18 ديسمبر، 2024 11:43 م

يبدو أن نظرية ( البقاء للأقوى ) لم تعدْ مجرّد نظرية فحسب ، بل أن تطبيقها على أرض الواقع صار ممكناً وأكثر من ممكن في المجتمع العراقي خصوصاً بعد ضياع الخيط والعصفور في وطن لا يحترمُ القوانين ولا الدستور . وقد اتسعَ مجال تطبيقها ليشمل الكثير من المساحات والفضاءات رغماً عن أنوف الجميع . ووفقا لهذا المنطق الذي يعتمدُ على عنصر القوة فان الحياة العامة تنحدرُ تدريجيا من المواقع الحضارية المتمدنة الى المواقع التي يسودها قانون الغاب . ويبدو أيضا أن الحكومات المتتالية غير قادرة على التصدّي لهذه الظاهرة ، أو على ايقاف اتساعها على أقل تقدير . فالحكومات مشغولة بما هو أهم من ذلك ، وليس لأي حكومة رؤى مستقبلية لحماية الوطن والمواطنين من الأمراض الاجتماعية الغريبة ، بل أن مدى رؤاها لا يتجاوز السنوات الأربعة . وأمّا الخطابُ الديني فهوَ الآخر مشغولٌ بأمور تتعلق باثبات الوجود العقائدي وتحدّي الأطراف الأخرى التي تتقاطع معهُ . كما فقدتْ المنابر الدينية بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها قوة التأثير وعجزت عن اصلاح المجتمع في هذا الجانب بالذات . وحتى الشعائر الدينية لم تستطع – رغم هولها وحجمها – من تخليص المجتمع من تلك الأمراض الكارثية الخطيرة . وأبناء المجتمع امّا مستفيدون من استخدام القوة والعنف لتحقيق ما يريدون تحقيقه ، أو متفرجون على ما يحصل ، أو لا حول ولا قوة لهم سوى الاستسلام والخضوع لمن يريد أن يأكلهم كما تأكل السباعُ الحيوانات الضعيفة . والطامة الكبرى أن الجميع بلا استثناء يلمسون هذه الحقيقة بشكل واضح ويدركون حجم مخاطرها ويعرفون جيدا أن الاستمرار على هذا الطريق سوف يعرّضهم جميعاً للنتائج الوخيمة . فالسفينة التي يحدث فيها خرقٌ وتتعرض للغرق وسط بحرٍ هائج سيكون الهلاك الحتمي مصيرَ كلّ من فيها ( من أكبر شيخ عشيرة متجبّر ظالم الى أضعف مسكين منبوذ ) .