في العراق، حيث الأحداث تتقافز مثل كرات السيرك، وحيث التحولات السياسية أسرع من تغيّر أسعار الدولار، تطل علينا بين حين وآخر “كائنات إعلامية” غريبة، تتقن فن الصراخ الطائفي والتباكي القومي على اطلال وذكريات الديكتاتورية . مرة باسم المظلومية، ومرة باسم “حقوق المكونات”، ومرة – والعياذ بالله – باسم الوطنية. وطبعًا، ولا واحدة من هذه اليافطات لها علاقة بالإصلاح. الإصلاح عندهم مثل الديناصورات… يُقال إنه كان موجودًا، لكن لانراها.
منذ 2003، والعراق يتنفس تعددية ، وينتخب ويغيّر حكومات، ويجرب كل أنواع الديمقراطية – الأصلية، والمغشوشة، والمقلدة . بس المشكلة أن بعض الناس لايعجبهم المشهد، فهم يحنّون لأيام الحزب الواحد والقائد الضرورة، لكن على طريقة “يوتيوبرات” وممولين من الخارج. شعارهم بسيط: “إذا ما حصلت منصب، خلّي أحرق الأخضر واليابس.”
طبعًا، الإعلام المأجور شغال. ، وما يقصر. قنوات فضائية تبدع في صناعة الفتن، وتسوقها بنكهة وطنية مزيفة. شخصيات “مؤثرة” تتحرك وكأن الدولة عبارة عن دكان ورثوه عن جدهم. لقاءات خارجية، زيارات مفاجئة، مؤتمرات تحت عنوان “العلاقات العامة”، بينما الحقيقة: فوضى مدروسة. وكل هذا يجري تحت أنف المركز، اللي غالبًا مشغول بإطفاء حرائق المحافظات أو ترتيب جلسات البرلمان المؤجلة كالعادة.
أما عن بعض المسؤولين، فهم مقتنعون أن كل واحد منهم هو “الخليفة المنتظر” في محافظته، ويتعامل مع العاصمة كأنها كوكب ثاني. وزير يروح يفاوض دولة أجنبية، ومحافظ يصرّح وكأنه وزير خارجية، والحكومة؟ منشغلة بإصدار بيانات “نحن نتابع عن كثب”.
الجميل في الأمر، أن العراق لا يزال واقفًا. ربما مترنحًا أحيانًا، لكنه واقف. لأن الشعب، رغم كل شيء، لا يزال لديه حاسة شم قوية لتمييز الغث من السمين. نحن لا نحتاج لمعجزة، نحتاج فقط لتصليح رادار الدولة، وإسكات مكبرات الصوت التي تصرخ فتنة باسم “التعددية”.
ختامًا، نقول لأصحاب نظرية “المكر السيّئ”: ارتاحوا، فالمكر السيئ – بحسب الخبرة العراقية العريقة – لا يحيق إلا بأهله… وقد رأينا ذلك كثيرًا، وسنراه أكثر، للأسف… أو لحسن الحظ.