23 ديسمبر، 2024 3:21 م

هل زرعت داعش كشجيرة متكاملة في بيئة إسلامية وتركت تترعرع بمقدراتها الذاتية كي تتحول إلى منظومة متكاملة من قيادة عسكرية ومخططين استراتيجيين وجهاز إعلامي متمرس وهيكلية مالية متكاملة وعلاقات دولية لا تحترم الحدود الدولية ولا السيادة لأي دولة في العالم سوى سيادتها على المساحات التي بسطت نفوذها فيها وجهاز سياسي متكامل الإبعاد يمثله طوعا او كراهية في مجموعة من مجالس الأمم أو المجالس النيابية والذين تم انتخابهم لحماية وصيانة بلادهم من عدو باتوا يعملون في خدمته.

زرعت من قبل أعداء الأمة كنهاية فاصلة للصراعات الدموية التي ابتلت بها منطقة الشرق الأوسط من فترة الحروب الصليبية وليومنا هذا واستخدمت هذه الشجيرة كسلاح أطاح بعدة أهداف في فترة قياسية بينما فشل أعداء الأمة من تحقيق ولو جزء يسير ولعقود أو قرون من الزمن ما حققته داعش في بضع سنوات .

أم هي بذرة زرعت في بيئة مستعدة لاحتضانها والعناية بها ومدها بالمال والرجال والفكر الإسلامي المتناسب مع التركيبات الجينية لتلك البذرة. بيئة يرزخ فيها مواطنيها من الإهمال والفساد والتخلف الاجتماعي والتحريم والتكفير لكل ما هو ناقد أو متسائل للتاريخ ومتطلع لحقيقة أسباب تخلف مجتمعاتنا عن الركب العالمي ولماذا حقق الغرب طفرات نوعية في العلم والأدب والفن بينما تخلفنا نحن بقفزات هائلة إلى الخلف في بضع سنين.

دراسة تاريخية بسيطة ومحايدة من القرن الثاني عشر والى القرن الخامس عشرا الميلادي يبين إن إدارة العالم الإسلامي لم تكن مبنية على أي من الأسس التي حققت تقدما علميا في أي من مجالات الطب والفلك والفيزياء أو الكيمياء. بينما نرى إن فردريك الأول ملك بروسيا 1701 كان يعلن إن مصلحة الوطن فوق مصلحة الجميع وهو خادم لشعب بروسيا وكان أول من أسس أكاديمية للعلوم الفلكية والفيزيائية وأسس أول دار أوبرا لعوام الشعب كما أسس الجامعات وأعلن أن العبادة شأن خاص ومن حق أي مواطن اعتناق أي دين يقتنع به.

وهنا نشير الى فترة ركود الدولة العثمانية عام 1606 حيث انهارت مؤسسات الدولة العثمانية وتحول اهتمام السلاطين من بناء الدولة الى قضاء أوقات شبابهم في أحضان الجواري وابتداع طرق للفساد الأخلاقي والإداري وتفشت الوساطة في التعيينات السلطانية ومنعت السلطات الدينية طباعة الكتب ويعاقب بالموت من يتاجر بالكتب المطبوعة والطريف بالموضوع ان الكتاب الوحيد الذي سمح باستيراده وترجمته وطبعة كان كتابا طبيا لمعالجة السفلس (المرض المعدي الذي ينتقل بوسيلة الجنس).

ووصلت الدولة العثمانية إلى بداية نهايتها بمرحلة الأفول الأول عام 1699 واستمرت بالانحلال عام 1792 عندما خلع الانكشارية السلطان سليم الثالث تحت قيادة قباقجي مصطفى اوغلي والذي رفض إصلاحات السلطان وتم اغتيال السلطان بعد عام من خلعة واستمرت عمليات الخلع للسلاطين من قبل الانكشارية والى السلطان محمود الثاني عام 1826 الذي قضى على الانكشارية وبدأ بالإصلاحات ولكن في تلك الفترة تجاوزت أوربا مرحلة التجديد الرنسانس وبدأت بثورتها الصناعية والفلسفية وكانت قد أسست الأكاديميات العلمية والجامعات وتحولت جيوشها الى قوة ضاربة تجوب اعالى البحار في البحث عن مستعمرات ومواد أولية لصناعاتها المختلفة وأدخلت المككنة في عالم الزراعة والصناعة. وأدخلت أوربا أهم عامل لسبب تقدمها وهو عامل الحكم وتحويل الفرد من الرعية إلى

المواطن وتشكيل المجالس المنتخبة التي بدأت تحكم البلاد وأبقت على رمزية الملكية كرمز للبلاد ولكن بدون سلطات تذكر. كما كتبت دساتير تحفظ للمواطن حريته وكرامته وسنت قوانين تتناسب مع روح المجتمعات وابتعدت عن الأجوبة الإلهية التي كانت تعتقد أنها تمتلك كافة الأجوبة في أوربا المظلمة. ومنحت للقضاء سلطة منفصلة عن بقية السلطات كي تمارس العدالة بين الجميع بالحق.

ونعود ونسأل هل مجتمعنا هو الذي خلق داعش بمساعدة الغرباء ام الغرباء غرسوا هذه الشجيرة الخبيثة وفرضت نفسها علينا جميعا.