23 ديسمبر، 2024 8:34 م

البقية الباقية : في وعي الشاعرة تحرير الخرسان

البقية الباقية : في وعي الشاعرة تحرير الخرسان

سلاماً يا عراق
انعتك وطناً مثقلاً بالجراح
خانوا العهد …………………….
انهض وتمرد واصرخ
فهذه البقية الباقية … تهتف بك
حي على الفلاح
……………………………..
لم اكن ناقداً … ولا يحق لي الأدعاء , فتلك مهمة يختص بها من هو الأجدر , لكن هذا لا يمنع ان تكون لي وجهة نظر بما يولد خلف جدار اليأس من بقية باقية اشارت اليها الشاعرة تحرير الخرسان , يقظة تفائل في انتظار عراق آخر اكثر جمالية وحداثة وسماحة ورسوخاً في تربته الوطنية , كما كان ذاك العراق  .
زمن تسلفن فيه اغلب مثقفينا بغلاف الأحباط وخيبات الأمل , استغنوا تماماً عن بصيرتهم لرؤية العراق الذي سيشرق من وعي ” البقية الباقية ” بكل مضامينها التاريخية والحضارية وخصب الوعي المجتمعي , انشطروا بين حدي الطائفة والطائفة , شاعرتنا تصرخ منتخية بالعراق … وبغداد ومدن رفض ثقافة التجزءة والتقسيم والألغاء المجحف لمشتركات الهوية العراقية , لتعلن برائتها ممن ” خانوا العهـد ” .
وانت يا بغداد …  آه يا بغداد ..
كم اثقلتك اصوات الآهات .. ؟؟؟
آهات لها صدى في كل شارع
في كل بيت ..
في كل الطرقات
عشقت بغداد
عشقاً بكل الديانات
فيك اصوات المآذن
واجراس الكنائس
وسمعت عشقك من جدتي
حتى في تراتيل يهود التوراة
………………. 
قلب الشاعرة ووعيها , لا يؤمنان بغير عراق واقف على قدميه … وبغداد عروس عصية على شهوة الجنرال , عذرائنا اعادوا اغتصابها عبر التاريخ , لكنها لم تتزوج سلطان طاريء, ومثلما سحقوا فرحها انسحقوا تحت اقدام حزنها, واستمرت ” البقية الباقية ” ـــ الحلم والفعل ــ الذي لا تخمد فيه جمرة المستقبل حتى تلد سعير فجرها .
الشاعرة تحرير الخرسان , تتنفس برئـة ” البقية الباقية ” التي تولد وتلد من رحم المعاناة العراقية , في مخيلة ووعي الشاعرة , هي ذات القلعة التي يتشكل من داخلها نسيج الأمل في عراق قادر على دحر الهزائم , انه في قصيدتها , هذا الذي كان ولا يزال مقلقاً لمحيطه الموبؤ بهوس الثأرات والدسائس وتفريخ المؤامرات .
من داخل حرائق الأنتكاسات والأنكسارات والسلوك المأزوم لمستثقفي المرحلة , تطرح ” البقية الباقية ” في قصيدة الشاعرة , رسالة العراق القادم , مشروعاً وطنياً تتصدره لافتة الوعي والفعل ” لمجاميع البقية الباقية ” , الشاعرة هنا تتجاوز خرافة الخطوط الحمراء لصناع الهزائم ومستنقعات الترقب السلبي من على قمة المنافع الشخصية , حالة تحدي تستمدها من صلابة ” البقية الباقية ” .
لم تكن بغداد ” البقية الباقية ” في قصيدة الشاعرة تحرير الخرسان بعيدة عن جغرافية النسيج التاريخي الحضاري للعراق الموحد , فهي القلب منـه , فبغداد في قصيدة الشاعرة , فرح المدن العراقية وحلم اعراسها , تحتضن او تحتضنها دجلة الخير وعيون المهى , وفيها تتعانقا ـــ الكاظمية والأعظمية ـــ والرشيد يحمل تاريخ الأخوة والمحبة الى رئـة الذاكرة الخالدة للمكونات المتآخية .
على يقين ان الشاعرة تحرير الخرسان , تعي دورها , وتعلم ان طريق ” البقية الباقية ” ليس معبداً بالمنافع الشخصية ومكاسب الصدفة والأنتصارات المجانية, بعكسه : انه ملبد بعثرات العزل والحرمان وحصارات الردة البغيضة , انها كالسير على الأشواك بأقدام حافية , لكنها بذات الوقت , سمو للمشاعر واحاسيس الرضا عن النفس ونقاء الضمائر في احضان حب الناس واحترامهم , انها منظومة نبل , ليس بأستطاعة سليلي الأنتهازية والوصولية والأرتزاق ان تحضى منها بشي.
لم التق الشاعرة تحرير الخرسان , لكني اتحسس موهبتها وشخصيتها الأدبية , فيما قراءت وسمعت من قصائدها , انها من ” البقية الباقية ” انتماءً , تحمل شمعة امل , واحدة من بين شموع الوعي المجتمعي لصمت ” البقية الباقية ” , فصوت العراق سيصرخ فيها من داخله , رافضاً اسمال خارجه , من تلك الرؤى ومواقف الرفض , نتعلم الصبر والثبات والنهوض وتأكيد الأنتماء ” للبقية الباقية ” .
وكأني ارى المآساة غيمة دم تمطر حزنها على خد القصيدة , وبغداد طفلة في حضنها , مرعوبة من نوايا الغرباء وحراك الدلالين والوكلاء , وثمة امل يحكي تاريخ الوجع العراقي , صرخة تبشر الغرقى , ان نوح البقية الباقية قادم على سفينة النجاة .
لك مني سلاماً يا عراق
سلاماً يا عراق البقية الباقية