تحتاج الدول إلى فترة طويلة, وصرف أموال كثيرة, وجهود جبارة, وخبرات عالية لتنجح في بناء قوات أمنية, أو جيش وطني لحمايتها بشكل صحيح وكفوء.
كثير من مدارس الفكر العسكري أو الأمني, تهتم بموضوعة الاحتراف والقوة القتالية, وهذا منطقي للقوات الخاصة بحماية حدود الوطن, فيما تختلف قوى الأمن الداخلي من حيث الأولوية لمهامها, فيبقى الاحتراف والمهنية والقوة والحزم في مقدمة مميزاتها المنشودة, لكن يضاف لها كأولوية مهمة , بنية أخلاقية تؤطر عملها كونها تتعامل بشكل مباشر مع المواطن.
أظهرت حادثة قتل الصحفي الأكاديمي محمد الشمري خللا كبيرا في البنية الأخلاقية لقواتنا الأمنية, وكيفية نظر المواطن إلى رجل الأمن, وكيفية تعامل رجل الأمن مع المواطن.
للكلام بموضوعية, يجب أن نركز على قيمة المواطن كانسان بغض النظر عن منصبه أو عنوانه أو مهنته, وأي مواطن عراقي له كامل الحقوق, وهو سيد..وكل من في الدولة من رئيسها إلى اصغر موظف فيها من حيث الدرجة الوظيفية, بمثابة الخادم.. لدى هذا المواطن الفرد, والشعب عموما.
رغم أن حادثة الشهيد الشمري, أخذت صدى إعلاميا ربما نتيجة استغلالها سياسيا, وانتخابيا, ومن جهات كثيرة, وتسويقها إعلاميا من قبل كثير من القنوات الفضائية, وكل منها له أسبابه في هذه التغطية, إلا أن هذا الاهتمام أفاد وبطريقة ما في الكشف عن التراجع الخطير في الأسس والمبادئ الأخلاقية لقواتنا الأمنية..بل ولكل نظام حكومتنا, والدولة بكل مفاصلها, من حيث التعامل مع مواطنها!.
بناء قوات محترفة وقوية ومنظمة ولها مهابة في قلب العدو قبل الصديق, مطلب وطني وضرورة إستراتيجية لحماية حاضر ومستقبل العراق, لكن يجب أن لا ننسى أن تلك القوات هدفها الأساسي,هو حماية امن وراحة المواطن نفسه, وإلا فلا حاجة لوجودها أن لم تحقق هذا الهدف..فكيف أن عملت بعكس ذلك؟!.
الجهد والتضحية التي يقدمها كثير من رجال الأمن, خرافي ويفوق التصور, من حيث البطولة والشجاعة والصبر على التعب والتهديد, وحجم التضحية..لكن لا قيمة لكل ذلك أن لم يكن لمصلحة الوطن..وفي خدمة المواطن العراقي.