8 أبريل، 2024 11:22 م
Search
Close this search box.

البلد الطارد لاهله ، هل يستطيع ان يعتذر؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

ازدحمت صور كثيرة في ذهني ، وانا بصدد اعداد محاضرة عن حقوق الانسان ، في الديانات السماوية، لطلبتي في الصف الاول بكليتنا.تنوعت انتماءاتهم ، رغم عدم معرفتي المسبقة بأنتماءاتهم ، وهذا تقليد اتبعه، بأستثناء عدد صغير من المسيحيين ، وعرفتهم بالصدفة بسبب عطلة اعياد الميلاد .
عند الكتابة عن الديانات اليهودية ، ثم المسيحية ( النصرانية ) ، وقبل ان اكتب وأعد شيأ عن الاسلام ، ازدحمت ذاكرتي مما قرأت وسمعت وشاهدت ،عن الهجرات التي تعرض لها العراقيون الى خارج بلدهم ، او داخله في احسن الاحوال.وربما لم تقتصر الهجرة والتهجير والتسفير، على مكون واحد بعينه، بل شملت جميعهم وبلا استثناء. ومع بداية تشكيل الدولة العراقية عام 1921، بدأت هذه الهجرات والتسفير، والبداية كانت مع الذين لايحملون الجنسية العثمانية ، والذين اعتبروا من التبعيات ،ثم جاء الدور على اليهود منتصف اربعينيات القرن الماضي ليسفروا الى فلسطين ،ويتم مصادرة اموالهم المنقولة وغيرها بما كان ولايزال يعرف اصطلاحا”(الفرهود ) وهجر هؤلاء لالسبب سوى لانتمائهم الديني ، والذي تم ربطه بالحركة الصهيونية زورا” وبهتانا”،علما” ان هؤلاء من سكان العراق الاصليين وبدون نقاش، وتبع ذلك تهجير المتبقي منهم والمتشبث بالعراق، مطلع سبعينيات القرن الماضي، وهذه المرة تحت نظرية المؤامرة سيئة الصيت .الطرد اللاحق والتسفير تم مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، وعرف في حينها ( بالتبعية الايرانية ) ،وكان هؤلاء مواطنون عراقيون لهم جذور تمتد لمئات السنين داخل العراق ، بعضهم من التبعية الايرانية ، والنسبة الاكبر هم ممن ظلمتهم الدولة العثمانية ، عندما امتنعت عن منحهم الجنسية العثمانية، بسبب عدم مشاركتهم في حروبها المدمرة ، واستمرت معاناتهم مع الحكومات اللاحقة ، لتكون هذه الاشارة ثلمة في وطنيتهم حسب اعتقاد العنصريين، استخدمت سياسيا ، مع الصراع العراقي الايراني، وتم تهجيرهم الى خارج الحدود العراقية مع ايران ، ليواجهوا المجهول،فضلا” عن زج البعض منهم في السجون العراقية ، دون سبب حقيقي ، وهم في الاغلب لايعرفوا اللغة الفارسية ، وغير معنيين بثقافتها قبل ذلك، فقط لديهم مشترك طائفي ضعيف.

بعد عام 1991، ومع انتهاء صفحة المعركة مع قوات التحالف الدولي،نشبت حركة تمرد مسلح كبيرة في وسط وجنوب العراق ولاسباب عديدة ، سميت ( الانتفاضة الشعبانية ) لم تستمر طويلا” وسرعان ما استعاد النظام في حينها السيطرة على هذه المدن لتبدأ صفحة جديدة من الهجرة ، وبأتجاه السعودية وأيران،خوفا” من بطش السلطة ، والتي اعدتهم ( غوغاء )، وكان هؤلاء باعداد كبيرة ايضا” ، احتضنتهم فيما بعد دول اوربا واستراليا والولايات المتحدة ، عبر منظمة الهجرة الدولية والمنظمات الدولية الاخرى.

الغزو الامريكي عام 2003، ايضا” انتج هجرة وهروب الالآف ممن كانوا في السلطة والحزب الحاكم ، لاسباب تتعلق بالانتقام والثأر، والتي رافقت تغيير النظام السياسي، ووجود القوات الامريكية المحتلة ، والتي سمحت بحدوث الكثير من عمليات العنف على خلفية هذه الاسباب .

اثناء وجود قوات الاحتلال الامريكي ، وبعد ان تكبدت خسائر كبيرة نتيجة اعمال المقاومة المسلحة ضدها ، افتعلت حرب اهلية بين السنة والشيعة، لتتفادى غلواء العنف المتصاعد ضدها، وانتجت هذه الفتنة خسائر بشرية كبيرة من المكونين الرئيسيين في العراق،افضت فيما بعد الى عزل مناطقي طائفي ، وهجرة كبيرة خارج العراق ، كانت سوريا لها الحصة الاكبر من هذه الجموع الفارة من لهيب هذا الصراع.

الموجة الاخيرة جاءت مع احتلال منظمة ارهابية ، اطلقت على نفسها اسم ( داعش ) اجزاء كبيرة من العراق، بعد 12/6/2014 وانهيار القوات الامنية في الموصل ، لتسود على اكثر من 40%من مساحة العراق ، وهذه المرة كانت الاثار المترتبة اسؤأ من سابقاتها أذ اصبح المهجرين بالملايين ، والتدمير في الممتلكات والبنى التحتية وغيرها، اسؤأ من آثار اي حرب تعرض لها العراق سابقا”.وهذه الموجة الاخيرة تعرضت فيها المكونات الصغيرة في شمال العراق للتدميرشبه الكلي بما تبقى لديها من ممتلكات ودور عبادة ، فضلا” استعباد نسائهم وبيعهن في سوق النخاسة، وضمن اسوأ فعل انساني تعرضت له البشرية من اناس يدعون الاسلام زورا” وبهتانا” ،وهؤلاء الضحايا هم من ، المسيحيين ، الآيزيديين ، الشبك ، الكرد ، الشيعة في تلعفر ،وغيرها، والكثير من السنة العرب الغير راغبين بحكم هؤلاء المتطرفين والفارين خوفا من حكم داعش.

ومع تنامي ظاهرة الهجرة الدولية ، والتي كانت بعيدة عن العراقيين فيما مضى عبر البحر والقوارب المطاطية ، اذ اضحى العراقيون والشباب تحديدا رقم كبير فيها ، وغرق الكثير منهم قبل ان يصلوا الى وجهتهم في اوربا، ولاسباب عديدة ، الخوف من الوضع الامني المتردي ، البطالة ، واليأس من تغيير اوضاع العراق المتفاقمة سوءا”.

ربما لايستطيع اي باحث اومركز او جهة دولية كانت او محلية ان تحصي اعداد هؤلاء العراقيين الذين تعرضوا للظلم والاظطهاد خلال هذه 90 عام الماضية،وعبر هذه الموجات المتلاحقة من التسفير، والهجرة ،والتهجير،او تحصي القصص التي رافقت هؤلاء، ولاحتى كل انواع الدراما العالمية ولو اجتمعت ، او الادب العالمي بكل مبدعيه.

اليوم وانا استعد للتحدث الى طلابي عن حقوق الانسان في الديانات السماوية ، والتي استخدمت ابشع استخدام من منحرفين ، ارادوا بها تمرير اجنداتهم المريضة الخاصة ، وانحرافهم العقلي، ونزواتهم المتوحشة في فضاء غير انساني ، استدركت خوفا” عليهم من هول ما قرأنا وسمعنا وشاهدنا،ان اسرد عليهم كل هذه الاحداث والمآسي ، التي تعرض العراق والعراقيون لها . اكتفيت ان اقول لهم ، انظروا للمستقبل ، ولاتتحدثوا عن الماضي السلبي، تسامحوا ، تحابوا ، تحاورور بهدوء، وتعاونوا، ولاتستمعوا الى ترهاتنا،لاننا فشلنا ، وليس لدينا القدرة على ان نتصالح ، او ان نقدم اعتذار لبعضنا البعض، وان نؤسس دولة تحمي وتحتوي الجميع ، لان السياسة والسياسيين افقدونا كل شيء في بلدنا ولازالوا ،انكم املنا الوحيد في بقاء العراق على ماهو عليه الآن ،وبناءه بطريقة جديدة بعيدة عن تضاداتنا ،تستند الى مبادئ حقوق الانسان ومعايير الديمقراطية ، ضمن فضاء الحرية للجميع ،بالدولة المدنية الحديثة ،دولة المواطنة ، لادولة المكونات.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب