يعود جوهر الخلاف في قضية البنك المركزي العراقي من وجهة نظر الحكومة ونواب ائتلاف دولة القانون الى الخلل في الدستور العراقي (وهو ما يجب ان يحاسب عليه من قام بصياغته لا من احترم بنوده)، ففي المادة (110ثالثا) أصبح من ضمن اختصاصات الحكومة المركزية: رسم السياسة المالية والكمر كية، وإصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة ، ورسم السياسة النقدية وإنشاء البنك المركزي وأدارته). بيد ان قانون البنك الذي صدر عام 2004 منحه حرية واستقلالية في أداره السياسة النقدية في إطار السياسة الاقتصادية العامة.
فالبنك المركزي كما هو الحال في اغلب دول العالم مرتبط بالبرلمان وليس الحكومة التي تتولى صياغة وتنفيذ السياسة ألاقتصاديه ألعامة والتي لا نعرف اذا كان الشبيبي وفريقه قد ساهم فيها أصلا أو ان كان مقتنعا بها. من هنا جاء وصف النائب سامي العسكري لسلوك الشبيبي ومساعديه بأنه (خارج سيطرة ألدوله)، وهذا ما يفهم منه ان السلطة التشريعية التي يخضع لها البنك ليست ضمن مؤسسات الدولة العراقية !!!!!
فالبنك المركزي هو في الحقيقة بنك الدولة أو بنك الحكومة طبعا، وطالما انه بنك الدولة فلن يكون مستقلا عن الدولة، فالحكومة في أي بلد في العالم تتحكم عن طريق البنك المركزي في الاقتصاد الوطني ككل بداية من إصدار للنقود والتحكم بسعر الفائدة والإقراض والاقتراض (الائتمان) وغيرها من الإجراءات حيث توضع أموال جميع البنوك العاملة فى الدولة فيه، و يقرض هذه البنوك عند الحاجة، لذلك.. وباختصار هو خزينة الدولة.
و هنالك في العراق سبعة مصارف مملوكة للدولة و23 مصرفاً خاصاً وثمانية مصارف إسلامية خاصة، بحسب موقع البنك المركزي، فيما يهيمن على القطاع المصرفي مصرفا الرافدين والرشيد الحكوميان، ويخضعان حالياً لإعادة الهيكلة من أجل تسديد الديون التي تراكمت بعد سنوات من الحرب والعقوبات.
وللتعرف هنا على وجهة نظر الحكومة وخبراءها بشان موقف ودور البنك المركزي العراقي وانتقاداتهم التي طفت على السطح له وذلك بعد إصدار مذكرات الاعتقال، وسحب يد الشبيبي وفريقه في إعقاب تقرير قدمه ديوان الرقابة المالية الذي أصبح رئيسه مديرا للبنك المركزي –مؤقتا- ربما مكافاءة له على توفير المبررات للتخلص من الشبيبي ونائبه.
تتهم الحكومة الشبيبي ومساعديه بأنهم أصبحوا مجرد أداة لتغطية استيراد التجار من السلع الاستهلاكية وتسهيل تحويل العملة الصعبة للخارج، بينما الاقتصاد بحاجة الى تخصيصات كبيرة لمعالجة الركود وإيجاد فرص عمل للعاطلين وتحسين أحوال الفئات الفقيرة وتطوير الخدمات والنهوض بدور القطاع الخاص.
أما الاتهام الأخر فهو ان البنك المركزي لا يقرض المصارف الأهلية لتقوم بدورها بتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة، او المحافظة على سعر صرف الدينار العراقي، وان مشروع رفع ثلاثة أصفار من العملة لا يغير من حقيقة التضخم ولن يقود الى خفض واستقرار الأسعار.
والاتهام الثالث: ان المركزي لم يقم بأي إجراءات لمنع انهيار المصارف الاهليه والرقابة على معاملاتها ومنع تدهورها وانهيارها باعتبار ان النظام المصرفي واحد وهو يؤشر على مدى الثقة بالاقتصاد العراقي.
والاتهام الرابع: ان المركزي يغرد خارج سرب الحكومة وانه تحول إلى دولة داخل دولة… ويعمل بعيدا عن محيطه الذي يعنيه باعتباره بنك الحكومة الذي يدير السياسة النقدية في إطار السياسة الاقتصادية الكلية التي يفترض ان تكون متناسقة ومتكاملة مع بعضها.
والاتهام الخامس للمركزي : هوا لتبعية والانصياع لضغوط وتحكم صندوق النقد الدولي ووصفاته الجاهزة التي لا تأخذ بنظر الاعتبار إمكانات العراق المالية الكبيرة وظروفه الناجمة عن اربعه عقود من الحروب والخراب.
والاتهام االسادس: ان المركزي يصر على ان متانة الاقتصاد وقوته هي متغير تابع لمستوى سعر الصرف الدينار، فيتدخل دائما للتأثير على قوى العرض والطلب مما يجعل السلع المستوردة ارخص على حساب على الإنتاج المحلي . وهذه الاتهامات يفهم منها ان الحكومة ترغب بالعودة الى صيغه مركزيه صارمة للتحكم بالتحويل الخارجي تربط البنك المركزي مباشره برئيس الحكومة لتحقيق التناغم بين مفاصل السياسة ألاقتصاديه ومثل هذا التوجه ربما سيؤدي الى انخفاض سعر صرف الدينار العراقي وازدهار السوق السوداء والتهريب وتنامي الميول التضخمية!!!
واذا كانت مناقشة وجهتي النظر هاتين أي الحكومية والبنك المركزي التي فيها من الخلط الكثير تتطلب دراسات ولجان متخصصة لبيان مابني على فرضيات نظرية غير واقعية من هذه الاتهامات كالحديث عن إنتاج سلعي عراقي لا وجود لاغلبه أصلا، او تحميل البنك المركزي وزر فشل عملية إدارة الملف الاقتصادي برمته في تداخل وخلط بين صلاحيات وزارة المالية والتخطيط وبين البنك المركزي إضافة الى تحميله وزر الارتفاع في سعر صرف الدولار قبل أشهر بسبب الأوضاع في الدول المجاورة، فقد كان بالإمكان لو توفر صدق النوايا وتكاتف الإرادات الوطنية وارتباط جميع مفاصل الدولة يبعضها وفق رؤية واحدة حل جميع هذه الإشكالات وتجاوزها واجزم انه لم يتحقق حوار بناء وشامل وفني بين خبراء الحكومة الاقتصاديين والبنك المركزي للتوصل الى علاجات وتوافقات فنيه واقعيه تخدم متطلبات النمو الحقيقة خاصه مع وجود دور من يقومون بتصعيد الموقف وليس تقريب وجهات النظر…. لكننا هنا نتحدث عن وطن تحرقه الضغائن والمؤامرات والتسقيط والتناحر والنوايا السيئة وزرع الأرض بالألغام لتزيح مخالفي الرأي عن المواقع الهامة بحجج مشروعة او غير مشروعة.
أن القضية المعلنه التي كانت السبب في صدور مذكرة الاعتقال بحق الشبيبي و15 من فريقه تتعلق بسوء إدارة أموال المصرف وبالتحديد سجل العملاء ومزادات بيع العملة الصعبة خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومن الثابت ان أموال العراق من العملة الصعبة كانت هدفا وجهت اليه نظرات الحيتان منذ البداية مما حث الحكومة على طلب مساعدة الأمريكيين والبريطانيين في هذا المجال لضبط حركة الأموال من والى خارج العراق الذين وضعوا أنظمة صارمة وحساسه للرقابة على عمل المصارف بعد إحداث ال11 سبتمبر 2011م. ويتذكر الجميع تفاصيل اختطاف الخبير البريطاني( بيتر مور) وخمسة من معاونيه عام 2007 والذين كانوا على وشك الانتهاء من تشغيل نظام مراقبة دقيق في وزاره المالية العراقية كشف الكثير من تفاصيل فقدان 18 مليار دولار والجهات التي هربت إليها هذه الأموال، وهو ما تسبب باختطافه وفريقه وتصفيتهم بوحشية.
والغريب ان راضي الراضي رئيس هيئة النزاهة الذي لجا الى الولايات المتحدة اعترف إمام الكونغرس الأمريكي بوجود سرقات من العملات الصعبة بقيمة 18 مليار دولار!! مؤكدا ان الحكومة تعرقل فتح التحقيق بقضايا الفساد، وجرى إيقاف عدة قضايا فساد ضد مسئولين حكوميين، فيما ذكر سلام عضود كبير المحققين في هيئة النزاهة أمام الكونغرس أن 13 مليار دولار من أموال إعادة الأعمار أهدرت أو نهبت عبر مشاريع وهمية على أيدي عناصر فاسدة في الحكومة العراقية.
وفي شهادة أخرى، اعترف القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة المستقيل بعد ان عجز عن تطبيق القانون في ندوة مع قناة ‘الحرة’ بتاريخ 23/9/2008 أن 690 قضية فساد تم إغلاقها بموجب قانون العفو العام لسنة 2008، وأن الدستور كان يمنع العفو عن قضايا الفساد ولكن تم إلغاء ذلك في قانون’العفو العام الأخير، وأشار أنه كان المفروض من المتورطين بالفساد ممن شملهم العفو أن يعيدوا الأموال المسروقة إلى الدولة إلا أن ذلك لم يتم!!!
رئيس هيئة الادعاء العام الاتحادي صرح لصحيفة ‘الصباح’ الرسمية بتاريخ 21/2/2009 بأن هناك عائق كبير يعرقل عمل هيئة النزاهة وهي المادة 136 من قانون الأصول التي تتطلب موافقة الوزير المختص لإحالة الموظف المتهم بالفساد للقانون، حيث أضاعت هذه المادة مليارات من المال العام، ويجب إلغاء هذه المادة لانتشال العراق من وحل الفساد حسب قوله.
وفي شهادة رابعة، كشف موسى فرج رئيس هيئة النزاهة السابق لقناة ‘الفيحاء’ في 4/3/2009 بأن قيام رئيس الوزراء بتشكيل مجلس للنزاهة يضم هيئة النزاهة ولجنة النزاهة في مجلس النواب ومجلس الرقابة، يعتبر تدخلاُ وإجراء غير دستوري لأنه يجعل هذه الجهات المستقلة تابعة لمكتب رئيس الوزراء وهو تعطيل لمكافحة الفساد. وأضاف أن رئيس الوزراء عين أشخاصا غير مؤهلين في مواقع رئيسية في هيئة النزاهة، كما أن وزير الدولة لشؤون النواب يعرقل أية محاولة من النواب لمحاسبة أحد المسئولين عن الفساد إلا بموافقة رسمية من ذلك الوزير. وأكد فرج ان خسارة العراق من وراء الفساد الحكومي تتجاوز 250 مليار دولار.
حقيقة سوداء مثل (السرطان المقدس)، هو عنوان كتاب لعلي اللامي، بات ينهش جسد الدولة العراقية وعلى العكس انتقل من قمة السلطة الى قاعها وشرايينها ومؤسساتها وجميع مفاصلها ومن بينها البنك المركزي العراقي الذي جرت محاولة غامضة لإحراقه وإتلاف محتوياته في حزيران عام 2010 ولا زالت ملابساتها سرا غامضا اذ لا يمكن لأي تنظيم إرهابي ان يقتحم مؤسسة مالية كهذه بنية السرقة !!!
البنك المركزي العراقي يقلل من الأرقام المتعلقة بتهريب العملة او تحويلها للخارج ويرى انه مبالغ بها، فقد بيع في مزاد البنك للفترة من 2003 -2009 حوالي 70 مليار دولار( لنفترض جدلا لعدم توفر المعلومات انها وصلت الى 120 مليار دولار الان )، الجزء الأكبر منها لتغطية استيراد سلع وخدمات في العراق في حين بلغت نسبة رؤؤس الأموال المحولة للخارج 15% فقط، ومعظمها متركز في الأردن، ثم بسوريا قبل إحداث العنف فيها.
ان أول من فجر هذه القنبلة بوجه البنك المركزي هو السيد علي العلاق الأمين العام لمجلس الوزراء في 28 نيسان من هذا العام حيث استند على تقرير ديوان الرقابة المالية الذي تكفل بتقديم الذرائع لعملية التخلص من الشبيبي ومساعديه وجوهر الاتهام الخطير( ان المركزي سهل تهريب 180 مليار دينار عراقي وان عمليات التحويل الخارجي لاتتم وفق القانون وان اقل من خمسها فقط قانونية وقد تحول العراق إلى بلد لغسل الأموال وتمويل الإرهاب!!!). بعد ذلك بأسبوعين تقريبا اتهم النائب عزيز المياحي مجلس النواب بإهمال دوره الرقابي إزاء إخفاقات البنك المركزي……، ثم تصاعدت الاتهامات التي كانت تبشر بالعاصفة القادمة التي تحولت الى إعصار وذلك على لسان النائب هيثم الجبوري الذي وجه الاتهام( لست شركات وشخصيات سياسية متنفذه تهرب من 5 الى 10 ملايين دولا يوميا، وحدد مبلغ إجماليا هو 220 مليار دولار قال انه تم تهريبها خارج العراق منذ عام 2003م) وتوقع استجواب الشبيبي وإقالته (اذا ما ثبت تورطه في الموضوع وارتباطه بتلك المافيا) حسب تعبيره !!
عند تدقيق وحساب الأرقام التي ذكرها النائب الجبوري، من دولة القانون، عن الأموال المهربة يوميا وخلال تسع سنوات حسب ادعاءه نلاحظ أنها تتراوح بين (16200 مليون دولار و 32400 مليون دولا) و لا نعرف كيف قفزت لتصل الى 220 مليار دولار ؟؟ إحدى المصادر الحكومية الموثوقة أشارت الى ان الخسائر الناجمة عن عمليات تحويل خارجي للعملة العراقية عبر البنك المركزي لم تتجاوز 496 مليون دولار فقط . ولازالت أسماء الساسة الكبار المتورطين في هذه العملية الذين ستبقى في علم الغيب غامضة بالنسبة لنا مثل زملاؤهم المتورطين في تهريب معتقلي القاعدة من سجن صلاح الدين !!!
تتساءل الحكومة في اتهامها للشبيبي بالتقصير: كيف يستطيع شخص واحد على مدى ثلاثة سنوات وبصورة شبه يومية ان يقوم بشراء 60 مليون دولار من مزاد المصرف المركزي ويقوم بتحويلها لا الى( تشيز منهاتن) او أي من البنوك العالمية الرصينة الخاضعة لإجراءات ألرقابه الدقيقة لعملياتها وإنما الى بنك (الإسكان والتمويل الأردني) الذي ارتفع رأس ماله بقدره قادر بعد عام 2003 ليصل الى 355 مليون دولار بفضل التحويلات العراقية اليومية التي تفوق الخيال من قبل مضاربين وساسه ووسطاء ومهربين؟
كيف استطاع صاحب هذه الشركة ان يسحب هذه المبالغ الخيالية من الدينار العراقي كل يوم اسوه بخمس شركات أخرى ولم يسأله احد عن مصدرها وأين تذهب في حين يخضع تحويل مبلغ يزيد على 10 الاف دولار في أي دولة في العالم للمسائلة عن مصدره ووجهته وهي مسؤولية يتحملها أضافه الى المحافظ ونائبه المدراء التنفيذيون في البنك المركزي ومفتشه العام والمخولون بتطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال وجهاز الاستخبارات العراقي أيضا. ترى هل خضعت مكاتب الصيرفه وتحويل العملات في العراق للرقابة عن نشاطاتها والكل يعلم دورها في غسل الأموال وتهريب العملة بطرق مبتكره ومن هم زبائنها الحقيقيون ووفق أي ا ليه تعمل ؟؟؟؟
يقول المؤرخ الروسي جورجي ديرولغيان( لم يسقط السوفيت بفعل عوامل خارجية لان الغرب كان مجرد متفرج مذهول كما ان الانهيار لم يأت من الأعلى ولا من الأسفل بل من المنتصف حيث يعشعش المسئولون البيروقراطيون الذين خشوا على أنفسهم وامتيازاتهم من موجه الإصلاح التي أطلقها غورباتشوف وكذلك أصحاب المصالح وأغنياء الحروب من العصابات ومديري الأسواق المركزية وكبار الموظفين الفاسدين))
لم اشأ من خلال هذا المقال بأجزائه الثلاث تبني وجهة نظر أي طرف كان بل كان هدفي في ضوء ما اتيح لي من معلومات ومعرفه توضيح حقيقة المشهد الراهن الذي يخضع كغيره للمزايدات ويغرق في بحر الإعلام الرخيص من قبل جوقة الرداحين والأبواق الدعائيه التي لا تميز بين سرادق العزاء وخيمة العرس، وترتقي منبرا لأصلة لها به وتفتي فيه … يمتنع عن الخوض فيه حتى بعض المختصين لوعورته وتشابكه في وسط اختلط فيه حابل كل شي بنابله ولم يعد فيه من السهل تميز الحق عن الباطل،
ومهما كانت الجهة التي تتحمل مسؤولية الإخفاق الذي حصل في البنك المركزي وفي اغلب مؤسسات الدولة من قمة هرمها الى قاعدتها. وبانتظار دفاع الشبيبي الذين هو في وضع صحي سئ أمام هذه التهم الخطيرة فاني أضم صوتي مجددا الى كلمه الحق والعدالة المستقلة التي تستنير بالجانب المهني وراي الخبراء والوقائع للوصول الى قناعات تحمي مصالح العراق العليا وتحفظ كرامه علماءه واكاديمييه من ذوي الخبرة والمعرفة وتصون قبل كل شي رغيف الخبز والكرامة لجميع العراقيين,