18 ديسمبر، 2024 9:36 م

البيت الأبيض وهل سيعود بالحصان الأسود..؟

البيت الأبيض وهل سيعود بالحصان الأسود..؟

وهل يعود الرجل الأسود (أوباما) للبيت الأبيض.؟

نعم، كنت أعتقد انه سيعوده هذه المرة حصانا يقود ولا يُقاد، لأنه في سباقه الثاني والأخير، لن يخوضه ثالثا وإن كسبه ساحقا، فالمرجوّ منه بعد جولته الإنتخابية الثانية إن كسبها فعلا، ان يكسب ايضا قلوب أصحاب الحق المهضومين المظلومين بالعالم الثالث من المسلمين والعرب، إلى جانب قلوب الأميركان التي كسبها حقا وباطلا بعد الجولة الأولى، ليس لأنه أمريكي لكل الأميركان (كما زعم) في الأولى، وإنما ايضا لأنه كان بحاجة لهم في الثانية.!

الأسمر كنت اتوقع عودته للبيت الأبيض في جولته الثانية بإسم (الصيانة) كما دخلها في الأولى بإسم (التغيير في البيت الأبيض)، لولا المناظرة التلفزيونية مع خصمه الأشقر (رومني)، جعل فيها أوباما الفقرة الأولى من خطابه معايدة الذكرى السنوية العشرين لزوجته ميشل، أمام أربعين مليون أمريكي.!

لوكنت مكانك يا سنياتور مرشحا، ولو لمنصب هامشي أو عمدة بقرية ريفية من الوطنين العربي والإسلامي، وامامي ألف شخص، لحلفتُ خلف المايك والتلفاز والجمهور أني (والله لم أتذوق النوم من أجلكم.! .. ولن أتذوق الطعام والشراب الا في إنائكم.! .. وأني والله ضحّيت بزوجتي وأولادي وبناتي لانكم أنتم أولادي وبناتي.! .. وأني والله لسهرت الليالي أفكّر كيف أعرج بكم إلى النجوم.! ..  وكيف أدفن أعدائكم في التُخوم.! .. وأني والله مطيعكم وخادمكم خادم القوم.! الى آخره…) .. طبعا والكلّ يصفّق لخادم القوم، ذلك الخادم الذي أرصدته للبنوك بالإغراق، وأبراجه تعانق السُحٌب والغيوم من جاكرتا الى داكار إلى جوار الأكواخ المظلمة بالثعبان والفئران والإنسان، فإن ترك هذا الخادم زوجته ليلة فوزه في قريته من أجل الشعب، فذلك لان بوابة ألف ليلة وليلة فتحت له بعواصم الملاهي من بانكوك إلى باريس وجنيف  ولندن وغيرها.!

الأميركان أغبياء ومتهورون على الخط العابر السريع، لكنهم أذكياء وعباقرة على خطوط التأمل والتدبير، سيتأمّلون من اليوم الثاني للمناظرة في الفقرة الأولى لخطاب أوباما: (المخلص لبيته وزوجته سيبقى هو المخلص للوطن)، والوطن هو ذلك البيت المتسع لكل مواطن، ورئاسة الوطن هو عقد زواج لامساحة فيه لتوقيع الطلاق.!

أوباما إبن الحسين يا الأسمر..! ألا تجيد الخطابة.؟  وانت تنتمي من أب عن جد إلى مدرسة فتح ملفها بكلمة (إقرأ).! .. ألا تعلم أن كثرة القراءة تُعطّر الكتابة وتُشفّر الخطابة، وإنت يا الأسمر وإن إنتقلت لاحقا من القرآن الى التوراة، إلاّ أن مهنتك (المحامي) الحريص على دقة ترتيب الأوراق والبنود والفقرات أمام القاضي، كانت جديرة بك أن لا تصدمنا في المقابلة التلفزيونية بفقرات إرتجالية امام خصمك الأشقر وفقراته الهجائية الأبجدية.!ّ

أنت أدرى بالشعب الأمريكي تأخذه بسمة تطرده رسمة على الخط السريع، فجائهم المرشح الجمهوري ميت رومني من هذا الخط، رتّب فقراته بألفبائيات (باء وتاء وثاء..!) ثم عاد ورتّبها بأبجديات (أبجد،هوز،حطي..!)، وما أراد الرجل بهذين الترتيبين الا جلب السواد الأعظم من ذلك الشعب الذي تأخذه بسمة، تطرده رسمة.! .. وكأنّه جاء لينقذ 47% من الشعب الأمريكي (كما صرّح به) أثناء ترتيب أبجدياته وهجائياته في المناظرة.!

إلا اذا كنت قاصدا إبرازه مهاجما شرسا، وتركته لليوم الموعود بالجولة الثانية في 16 أكتوبر بولاية كنتاكي.؟

لكن وبالجانب الآخر من الوادي حيث الشعب الأمريكي على خطوط التأمل والتفكير، وتلك الشريحة من الشعب المفكّر وبعد المناظرة مباشرة قد أدركت، أن أوباما كان بالصيانة ورومني بالخطابة، والصيانة تجود بالصدق، والخطابة تلمع بالكذب.!

لكن تلك هذه الشريحة لها خطابها الذاتي الداخلي، الكلّ يخاطب نفسه اهله بيته وحاشيته:

(إننا شعبٌ سامحنا الرئيس الأسبق بيل كلنتون خيانته لزوجته (هلاري)، وتحرّشه بعشيقته (مونيكا) ولم نسامحه كذبه علينا (الشعب).! .. وقبله نكسون هو أول من أفقده الكذب على الشعب كرسيه في البيت الأبيض .. وغيرهما في بريطانيا (باركنسون) وزير التجارة الأسبق بإنجلترا طردته وزارته لانه كذب على الشعب .. أننا عكس بلدان وزرائها يكذبون وشعوبها يصفقون.!)

بعض البلدان كثرة الكذب فيها تُخرج وزير الإعلام بطلا على الوزراء، وبكثرته ينال أوسمة ونياشين فوق جثث المكذوب المغضوب عليهم، الكلّ يتذكر الوزير العراقي الأسبق (الصحّــأف)، كان يوهم الشعب العراقي في كل خطاب له، كأنّه ألقى بنصف أمريكا في الدجلة، وسيُلقي بالنصف الآخر بالفرات، تحضرني خاطرة للكاتب الكويتي المرحوم دكتور أحمدربعي آنذاك في عموده اليومي، إقترح على العراق إستحداث (وزارة الكذب) .!

إن كان الكذب على الشعوب لاتعتبر صغيرة الصغائر لدى البعض، فإنه كبيرة الكبائر لدى البعض الآخر، تلك الشعوب تسامح العشق والغرام، والغزل والعناق والتقبيل والإحتضان في الهواء الطلق بإسم الحريات الشخصية، وتسامح كافة أنوع الطقوس والعبادات بإسم الحريات العقائدية، وتسامح كافة أنوع الكتابات والرسوم الكاريكاتورية بإسم الحريات الفكرية .. لكنها لاتسامح الكذب على الشعب ولو خلف الدهاليز المغلقة.!

فإياك ان تكذب على شعبك من “دنفر” إلى “فلوريدا” فإنهم غير متعودون،

وأكذب علينا ما شئت من “جاكرتا” إلى “سنغال”، فإننا متعودون.!