حتى الامس القريب كانت غرف العمليات لضباط الاركان في قيادة قوات البيشمركة منشغلة باعداد الخطط العسكرية الخاصة لصد هجمات الداعش الارهابية على مواقع البيشمركة في اقليم كوردستان ، وامتصاص زخم و قوة اندفاعات عناصرهذا التنظيم ، وعرقلة تقدمه ومنعه بقدر المستطاع من احتلال الارض والاحتفاظ بها ، خصوصاً منذ ان اقترب عناصر هذا التنظيم الارهابي من حدود كوردستان ، واصبح على مقربة من العاصمة هةولير ، بعد احتلالها لمدينة الموصل ليصبح اداة مضافة من ادوات الضغط السياسي على الاقليم التي ارادت بها حكومة نوري المالكي بالتواطؤ مع تركيا اخضاع كوردستان لسيطرتها السياسية والاقتصادية لتفويت الفرصة على الاقليم ما يضمن سيطرته على منابع ثرواته الطبيعية والتصرف بها على حساب مصالحها القومية…..
اليوم وفي امتداد رقعة المواجهة الكوردية مع هذا التنظيم المتطرف اثبتت المكتسبات الميدانية الكوردية بان داعش الذي كان يمثل تهديدا معلنا وصريحا للتجربة الكوردية الناهضة في كوردستان ، قد بدأ مشوار أيامه الاخيرة وهو منهك القوى بفعل الضربات التي تلقاه في اكثر من محاوره القتالية مع الكورد ، وما انتكاسته وهزائمه الاخيرة الا بداية النهاية لتقهقره القريب على ايدي قوات البيشمركة ، والتي بدأت قياداتها الميدانية تعيد من عملية بناء خطط المواجهة المحتملة للبيشمركة لما بعد الانتهاء من تطهير بعض مناطق كوردستان التي دنسها عناصر هذا التنظيم …وهذا يعني ان هروب عناصر داعش وانسحابها من بعض مناطق كوردستان قد رجحت الكفة لصالح الكورد وتعني فشل الخطة التركية لوضع بالاقليم تحت رحمة تنظيم داعش الذي اصبح ورقة من اوراق رهاناتها ذات الشان بالكورد التي تدور في فلك الحد من خطورة التوسع الكوردي على حدودها المتآخمة لكوردستان العراق ، وما تورطه في دعم داعش لاحتلال بعض المناطق في كوردستان الا خطوة باتجاه المزيد من الضغوطات السياسية والاقتصادية على كوردستان …
التقارب التركي العراقي بعد انسحاب وشيك لداعش من شنكال وزمار أبقى باب الجدل مفتوحا حول اسباب هذا التقارب ، والتي تحاول تركيا جاهدة ان تضمن خلو هذه المناطق من عناصر حزب العمال الكوردستاني الذي يعد من اكبر الاحزاب الكوردية المنطقة قوة وتنظيما الذي تسعى تركيا بكل ما لديها من قوة التاثيرات السياسية من ازالته عن الساحة ، وتتحالف حتى مع الد خصومه لتحقيق هذا الهدف سواء عن طريق بعض التنازلات تقدمها حكومة داود اوغلو للكورد في تركيا أو عن طريق تحقيق سلام مبرمج على اساس مصالحها السياسية والاقتصادية مع الكورد ليحفظ بها ماء وجهه السياسي امام شعبها ..فيما يسعى الجانب العراقي ممثلة بحكومة حيدر العبادي ان يطمئن الجانب التركي بان الشيعة في العراق سوف لن يشكلون تهديدا على احد بما في ذلك تركيا التي تخاف الشيعة بسبب حساسيتها المذهبية المفرطة منها ، التي انكشفت مع ظهور أول خيوط الاطاحة بنظام صدام ، بسببها كانت هي اول دولة رافضة للحرب على العراق في المنطقة ، و اغلقت اجواءها بوجه طائرات الامريكية المغيرة على اهدافها داخل العراق نتيجة لمخاوفها من المتغيرات التي ستعصف بالمنطقة لاحقا ،
اذن ..فامام لعبة المتغيرات الجديدة في المنطقة التي خلفتها الصراعات الدينية والمذهبية نجد ان تركيا تجدد من مخاوفها على مستقبلها ، وتسعى من اجل ذلك ان تكون كما كانت سابقا تمتع بمكانة سياسية في ابجديات دول الغرب عموما والمنطقة لتفادي خطر الانقسامات الدينية والقومية التي استطاعت بفعل خطاباتها السياسية ان تحافظ على وحدتها الوطنية التي باتت مهددة بسبب شدة صراعاتها بين اطرافها القومية والدينية والمذهبية ، بمعنى ان الدعم والمساندة التركية لداعش تأتي في اطار تنامي قوة الكورد وامتداداتها السياسية التي بدات تضيق الخناق السياسي على تركيا فضلا من التعاطف الدولي والاقليمي مع القضية الكوردية التي بدأت تأخذ منعطفا سياسيا جديدا مع كل معركة يخوضها الكورد مع هذا التنظيم المتطرف الذي تدفعه تركيا هذه الايام باتجاه عرقلة نهوضه العمراني والاقتصادي ، واصبحت بموجبها اقليم كوردستان واحدة من اهم مناطق الاستقطاب في العالم …
وعلى هذا الاساس ما نعتقده ان تركيا مرغمة ان ترفع يدها عن داعش ..وان كوردستان هو خط احمر لا يمكن للغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية ان تقبل باية مساومة سياسية عليها ، وان المساعدات العسكرية المقدمة لكوردستان في حربها ضد الارهاب هو جزء من مساندتها ودعمها للكورد ، وهذا بحد ذاتها مؤشر على ان هزيمة داعش او انسحابه من المناطق التي دخلها في غفلة الكورد من مجريات اللعبة التركية هي مسالة وقت ، وان الكورد اليوم هم الاقوى رغم فارق التسليح والتجهيز والتدريب بين قوات البيشمركة وعناصر داعش الارهابي .وان بناء الهجمات والمباغتة تبقى كوردية في ظل الاحباطات المستمرة لهذا التنظيم الذي فقد تماما من قدرته الميدانية بسبب شدة الضربات الموجعة التي يتلقاها على ايدي طيران التحالف الدولي على امتداد ساحات معاركه المفتوحة مع البشمركة…