حدثني؛ العبدُ الصالحُ والفقيرُ إلى الله، الذي يعملُ في أحدِ محالِ بيعِ الخضرةِ والفواكه، كما يسمى (بقال) في أحدِ الأزقةِ الشعبيةِ في حارتنا؛ قائلاً: في كلِ يوم، وعندَ سماعِ أذانِ الظهرِ في المسجدِ المقابلِ لمحلي، أتوجهُ لأداءِ صلاةِ الجماعةِ معَ المصلينَ، الذي يتوافدونَ إلى المسجد، لأنَ قلبي، يتلهفَ لهذهِ الصلاةِ معَ الجمعِ المؤمن، بديلاً عنْ الصلاةِ المفردة.

    اعتادَ صاحبنا، أنْ يتركَ أبوابَ محلهِ مفتوحة، والخضرةُ والفواكهُ موزعةٌ في سلالها علىْ صناديقَ خشبيةً مصطفةً تتقدمُ المحل، وببساطتهِ المعروفةِ لدى أهلِ الحي، يرددَ دائما، أنَ الجوعانَ المستطرقَ (خلي يأكلُ ما يعجبه- ألفُ عافية- هني ومري ) ، فالرزقُ على الله- سبحانهُ وتعالى- وما دامَ الدخلُ (النقد) بجيبِ الزر، قصدهُ – جيبُ الدشداشة.

   يقول: بعدُ أنْ أكملَ شيخ المسجد صلاةَ الظهر، كانَ المفروضُ بعدَ التسليم، أنْ نغادرَ الصلاة، مثلما يحصلُ يوميا، لكوننا أصحابِ مشاغل، ومحلاتنا مفتوحةٌ للزبائن، لنسترزق على بابِ الله.ولكن، وما أدراك ما لكن؛

     لقدْ بدأَ الإمامُ بالبكاءِ والعويل، وأبكى الجميع، دون معرفة السبب، ولمْ يتركْ مكانهُ في المحراببعد الصلاة، مثلما يحصلُ يوميا ، ويرجعَ إلى الخلفِ ليصليَ بعضُ الصلواتِ المستحبة.

  قلتُ لهُ مولانا: هلْ قامتْ القيامة؟ هلْ ضربتنا أمريكا بالقنبلةِ الهيدروجينية، لا سامحْ الله؟ هلْ حصلَ ما لا يحمدُ عقباه من قبلنا ما لا يرضي رب العالمين، وغضب علينا؟ ولمْ يجبني، فصرتْ عصبيا جدا جدا...! فكررتْ كلامي بصوتٍ عالٍ، وقدْ سمعني المصلون؛ وأنا خلفهِ بالصفِ الأول، وارتجفَ منْ الخوف، ومنْ هولِ يومِ القيامة، فقد جاء موعدها المبكر على البشرية، ولم يتم الاستغفار الكامل لذنوبنا.

    استحلفكَ بالله؛ ماذا حصلَ يا مولانا ؟ ورددت، عبارة- استغفرَ اللهُ ربي لثلاثِ مرات، وقلت: كلام ثقيل على لساني وقلبي دون وعي وتركيز؛ يا شيخنا الكريم: هلْ يريدُ ربَ العزِ شيئا منْ أحدنا لأحد عباده الصالحين، وصلَ إلى مسامعكَ فقطْ دونَ خلقِ الله لنقدمه، لمْ يجبني. . .! رحتُ وياه بالزايد، ودست بالعميق.

  قلتْ له: هلْ لديك مسلم مظلوم في أطراف حلبجة، أو قرية السلمان ، أو شهربان، بحاجةِ إلى قطعةِ أرضٍ في المنطقةِ الخضراءِ أوْ سلفهِ عقاريٍ أوْ خمسِ درجاتٍ فوقَ المعدل، ليدخل أحدُ أبناءِ الأولياءِ والمشايخ أو السادة في كليةَ الطبِ التي تقبلُ ( 110 ) فقطْ منْ 100؟ فالتفَ إلى، ما بينَ ضحكةً وابتسامةً واستهزاءٍ وكراهية.

     قالَ لي: اسكتْ (إلصم) بالكلمةِ العامية. إنَ ربنا لديهِ خزائنُ الملكِ، وما فيها وموزعِ الأرزاقِ علينا، وليسَ بحاجةِ إلى اشكولكْ النك .

فقلتُ يا مولانا: إذا، لماذا لمْ تجبنا عنْ بكائكَ لهذا اليومِ المفاجئ، ولا يمكنُ أنْ نستمرَ بالبكاءِ معكَ طولَ النهار، ألفُ رحمةٍ على والديك، فإذا رغبتْ بالبكاءِ المستمر، اذهبْ إلى داركْ واستمعَ إلى صوتِ المقرئِ الحزينِ (عامر الكاظمي) الذي يبكيكَ الزمنُ كله، أنتَ وعشيرتك، أنْ بدأَ بالقراءة، بطورِ النهاوند، خاصةً عندما يتذكرُ والدتهُ رحمهُ الله، لتريحَ نفسكَ منصتا إلى قراءته، وتجعلكَ تصرفَ كارتونٍ بلْ صندوقا منْ المحارمِ (الكلينكس) لمسحِ دموعِ عينيك.

قلتُ لهُ بعبارةٍ فيها نوعٌ منْ الغضبِ والعصبية، عذرا يا شيخنا: اتركنا، نغادر، ترى المحلَ والعياراتِ مالَ الميزانِ نسرقن. ... !

  وهنا، اعترفَ شيخنا الكريمُ بسببِ البكاءِ لهذا اليومِ بذلكَ أمام المصلين.

قائلا: كنتَ أنادي ربي بعدَ الصلاةِ معَ البكاء، والدعاءُ إلى ولدي في النجاحِ في الدورِ الثاني، كونهُ طالبا في السادسِ العلمي، لقدْ ظهرتْ نتيجتهُ الامتحانيةُ اليوم، راسب بثلاثةِ دروس، ومؤجلَ ثلاثةُ دروس، المشكلةُ حتى في مادةِ التربيةِ الإسلامية، ناجحا، بقرارٍ بدرجةٍ (50) خمسينَ منْ المائة، وأنا إمام جامع ، فألمني ذلك جداً ، عسى أنْ يحالفهُ الحظُ ، وينجحفي الدور الثاني،وينقبل في كليةِ أهلية.

ها؛ وقدْ عرفنا، سبب بكاءَ إمامِ مسجدنا، ونقول: وللهِ في خلقٍه شؤون.

2

أحدث المقالات

أحدث المقالات