الجهل، والتخلف، لم يكونا بالأمر العارض في حياة أي مجتمع، ومنه المجتمع العراقي، ويزول كما تزول الأتربة من على الأشياء بالمسح، بل هما بنية ذهنية عند الكثير من أفراد ذلك المجتمع، وقد استحكمت حلقاتها السلطات المهيمنة علىمقدرات المجتمع، وشأنها العام، وكانت حلقاتهما عند القلة من أبناء المجتمع العراقي في سبات ثم فتح الاحتلال الأمريكيالقمقم المختبئة فيه، فعادت من جديد للظهور بشراسة، وزادتأيضا بعد عام 2003، والذي شجعها، وأعطاها جرعات منعشة، ورسخهما هو الاحتلال نفسه، وطورهما، وهذه البنية الذهنية بحاجة الى تفكيكها الى عناصرها الأولية لتحليلها، ومن ثم دراستها، ووضع الحلول لها، وابعاد كل ما هو خرافيفيها، وما هو مشجع على الجهل، وغير صالح لعصرنا، بعد أن أصبح له ستراتيجيات ذات أدوات متنوعة، ومتعددة، وقد دفعته تلك القوى المهيمنة بمساعدة الاحتلال الى أن يكون علما لا جهلا عند البعض، وفتحت الطريق أمامه لكي ينمو، ويترعرع، ثم ينتشر بين أبناء ذلك المجتمع.
ان هؤلاء الذي يؤمنون بهذه الخرافات، والأساطير، هم يعيشوا في كنف الماضي، في بيئته، فهم يستوردون أسوء ما في ذلك الماضي من أفكار، وأعراف، وقيم، وأخلاق، وعادات، وتصورات، ويطبقها على حاضره مع التثقيف عليها بين أبناء المجتمع بقسوة، وعدائية لا نظير لها، وكأنه هو الصح، والآخرون على خطأ.
***
أوّل أمر يجب ان ننظر اليه هو كسر ما صار مقدسا من أمور كانت راسخة في الوجدان الشعبي لقلة من أبناء المجتمع فطفح على سطح ذلك الوجدان، وترعرع بمساعدة قوى الاحتلال، وأخذ بالنمو، والانتشار، وتوزيعه على الكثير من المظاهر التي يفرزها المجتمع.
وكذلك عبادة الأشياء، وهو ما سنتحدث عنه في هذه السطور، واضفاء القدسية عليها، والتي تكون في المنظور الاسلامي الأصيل يجب ألا تعبد، مثل: النخلة، وعمود الكهرباء، والخروف، والتركتور، وغيرها، وكل هذه الاشياء قد ملأت بقطع القماش الخضراء المسماة “علك”، ووصل الحال بالبعض ممن يقومون بهذا الفعل الى انشاء بناية عليه حتى يزار، كما فعل الأكديونقبل آلاف السنين مع سرجون الأكدي، وبنوا حزله مزارا لكي يعبد.
جاء في الأثر النبوي ان النبي محمد قد نهى أصحابه عن ذلك عندما شاهدهم يربطون الخيوط على شجرة تدعى بذات انواط.
ان تفكيك مثل هذه الذهنية التي تدعو لعبادة الأشياء، واضفاء القدسية لها، والدين يمنعهم من ذلك، توصلنا الى أمر في غاية الأهمية هي ان العرب هم أبناء صحراء، وثقافتهم جاءت من بيئتهم الصحراوبة، وهذه البيئة الصحراوبة اعتمدت فيما اعتمدت علية هو القص، والحكي، لازجاء ليالي الصحراء تلك بالحكايات، والقصص الشعبي، المليئة بالخرافات، والأساطير، ونقل الأخبار التي تدس فيها الخرافات بين سطورها غير المنظورة.
انتقلت تلك الحكايات، والقصص، من شفاهية النقل الى الكتب المدونة حتى باتت الكتب الدينية من المصادر الرئيسيةللدين الاسلامي، وهي مليئة بما هو قصص شعبي، حكائي، خرافي، اسطوري، ولو نظرنا لها من منظور اسلامي/ قرآنيعلى فرض ان القرآن هو دستور الاسلام، لما صمدت تلك الخرافات التي تفضي الى الجهل أمام هذه النظرة الحقة، والأصيلة.
ان ما مطلوب لرد هذا الفعل تجاه هذه البدع هو قول النبي محمد (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لميفعل فعليه لعنة الله)، وهذا لم يحدث أما بسبب سكوت المراجعلخوفها من ردّ فعل أولئك الجهلة، أو بسبب ايمانه بهذا البدع.
علينا أن ننمي روح الوعي عند الشباب لنبذ تلك الخرافات في عقولهم، والذي في طريقه ليؤمن بها، وتفضي الى الجهل، والتواكل، والاتكاء على الآخر.
علينا أن نغادر عقولنا ذات التفكير الدائري، والتي عندها نقطة النهاية هي نقطة البداية. علينا ألا نعود الى ماضينا، وماضينا السحيق إلا لمعرفته، وأخذ الدروس المفيدة منه، لا لتطبيقه حرفيا كما يحدث الآن عند بعض أبناء مجتمعنا.