18 نوفمبر، 2024 3:41 ص
Search
Close this search box.

البلاء اللذيذ قراءة نقدية في نص الشاعر الكبير كريم خلف الغالبي

البلاء اللذيذ قراءة نقدية في نص الشاعر الكبير كريم خلف الغالبي

منية العشاق
تمهيد
لو لم اكن اعرف الشاعر كريم الغالبي شخصيا لقلت ان لواعج شوقة وهيامه هذا حقيقيا وقد تأتى من لواعج حب افلاطوني عذري يتحاكى مع قيس ليلى  او جميل بثينة لذلك اقر واعترف انه بنصه هذا يتحدى قدراتنا في استيعاب امكانياته الشعرية…. وكأني اسمعه يقول هذا انا واين انتم وذائقتكم الشعرية مني…!؟….. نحن نعترف بما ينزل فوق هاماتنا من بمطارق ابداعه الثقيلة و التي تجعلنا نحلق دون اجنحه ونهيم دون حب  بمحيطات احساسه الازرق و فوق أجنحة حروفه المؤطرة بالنقاء والعذرية التي لا تمس الارض ابدا…….
القيم الجمالية في هذا النص
ينتمي هذا النص الى المدرسة الكلاسيكية الواقعية الاتباعية وهو نص واقعي مباشر لا يأتي صاحبه به من وراء الطلاسم السريالية او الترميز ولا يرهق القاريء كثيرا في التفكير بحل تلك الطلاسم او الرموز فهو يغرف له ابداعا مباشرا من فرات عطائه الوارف ، و يذكرنا بشعراءنا القدماء وبالشعر الموزون والمقفى بموسيقى مستديمة مغلفة بقرطاس الرومانسية والمحسنات البديعية التي تهز المسامع و الوجدان ….ومن تحت جلباب اصالته الشعرية ، قرر الشاعر النبيل كريم الغالبي ان يذكر بما مضى وان يرسم خطا تحت الابداع الكلاسيكي الذي هجره شعراءنا و هرعوا نحو الغموض والاسفاف والسهولة ولا ادري لم ينحروا الادب العربي العظيم تحت اقدام الغموض السريالي ورحيل المعاني والجمود حتى بات غريبا ان ترى نصا  كلاسيكيا على صفحات التواصل الاجتماعي…. وعثرت هذا اليوم على هذا النص بمحض الصدفة…..
حاولت جاهدا ان اقسم هذا النص الى ثلاثة اقسام…..
الاول: نزول البلاء:

بدرٌ تَجلّى في عُلا الآفاقِ
تَصبو إليه ِ العين ُ بالأشواقِ
يا ليل طُلْ حتّى أرى في منيتي
ما لا ترى في ومضةِ الإشراقِ
رفَّت جفوني ليتَها ما أطبقَت
تاهَت بنور ٍ خاطفٍ برّاقِ
الجفنُ دامٍ والمُنى أنتَ المُنى
يا فخرَ مَن يَفديكَ بالأعناقِ
 حين نزل البلاء على شاعرنا وعلينا من مخلوق قد ارسله الله ليحتل مساحات احساسه وحساسنا حتى فغر فاهه وادمى عينيه بريقه و طالنا ونحن نجلس في غرف  الانبهار المغلقة وجعلنا نعيش هذا البلاء الحوائي والملائكي معه قسرا وعمدا من خلال حروفه التي تتكلم بلغات عديدة دون تراجم فهي احساس نقي ، والاحساس النقي عقيم الجنسية….. بقيت عينا شاعرنا مفتوحة ونحن معه لا ذنب لنا الا اننا قرأناه…..جزاه الله خيرا ان فعل بنا هذا المصاب…وفوق هذا كله قرر أن لا ينهي هذا الموقف حين تمنى ان يطول وزاده تمنيا بان نذر عنقه طوعا لاصبع هذا الكوكب الارضي الذي حل في فنائه فابتلاه ونحن اياه حتى صرنا روبوت نتحرك  طوعا لاصبعه وندور نحن والشاعر في فلكه المبهر…….
 
اما الثاني: البوح الغريب
مَن ذا سَيبقى كاتماً فيهِ الهَوى
والسرُّ أفشى منيةَ العُشّاقِ
أمسى فضيلاً ماثلاً في فضلهِ
ألقاهُ في روحي وفي أعماقي
يا مُنيتي هَل في السما من بارقٍ ؟
يطفي لهيبَ الوالهِ المشتاقِ
يا بختَ قلبي إن أتاكُم مسرعاً
زَحفّاً سأمضي في غدٍ سبّاقِ
إنّي أسيرٌ داميٌّ فيكَ احتمي
يكوي بقلبي مجمر ُ الأحداقِ
  زمن البوح وافشاء السر يقف عند حب الشاعر الذي علقته النظرة الاولى بسنارة الهلاك والعذاب حتى اصبح كقط فوق اجر حام…… انه قد طوق بسر وأمنية  افشاء هذا السر …..و الميت هو الوحيد  الذي لا يفش الاسرار وهذه اشكالية وراء جدران الجدل …صاحب السر تسكن احشائه امنية الافشاء وتظل تلاحقه وهي تكبر وتكبر كالجنين واذا لن يفش هذا السر سيقتله حتما…اذن هو علة تسكن الروح و لهيب يسكن الحشا واوار لهيب مستعر لا ينطفيء ابدا…. ولو طلب من صاحبه ان يزحف في طريق الحب للقيا حبيبه لفعل واخذ طول العمر زحفا حتي يستغني عن قدميه …وينهي الشاعر كريم الغالبي وصلته تلك ….ان ذلك البلاء الذي احتله من الداخل وجعله قشرة فقط بلا لب او حس و سيطرة ان يطلب الاحتماء بهذا العذاب …كالمستجير من الرمضاء بالنار …! اليس ذاك ضرب من الجنون وهو منتهى للذل …..!….. ذل جميل له ولنا مجمر بالأحداق التي اسرت بتلك النطرة العجيبة التي رسمها الشاعر…. فهو كريم  الغالبي لا غيره….. هو سيد المحترفين في الرسم بالكلمات للصور البلاغية ….رسم لنا سجنا قرمزيا وقال ادخلوه امنين,,,وضعنا بين احداق مؤسرته…….
اما الثالثة……دائرة الخطر
كيفَ ارتوي والماءُ مثلي ظامئٌ
حتّى تَوارى الشهدُ بالترياقِ
تَمضي دهوري ليتَها ما أقبلَت
والهديُ فيمن هَديها الوفاقِ؟
الناسُ لا عطفاً أرى ما بينهُم
والقلبُ منّي دائمُ الإشفاقِ
بالمالِ لا نفعٌ فيَغني صاحباً
إنَّ الغنى أمضى من الإملاقِ
فهي اخطر واعمق من السابقتين …. في هذا الخطر المدقع المحفوف بالهلاك ويريد ان الشاعر الخادر ان يرتوي من ظمأ العشق…تصور صولة الحب ..!….اليس هذا خبل وجنون مطبق…؟…نعم هو جنون….جنون العشاق ونحن معه ولا نزال ندور في فلكه  وسنجن بجنونه فعلا، لكن ماذا سنفعل فقد افقدنا السيطرة على انفسنا وصرنا حروفا في قصيدته  العجيبة ندور معه ونتلوى بداخل الكلمات…ومع هذا كله يتصور اننا قساة ولا عطف فينا عليه …يظن اننا لم نفزع له حين سجنه البلاء في قفص من ذهب …تصور نحن القساة وقلبه وحده الذي يستديم الاشفاق…يا لقساوة قلمه…والله انه اخطر مما تصورت علينا و على قراءه ومتابعيه… يضعهم في مآزق كبيرة ويلومهم على ذلك….!؟… واخيرا انقلب الامر عنده وصار عدوا للمال ويفضل الفقر على الغنى ونحن لا نزال ندور  معه في دوامة الخدر ايضا…لقد جعلنا قطع من دومينو يلعب فينا ما يشاء…….عافاه الله فقد  عذبنا بعذابه امتعتنا بنصه الجميل هذا ، الذي قراته حرفا ، حرفا حتى صرت واحدا من حروفه…انه والله سيد القلم والكلم…..عذرا للشاعر كريم خلف الغالبي…ربما اكون قد تمكنت من سبر اغوار نجواه في هذا النص وان لم اكن….فاعتذاري له لكون النص اكبر مني…..
 
النص الاصلي
منية العشاق :
بدرٌ تَجلّى في عُلا الآفاقِ
تَصبو إليه ِ العين ُ بالأشواقِ
يا ليل طُلْ حتّى أرى في منيتي
ما لا ترى في ومضةِ الإشراقِ
رفَّت جفوني ليتَها ما أطبقَت
تاهَت بنور ٍ خاطفٍ برّاقِ
الجفنُ دامٍ والمُنى أنتَ المُنى
يا فخرَ مَن يَفديكَ بالأعناق
مَن ذا سَيبقى كاتماً فيهِ الهَوى
والسرُّ أفشى منيةَ العُشّاقِ
أمسى فضيلاً ماثلاً في فضلهِ
ألقاهُ في روحي وفي أعماقي
يا مُنيتي هَل في السما من بارقٍ ؟
يطفي لهيبَ الوالهِ المشتاقِ
يا بختَ قلبي إن أتاكُم مسرعاً
زَحفّاً سأمضي في غدٍ سبّاقِ
إنّي أسيرٌ داميٌّ فيكَ احتمي
يكوي بقلبي مجمر ُ الأحداقِ
كيفَ ارتوي والماءُ مثلي ظامئٌ
حتّى تَوارى الشهدُ بالترياقِ
تَمضي دهوري ليتَها ما أقبلَت
والهديُ فيمن هَديها الوفاقِ؟
الناسُ لا عطفاً أرى ما بينهُم
والقلبُ منّي دائمُ الإشفاقِ
بالمالِ لا نفعٌ فيَغني صاحباً
إنَّ الغنى أمضى من الإملاقِ

أحدث المقالات