كعادتهم تبارى زعماء البلاد بدء من الرؤساء الثلاثة “الجمهورية والوزراء والبرلمان” مرورا بزعماء الخط الاول من الاحزاب والكتل السياسية ومن هم بدرجتهم من ممثلي المكونات والاكثريات والاقليات الى إصدار بيانات الشجب والإستنكار لما قام به تنظيم داعش الإرهابي حين إستهدف, هذه المرة, سيطرة الآثار في محافظة بابل. فالموسم هو موسم الردح الوطني حين يتعلق الأمر بتفجير هنا او هناك مع عدم نسيان الإشارة الى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من المخططات الأجنبية والأجندات الخبيثة التي تريد تفتيت وحدة الشعب, هذه الوحدة التي لا”يغلبها غلاب” حتى لو أدى الأمر الى إعادة نبش قبر الملك نبوخذ نصر أو تحطيم مسلة حمورابي التي يزهو بها متحف اللوفر في باريس. مسطرو البيانات الوطنية من قادة البلاد عند حصول كل تفجير إرهابي سواء في المقدادية حيث يتظاهر منذ إسبوع أبناء قبيلة بني تميم حيث إستهدف ابو بكر البغدادي زعيم داعش مجلس عزاء لهم راح ضحيته العشرات وقبله بغداد الجديدة وعلوة جميلة وقبلها أوبعدها الرشيد لا فرق لا في التوقيت ولا في حجم الدمار أو أخيرأ واكيد ليس آخرا في الحلة داخل سيطرة الآثار .. أقول لم ينس قادة الوطن المبتسمون دائما في إجتماعاتهم ذات البيانات الإنشائية من القول إنه كلما كثر عدد الشهداء والجرحى فإن لذلك تفسيرأ واحدأ وهو ان تنظيم داعش بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة.مع ذلك فإن الأنفاس الاخيرة لداعش اليوم وقبله القاعدة لم تلفظ بعد برغم مرور 12 عاما على بدء التفجيرات منذ أيام “المقاومة الشريفة” مرورأ بكل انواع المقاومات التي راح ضحيتها من بين أبناء الشعب العراقي من كل الأطياف والملل والنحل مئات الآلاف بينما نتج عن ذلك حتى الان أكثر من ثلاثة ملايين امراة ارملة وأكثر من 5 ملايين طفل يتيم. وفيما بدأت شبكة الحماية الإجتماعية ذات الرواتب الشحيحة أصلا تضج بأسماء منتسبين جددا كل شهر فإنه يظهر من بين مترفي الطبقة السياسية من يدعوهم الى ترك “النستلة” لأنها ليست ضرورية. وفي وقت ينشغل فيه قادة البلاد الضرورة وما أكثرهم هذه الأيام في البحث عن الطريق السليم من وجهة نظرهم هم لا غيرهم للإصلاح الذي قوامه حكومة التكنوقراط التي يبشر العراقيين بها رئيس وزرائهم حيدر العبادي كل يوم ثلاث مرات حسب وجبات الطعام فإن بعثة الامم المتحدة في العراق تنهمك عند راس كل شهر بإصدار بيانها التاريخي عن عدد قتلانا وجرحانا للشهر الماضي مع عمل “أوبديت” في كل مرة ما إذا كان هذا الشهر هو الاعلى أو الأوطأ من حيث اعداد الضحايا.لايكف تنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي عن إستفزاز كبار قادتنا السياسيين معميين وحاسري رؤوس, سادة ومقلمين, حجاجا وعلمانيين بشان الضرب بيد من حديد على مجالس الأعزية والسيطرات الأمنية والأسواق الشعبية. البغدادي لايكتفي بذلك بل بدا يتحرش حتى بشوارب هؤلاء القادة المصفوفة جيدا ولحاهم الطويلة منها والقصيرة بمن في ذلك اصحاب “السكسوكات” عسىى ان تتخلى عما تسميه منذ 13 عاما بـ “الحراك السياسي” الذي لم ينتج سوى حكومات أدمنت الفشل والسرقة بينما داعش يتمدد في كل المحافظات ويضرب اينما يريد وكيفما يريد وهو ما فعله في العملية الاخيرة ببابل. فما عدته الأمم المتحدة مأساة جديدة تضرب العراقيين بفقدانهم اكثر من 100 شهيد وجريح فإن مسؤولا رفيع المستوى في بابل إتهم الفضائيات المغرضة بتهويل عدد الشهداء حين قال ان عددهم ليس 70 مثلما ذكرت تلك الفضائيات بل 30. هو إذن يعتبر فقدان 30 شهيدا بعملية تفجير واحدة إنجازبل ربما “رحمة من العزيز الجليل” على طريقة سعد خليفة.لكن لسعدون جابر راي أخر لكنه يصب في عمق المأساة ذاتها. فحين توفي الشاعر العراقي الكبير زهير الدجيلي مؤخرأ مؤلف أغنيات مسلسل “إفتح ياسمسم” وهو أشهر المسلسلات التعليمية العربية على الإطلاق قال سعدون جابر إن الحكومة العراقية التي أعطت لداعش ثلث مساحة العراق تبخل على الدجيلي بمتر واحد من الأرض. لعل سعدون جابر لا يعلم ان أبو بكر البغدادي “يلفظ” منذ 12 عاما أنفاسه الأخيرة قادما من الماضي المجهول متوجها الى الماضي المعلوم لكي يحط الرحال عند بوابة عشتار التي تنصب الان وحدها مناحة على شهداء سيطرة الأثار بحضور حمورابي ونبوخذ نصر وغياب قادة الكتل السياسية.