22 نوفمبر، 2024 3:05 م
Search
Close this search box.

البيان الأول و الأخير!! خطبة ابنعوف اليتيمة يوم خلع البشير

البيان الأول و الأخير!! خطبة ابنعوف اليتيمة يوم خلع البشير

بعد موجة تظاهرات انتظمت البلاد من أقصاها الي أقصاها و استمرت أربعة أشهر فيما شكل حالة ثورية مكتملة الأركان و الشروط، و أعادت ترتيب المشهد السياسي و الاجتماعي الوطني، و انتظمت في صفوفه كل القوي الشعبية و أسهم فيها كل الناس فرداً فرداً، و قدم المجتمع مئات الشهداء و آلاف المصابين و المعتقلين..
و بعد أن اختبرت السلطة كل وسائل القمع التي في كنانتها، هذا القمع و التنكيل ادارته نيابة عنهم “لجنة أمنية” مثلت فيها قادة الأجهزة النظامية و القوات المسلحة!
اختبرت سلطة الاسلامويين “الكيزان” كل أساليب القمع و ادوات التنكيل و كل حيل التشويه و التنميط و الخدع النفسية و الاعلامية.. في محاولات متنوعة لإحباط حراك التغيير الثوري و الشعبي.. لكن الحراك اثبت أنه بالغ غاياته برغم القمع و التخوين و التشويه، فتكلل بموكب ٦ ابريل الي محيط قيادة القوات المسلحة و ذلك الموكب بدوره توج باعتصام استمر خمسة أيام بلياليهن، و وضحت تماماً نية الشعب في أنه لن ينفض سامره ما لم ينفض سامر عصابة الفساد الحاكمة..
و عندما أخذت الصفوف الدنيا في القوات المسلحة تتململ غضباً، و اتضح جلياً أن “الدعم السريع” و هي القوات التي كونها عمر البشير لتكون حصنه و خط دفاعه الاخير ضد الإسلاميين و ضد العسكر؛ اتضح أنها غير مستعدة لتحمل وزر مذابح جديدة، حينها فقط أيقنت “اللجنة الأمنية” أنه لابد من تغيير كبير و إن كان شكلياً حتي يسلم القسم الأكبر من النظام و حتي يستتب الوضع فيعود لاحقاً لتصفية كامل الثورة و ناشطيها الأساسيين!
و بالفعل فرضت اللجنة الأمنية علي ” اللجنة السياسية” تغييراً و تولت قيادته! تلي رئيس اللجنة الأمنية “نائب الرئيس الجمهورية و وزير الدفاع” الفريق أول عوض ابنعوف بيان اللجنة الأمنية “و بيان الانقلاب الاول و الاخير”!
لكن ما نجح “الأمنيون” في فرضه علي اللجنة السياسية من تغيير يتوقف عند “رأس النظام” لم يتمكنوا من فرضه علي جمهور الشعب الثائر و المعتصم عند أبواب مجمع قيادة القوات المسلحة..
فقد كان البيان الأول علاوة علي أنه جاء متأخراً جداً، فقد جاء كذلك ضعيفاً غير مقنع و مفارق لتطلعات الثوار و مطالبهم المشروعة..
فقد بدأ البيان الموسوم (بيان رقم ١) بديباجة دينية أعادت للاذهان بيانات الطغمة الحاكمة التي تسوقت و تسولت بالدين لثلاثين عاما!
ثم إن البيان عرف الذين يقفون خلفه بأنهم (قيادة الجيش و الشرطة و الأمن و الدعم السريع) وهذا يكشف أن التغيير لن يكون كاملاً و لا جذرياً، فالشرطة و الأمن هما الذين توليا كـِبر القمع خلال أيام الاحتجاجات و الاعتصام، بينما الدعم السريع معروف بأنه مليشيا كونها البشير و سمعتها ملطخة بفظائع دارفور و فظائع احتجاجات سبتمبر ٢٠١٣م!
حاول البيان أن يدغدغ مشاعر الحشود بالحديث عن الظلم و استفراد الاسلامويين بالموارد و السلطة، و ادعاء أن القوات التي كانت تحرس السلطة لثلاثين عاماً عانت ذات الحرمان! و هذا القول لا يحترم درجة الوعي الشعبي التي بلغتها الثورة، و كان اجدي لو أن البيان قدم نقداً للسياسة العسكرية و الأمنية للنظام و اجتهد في تقديم تبرير لتقاعس القوات عن إحداث تغيير طيلة العقود الثلاث برغم توفر كل أسباب التغيير!
حاول البيان أن يستثمر مخاوف الناس من سيناريوهات إقليمية “ليبيا و اليمن و سوريا” لطالما استثمارها النظام “البائد” و ان غلف إستثماره بالحديث عن حكمة الشعب التي جنبته ما أسماه البيان “المزالق”!!
بعد هذه المقدمة و بعد انتقاد أسلوب الحكومة في التعامل مع التظاهرات و الإشادة ب”مهنية و احترافية” قوات اللجنة الأمنية؛ دلف البيان الي لب الأمر و أعلن أن اللجنة الأمنية قررت “اقتلاع النظام” و اعتقال رأسه و التحفظ عليه في مكان آمن! و لست ادري من هي الجهة التي أرادت اللجنة الأمنية إرسال رسالة إليها و طمأنتها بعبارة “المكان الآمن” تلك؛ ربما تكون جيوب الاسلامويين في القوات النظامية و المليشيات الحزبية (الأمن الشعبي و الدفاع الشعبي) و المليشيات الموالية لرموز النظام، لكن علي كل حال كان للرسالة وقع سئ في بريد الشعب المحتشد!
ثم بعد ذلك الاعلان، أشار البيان الي جملة تدابير، اولها قانونية و ادارية داخلية لترتيب الانتقال إلي وضع جديد تم بموجبها إعلان حل أجهزة الدولة السياسية و في ذيلها (الفقرة ١٣) إعلان إطلاق جميع المعتقلين السياسيين،و ثانيها اعلان يتعلق بالالتزامات الدولية و الوفاء بالتعهدات و الاتفاقات الخارجية، و أخيراً ترتيبات متعلقة بالمعاش اليومي و الخدمات و ترتيبات تأمين الانتقال الأمنية و العسكرية.
لم تكن لغة البيان حازمة و لم تكن الاولويات فيه مرتبة ترتيباً صحيحاً “الأهم فالمهم”، كما لم تكن الاجراءات واضحة لجهة أحداث قطع مع ماقبل ١١ ابريل، هذا علاوةً علي التأخير الذي اعتري إذاعته.. لذا رفضه الشارع و لم يجد حتي تحالف المعارضة المتشكل حديثاً “قوي إعلان الحرية و التغيير” فرصة للأخذ و الرد حوله! لذا سرعان ما اضطر الفريق الأول “ابنعوف” الي قرأة خطاب تنحيه قبل مرور ٢٤ ساعة علي إذاعته البيان رقم واحد مفسحاً الطريق أمام تغيير أكثر راديكاليةً.

أحدث المقالات