23 ديسمبر، 2024 9:07 ص

البنك وصندوق النقد الدوليين لايتدخلان في شؤون من لايحتاج اليهما

البنك وصندوق النقد الدوليين لايتدخلان في شؤون من لايحتاج اليهما

من المواقف التقليدية التي اعتدنا على سماعها ، مهاجمة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي باعتبارهما مسؤولَين عن خراب اقتصاديات الدول النامية من خلال النصائح المُغرضة والهدّامة التي تُقَدّم لصناع القرار في تلك الدول.
في الحقيقة ان هاتين المؤسستين لاتملكان الحق القانوني الذي يخولهما التدخل في شؤون البلدان الاعضاء الاقتصادية. لكن البلدان الاعضاء التي تنتمي بشكل طوعي لهما ، ملزمة بتزويدهما ، لاسيما صندوق النقد، ببعض البيانات واطلاعهما على سياساتها النقدية والمالية لكي تضمن تلك المؤسسات انها تحترم قواعد الالتزام المالي والنقدي التي تفرضها العضوية في تلك المؤسسة .
تم عقــد اتفاقيــة بريتــون وودز في يوليو ١٩44. والاتفاقية الرئيسـية المميزة لنظام بريتون وودز هـي اتفاقيـة النظـام النقـدي التـي أنشـأت صنـدوق النقـد الـدولي لمسـاعدة البلـدان في الحفـاظ علـى أسـعار صـرف ثابتـة. وبالفعـل، كان صنـدوق النقــد الــدولي واحـدا مــن مجموعــة مــن المؤسســات المترابطــة، منهــا البنــك الــدولي .
تم انشاء هاتين المؤسستين قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل من قبل الولايات المتحدة وكندا واوربا الغربية واستراليا واليابان لاحقاً بعد استسلامها ، كجزء من الترتيبات الجديدة بعد نهاية الحرب وانتصار الحلفاء. ولغرض اعادة تنظيم الوضع المالي والنقدي في العالم بعد الفوضى التي احدثتها الحرب ووضع قواعد جديدة.
كان الوفد السوفيتي حاضراً في مناقشات تأسيس هذا النظام لكنه رفض توقيع الاتفاقية واصفاً اياها بانها امتداد لوول ستريت الامريكي.( واعتقد ان هذا هو السبب الذي يجعل الحركات الشعبية واليسارية تهاجم برتن وودز دون هوادة).
ويطلق عليها مؤسسات برتن وودز لانه تم تأسيسهما في مدينة برتن وودز الامريكية.
كانت العضوية مفتوحة لكل دول العالم لاحقاً لضمان الاستقرار النقدي والمالي في العالم.
تم تحديد قيم عملات العالم مقاسة بالدولار الامريكي الذي كان مقوماً بالذهب . وتعهدت الولايات المتحدة بالتسديد مقابل دولاراتها بالذهب عند الطلب ( معتمدة على رصيدها الضخم من الذهب الذي نما بعد استحواذها على الكثير من ذهب دول اوربا والاتحاد السوفيتي لقاء الاسلحة والمساعدات المختلفة).
البنك الدولي كان يقدم مساعدات تنموية لاعادة بناء الدول المتضررة في الحرب وغيرها ايضاً من خلال تقديم القروض الميسّرة. رأس مال البنك كان مساهماً وبامكان اي دولة ان تشتري ماتشاء من الاسهم ( كانت الولايات المتحدة اكبر المساهمين) وكان عدد الاصوات التي يملكها كل بلد يعتمد على حجم مساهمته في رأس المال.لذلك كانت الولايات المتحدة هي من تتحكم بالبنك من الناحية العملية.
الدول كانت تطلب القروض ، لكن بعضها كان يأخذ القروض لانفاقها على الدعم وفي اقامة مشاريع فاشلة ذات طابع دعائي سياسي.
البنك الدولي واجه تكرار حالات العجز عن السداد في بعض الدول ، وهنا كان يتحقق من اسباب العجز عن السداد . لقد وجد ان السبب الاساسي هو اما اقامة مشاريع ليست لها جدوى اقتصادية بل لها تأثير سياسي شعبوي فقط ، او انها كانت تذهب لدعم الخبز او الوقود وماشابه.
البنك كان يطالب بوقف او تخفيض الدعم، فكانت تثور ثائرة الحركات السياسية وعموم الجمهور المستفيد من الدعم ويتهمون البنك والصندوق بمحاربة الفقراء والضغط على الحكومة لايقاف الدعم ورفع الاسعار.
في حقيقة الأمر ان البنك كان يضع شروطاً من اجل اعادة الاقراض لاخراج البلدان من الأزمات ولضمان استرداد قروضه شأنه شأن اي بنك آخر.
والطرف المذنب هنا هو الحكومات التي اما ان تكون فاسدة او فاشلة وسيئة الادارة.
انا لا ادافع عن سياسة ونزاهة هاتين المؤسستين ، التي يمكن ان تكون لدى اعضائها الكبار اهدافاً سياسية حتماً.
لكني اردت ان اسلط الضوء على دور الحكومات التي ليست مجبرة على الحصول على مساعدات هاتين المؤسستين .
في التسعينيات وخلال الازمة الاسيوية، طلبت ماليزيا مساعدة البنك الدولي للخروج من الازمة . وعندما اطّلع مهاتير محمد ( رئيس وزراء ماليزيا) على تلك الشروط لم تعجبه ورفضها وقال لهم : شكراً سوف نعتمد على انفسنا.
لم يغضب البنك الدولي ولم يفعل اي شيء واستطاع مهاتير محمد معالجة المشكلة بدون البنك الدولي.
أذن هي الحكومات التي تطلب القروض او احياناً كثيرة يطلبون المشورة فيما يتعلق بالاصلاح المالي او النقدي ويقدم البنك والصندوق مقترحات للحل.
البنك الدولي يعود له الفضل الكبير في تطوير ادوات واساليب تقييم المشروعات ودراسات الجدوى الاقتصادية والمالية والفنية ، بل وحتى اساليب قياس المنافع الاجتماعية وتكميم الآثار البيئية.
ويقيم البنك عشرات الدورات والبرامج التدريبية للدول الاعضاء في مختلف المجالات المالية والاقتصادية ولاسيما دراسات الجدوى.
البنك يدرك ان نقطة الضعف الاساسية لدى الدول النامية كانت ضعف او غياب دراسات الجدوى لان المشاريع كانت حكومية ولا أحد يكترث بجدواها.
في العراق بدأ الاهتمام بإعداد دليل لتقييم المشروعات بشكل رسمي عام ١٩٨٢ بعد ان اغلقت سوريا انبوب النفط العراقي المار في اراضيها وأحدث ذلك ازمة مالية في العراق دعت الحكومة الى تشكيل لجنة لاعداد ذلك الدليل كوسيلة لعقلنة الاستثمارات.
خلال كل الفترة السابقة كانت دراسات الجدوى ساذجة وبسيطة او انها تُعَد من قبل الشركات الأجنبية التي كانت تعدّها بشكل تلفيقي من اجل تمرير المشروع.
وسوف اتناول موضوع تطور دراسات الجدوى في العراق في مناسبة قادمة ان شاء الله.