ إِلَى دِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ يَطْلُبُ الْعَسَاكِرَ، فَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَيْنِ الْجَالُوتِ، وَرَحَلُوا إِلَى يَافَا، وَمَلَكُوا الْمَدِينَةَ، وَامْتَنَعَ مَنْ بِهَا بِالْقَلْعَةِ الَّتِي لَهَا، فَخَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدِينَةَ، وَحَصَرُوا الْقَلْعَةَ، (( كما قلنا سابقًا، توجد مدينة وتوجد قلعة؛ توجد مدينة وتوجد منطقة خضراء حمراء زرقاء بيت أبيض، مجلس نواب رئاسة وزراء، أيّ شيء فسمّه، فتوجد منطقة محصّنة وتوجد مدينة للناس للمساكين للآمنين للفقراء لمن لا حول له ولا قوّة، للنساء للأطفال))فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا بِالسَّيْفِ فِي يَوْمِهَا، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأُخِذَ كُلُّ مَا بِهَا غَنِيمَةً وَأَسْرًا وَسَبْيًا، ((بلاد كاملة انتهت، يافا بما فيها انتهت، تبخرت، مُحيت، وصارت أثرًا بعد عين))
6ـ وَوَصَلَ الْفِرِنْجُ مِنْ عَكَّا إِلَى قَيْسَارِيَةَ، لِيَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ يَافَا، فَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِهَا بِمِلْكِهَا فَعَادُوا.وَكَانَ سَبَبُ تَأَخُّرِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمُ الْكُنْد هِرِي سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ بِعَكَّا فَمَاتَ، فَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُهُمْ فَتَأَخَّرُوا لِذَلِكَ،
7ـ وَعَادَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَيْنِ الْجَالُوتِ، فَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْفِرِنْجَ عَلَى عَزْمِ قَصْدِ بَيْرُوتَ، فَرَحَلَ الْعَادِلُ وَالْعَسْكَرُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَى مَرْجِ الْعُيُونِ، وَعَزَمَ عَلَى تَخْرِيبِ بَيْرُوتَ،((لا حول ولا قوّة إلّا بالله، العادل يعزم على تخريب بيروت!!! تخريب تخريب تخريب، حروب حروب حروب، سبي سبي سبي، أسر أسر أسر، نهب نهب نهب، ما هذا الدين وما هذ الإسلام؟!! فلا نستغرب من أفعال الدواعش عندما يخرّبون كل شيء: الإنسان والحيوان والبناء )) فَسَارَ إِلَيْهَا جَمْعٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَهَدَمُوا سُورَ الْمَدِينَةِ، وَشَرَعُوا تَخْرِيبَ دُورِهَا وَتَخْرِيبَ الْقَلْعَةِ، فَمَنَعَهُمْ أُسَامَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَكَفَّلَ بِحِفْظِهَا. أنتهى كلام السيد المحقق . لاحظ التشابه والتماهي في الجرائم فهل حدث ذلك صدفه ؟! كلا بل هو منهج وخط فكري فداعش نبتة سقيت بهذه الأفكار وأخذت من هذا التاريخ الدموي ولا خلاص ولا علاج لتلك الآفة ألا بقطع ذلك المنبع الفكري وتوعية الناس من خطره .

أحدث المقالات

أحدث المقالات