صديق يجيد اللغة الفرنسية، من دون إحتراف الترجمة، شخَّص خطأً في نقل أحد المترجمين الكبار.. كبار جدا، حد جرنا الى السخرية من ذاك الصديق؛ حين قال بأن الأستاذ خلط النهر بالعصفور؛ لسوء فهم وقصور رؤية!
سخرنا مستفزين؛ لأن الأستاذ غير قابل للخطأ؛ فهو شخصية مهيمنة على ثقافة البلد كلها، أفاد من ريادته في التعلم خارج العراق، ضمن زمالة دراسية الى فرنسا.
“أنت بغضاضة فرنسيتك غير الاحترافية، تخطئ تجربة ترجمية كبرى كالاستاذ!؟”.
ذهب الزمان وتوالت السنين، وتفرق الأصدقاء.. “واحد صفه بالشرق وواحد صفه بالغرب” وبينما أطالع كتابا من ترجمة “المهيمن” وجدته يترجم إسم الشاعر الكونت دي ليل، على أنه كوينت دليل.
لحظتها تداعت أفكار عن أناس جهلة، لا يكتفون بالتغطية على جهلهم، إنما يسوّقونه على أنه معرفة وعلم غزير؛ لما يتصفون به من قوة شخصية مهيمنة قائمة على “البوخة”.
“البوخة” بالمعنى الدارج: هي بسط سطوة على الناس، في ميدان ما.. مهني او إجتماعي.. من دون مؤهلات.. بل يشغلون المؤهلين بخدمتهم، ناسبين إبداعاتهم لهم هم.
أثار “الكوينت دليل” فضولي لأسأل شيخا هرما.. ممن جايلوا الأستاذ.. عنه؛ فقال: “والله يا بنتي لن أكذب عليك؛ فأنت بمعزة حفيدتي، يا الأستاذ قضى اربع سنوات الزمالة الدراسية بين مواخير باريس وشقق ذوات الرايات الحمر؛ لأننا كنا نمنعه من إصطحابهن الى البانسيون الذي نسكنه؛ فيبيت عندهن، ويجيء الى الكلية ثملا مهدود القوى.. غير قادر على التركيز الكافي لإستيعاب الفرنسية.. لغة الجمال المرهفة، بينما نحن نصل الليل بالنهار دراسة؛ كي نستوفي مقومات: دكتوراه أدب فرنسي”.
واصل جدو: “تخرجنا عائدين الى العراق.. دكاترة بحق، وهو “نص ردن” لكن عينوه مديرا عاما بإرادة ملكية سامية، ووضعونا تحت يده؛ نغطي جهله.. نترجم فيوبخنا، مدعيا تصحيح ما نحن وإياه “دافنينه سوه” مغيرا كلمة برديفتها؛ يبرر بهما “لطش” إسمه على المادة بدلا منا”.
هذا في زمن المثاليات الخمسينية يا عراق، فكم “بوخة” إرتدى البدلة الزيتوني من 1968 الى 2003 خلعها ووضع عمامة على رأسه وتختم بمحبس في كف تمسك مسبحة تتناغم مع طرة في الجبين، بعد 9 نيسان 2003 صانعا لنفسه تاريخا نضاليا في المعارضة، يُشْهِدُ عليه أناسا لو قالوا: “عهدناك نقيض المعاضة.. جيش شعبي تلاحق الفارين من ضغط العسكرية” تتم تصفيتهم.