19 ديسمبر، 2024 5:44 ص

البغدادية والميدان وكوارث الزمان !

البغدادية والميدان وكوارث الزمان !

أَتَذكر في العام 1990 حين صدر قرار الأمم المتحدة رقم 661 حيث فرض بموجبه حصار اقتصادي قاسي وظالم على العراق استمر اكثر من 13 عام على خلفية مغامرة من مغامرات النظام السابق حين هاجم الكويت . كان النظام السابق يمنع أية محاولة لنشر أضرار الحصار على العراق رغم المعاناة الكبيرة من شح الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة وكانت سياسة النظام هي الأيحاء للغرب أَن الحصار لايؤثر على الحياة في العراق وهي كذبة كبيرة كان يسوقها النظام خارجياً بينما داخلياً كانت قوافل الأموات من الأطفال والشيوخ والنساء تزداد يوماً بعد آخر وليستمر الحال الى ان صدر قرار جديد سمح بموجبه للعراق أَن يصدر جزء من نفطه من أجل تأمين الغذاء والدواء والحاجات الأساسية . وعندما اكتشف ذلك النظام ان العالم في تطور وأن تصدير جزء من النفط لايكفي لتأمين متطلبات الحياة سمح للأعلام ان يغطي مآسي الناس نتيجة للحصار الأقتصادي كأجراء ضاغط من اجل رفع الحصار بعد أَكثر من خمسة سنوات من التعتيم الكامل عن تلك المآسي !

هذه الصورة المؤلمة التي كانت سائدة في العراق منذ عام 1990 الى عام 1995 تجعلني اربط بين ذلك الزمان ومايجر اليوم من أحداث مشابهة في عذابات الناس ومآسيها ومختلفة في سياسة النظامين . ذلك النظام ونظامنا الذي نحن عليه الآن ولا أعرف ان كان لدينا اليوم نظام .!

في ذلك الزمان كان الأعلام يعتمد على قناة أرضية واحدة وخمسة صحف يومية أذا أَردت مطالعة واحدة منها فأنك تكون قد طالعت باقي الصحف من دون أَن تدري ! أما اليوم فلدينا أكثر من 20 محطة فظائية وعشرات من المحطات الأرضية فضلاً عن الصحف والمجلات وأغلب تلك الجهات الأعلامية تعمل بعيداً عن هموم المواطن والوطن بل أصبحث أدات لتلميع جهات بعينها رغم أَن مآسينا تفاقمت وأزدادت عن مآسي النظام السابق وأصبح العراق بعد 13 عام على تغيير النظام متهالك القوى وقطاعاته منهارة بالكامل فلا صحة ولا صناعة ولا زراعة ولا تعليم مع مشاكل اجتماعية كارثية نتيجة لزيادة نسب الفقر وبشكل غير مسبوق ولم يشهد له العراق مثيل حتى في زمن الأستعمار البريطاني كما ازدادت وبشكل ملحوظ أزمة السكن ما خلفت أحياء طينية وأحياء من الصفيح ومعاناة أخرى يتحملها المواطن ويئن لها كل يوم . وكان نتحدث دائماً عن الأسباب الحقيقية لهكذا أزمات أدت الى تدمير العراق وتخريب تركيبته الحياتية والصناعية والزراعية والصحية وغيرها . وعلى مدى السنوات الماضية كانت القيادات العراقية التي تمثل أحزاب وكتل بعينها منشغلة في توزيع المغانم بين رجالات تابعين لها يستغلون كل شيء من اجل السيطرة على أكبر كم من الأموال من الموازنات لتزويد اللجان الأقتصادية التي تعمل بأموال العراقيين . وعلى مدى السنوات الماضية كان البعض يتهمنا بالتهم الجاهزة والتي تلصق بكل شخصية وطنية مستقلة تحاول كشف حالة سلبية !

جانب من الحالات المزرية التي يعيشها الشعب العراقي والتي كانت مثار اهتماماتنا اليوم تنشر وتبث على المكشوف للرأي العام من خلال برنامج مهم كبقية برامج البغدادية وهو برنامج في الميدان الذي يعتمد في الأعداد المتمكن على الصحافة الأستقصائية ( على المكشوف ) لقطع الطريق على المشككين من الذين يعيشون اجواء المنطقة الخضراء وتوابعهم من الذين يفضلون الدولار على الولاء للوطن وهم كثر مع الأسف . اليوم ميدان البغدادية غير قابل للتشكيك يكشف حالات مزرية في العديد من جوانب الحياة فقد كشف معاناة طلبة الكليات التقنية واعتصاماتهم التي راحت ضحيتها طالبة بعمر الزهور ومع هذا لم تعالج معاناتهم كما كشف الميدان قرى تحتضر نتيجة لسوء الخدمات والبيئة الملوثة التي لم تشهدها حتى الصومال او افغانستان كقرية آل ملّلال وغيرها من قرى في الناصرية والديوانية وميسان والبصرة وباقي المحافظات . كل هذه المآسي لم تحرك ضمير الحكومة العراقية وعلى مايبدو أن الضمير لدى المسؤولين أصبح يشبه العملة النادرة التي يصعب الحصول عليها . ميدان البغدادية الذي تزامن مع التظاهرات والأحتجاجات المتواصلة للأسبوع الثامن كشف كوارث يندى لها الجبين مثلما كشفت التظاهرات أمرين مهمين ينبغي الوقوف عندهما . ألأول انها كشفت أن الشعب العراقي يمتلك طيبة لايمكن وصفها . فهو بعد أن نهبت ثرواته بالكامل والتي تقدر بأكثر من 1000 مليار دولار على مدى اكثر من 13 سنة نجده يطالب بمطالب بسيطة لاتعدو عن كونها حقوق مسلوبة وهي أساسية كالماء والكهرباء والتعيينات والسكن وغيرها من الحقوق . والأمر الثاني الذي كشفته التظاهرات هو أَن كل الأحزاب والكتل السياسية التي تحكم العراق أو تشارك في الحكم قد غابت عنها الوطنية ومات في رجالاتها الضمير لذلك هي لاتهتم للتظاهرات . ولكن المعروف أن السحر سينقلب على الساحر وأن لعبة الزمن التي تتلاعب فيها الأحزاب الحاكمة ستنقلب عليها سريعاً بعد أن تشعر أن ثورة الجياع ستكون أقوى من طغيانهم وكوارث زمانهم ..

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات