23 ديسمبر، 2024 12:48 ص

راحت أصابع العشر سنوات تضرب مفاتيح البيانو المركن الى زاوية الغرفة بعبث طفولي ،
النشوة تغمر رأسه وتندفع كالبركان بذاك الحماس الطفولي المنبعث مع لحنه وهو يردد نشيده المفضل
” الى الأمام ـــ الى الأمام ” وتوقف فاه فجأة عن الترنيم إذ صاحت به أمه ، دعك من الإنشاد الآن ،
وأترك فرصة لوالدك كي يتفهم أخبار اليوم .
ـــ ماما كل يوم أخبار ، أخبار ، أخبار .. قالها بلهجة غاضبة مشمئزة من هذه الكلمة التي تمزق عليه
صفاءه وسلامه الروحي وخلوته مع الحانه المحببة لنفسه ،
ـــ سيكون والدي بعد الأخبار متجهما غضوبا ..
ـــ ولدي أخبار لبنان ودول أخرى مشوشة ومؤلمة .
ـــ ومتى كان بين الأخبار أمراً ساراً ؟؟؟ انهم لا ينقلون في النشرات الأخبارية غير حصاد الموت
واصوات فرقعة القنابل المتفجرة في أنحاء الكون .
ـــ العالم اليوم بأجمعه مرتبك يا ولدي .
ـــ ماما .. وطرح سؤاله بذات الطريقة الذكية التي تعودتها منه وهي تحمل في طياتها عطر البراءة
المحببة الى نفس كل أم تُسر بأسئلة صغارها بما يدل على فطنة وتفكير ،
ـــ ماما لماذا يقاتل البشر بعضه بعضاً ؟ ألا يمكن للعالم أن يعيش الآمان…!! ؟

أسئلة كبيرة على ألسنة صغيرة
قلوب صغيرة تنبض بحياة أكبر من أن نتصورها …يحسون بما حولهم ويعيشون واقعهم بكامل الخوف
والرهبة المغلفة بمظاهر الأحتماء بالوالدين بدليل أنه يبكي عند مغادرتي المنزل الى الوظيفة ، حيث
يصرخ والدموع لا تكفكفها الوعود المرتقبة ، أبقي بجانبي يا ماما ، لاتتركيني لا تذهبي بعيدا …
وعدت لسؤاله : بماذا أجيبك يا ولدي ، ومن أين أبدأ الجواب …؟
سؤالك واحد والأجوبة لا تحصى !!!
ـــ ماما أسمع معلمتي عندما تأنب التلاميذ الذين يتقاتلون ، هل أنتم حيوانات أم بشر ..؟؟ لماذا كل هذه
الالآم التي تحدثونها لبعضكم البعض ؟ .. هل تلتذوّن لممارسة الالآم والعذاب ..؟
ـــ الإنسان يفوق وحوش الغاب ضراوة حين يفقد ألفته وإنسانيته ، إنها ليست قضية مستجدة ، كانت
المجزرة الأولى في تاريخ البشرية بين الأخوين الوحيدين في العالم هما ” قابيل و هابيل ” ولن تكون لها
نهاية يا عزيزي .
وتدخل صوت العجوز الجالسة على اريكة في ركن الغرفة وقد تدثرت ببطانية سميكة لتقاوم الروماتيزم
في ساقيها.
ـــ عد الى نشيدك يا صغيري العزيز .. فإننا لن نجد الأمان إلا على أفواه الصغار .. أنشدني يا صغيري
أنشد بكل آمان الآن .. لا تتعجل الأيام ، فأنت سائر في طريق الآلام ، وضحكا بوداعة مرتبكة .