23 ديسمبر، 2024 6:25 ص

البغدادية وإشتراطات الثورة

البغدادية وإشتراطات الثورة

رغم تاخرالشعب العراقي طويلا في الانتفاض على واقعه المريض الا انه في النهاية عزم على العمل لتغيير واقع الخنوع والذل والفساد وبدأ شبابه الحر رغم قلة العدد بالتظاهر كوسيلة وحيدة كفلها الدستور للتغيير والاصلاح.. ومع توافر اشتراطات الثورة الشعبية في العراق الا ان ادواتها المطلوبة لم تكتمل ولم تتوفر على النحو الذي يؤدي الى نجاحها وتحقيق اهدافها المرجوة.. ومن اهم هذه الادوات هي: الاعلام والتنظيم والقيادة القادرة على ادارة الصراع بين السلطة الغاشمة وادواتها المرهبة للمجتمع واعلامها المعادي والمحبط لعزيمة الثائرين وبين جموع الاحرار الذين انتفضوا على انفسهم وخوفهم ونذروا ارواحهم فداء للوطن والشعب واجياله القادمة..

وللاسف فان الاعلام العراقي لم يقم بدوره الفعال والمطلوب باستثناء قناة البغدادية التي جعلت من قضية الثورة قضيتها الاولى والاهم.. اما اغلب الصحف والفضائيات الاخرى فقد تعاملت مع الثورة واحتجاجات المواطنين كاخبار محلية توردها على صفحاتها او نشراتها الاخبارية احيانا واحيانا تهملها وكأن ما يهم الشعب بعيدا عن اهتماماتها ذلك لان غالبيتها مملوكة للفاسدين والمنتفعين من احزاب وشخصيات تستهدفها الجماهير الغاضبة بثورتها، حتى قناة العراقية الرسمية تغاضت تماما عن الثورة واحتجاجات المتظاهرين ومطالبهم واحيانا قامت بتحريف الاخبار لتبدو بغير اتجاهاتها، الا ان قناة البغدادية وهي القناة الاكثر مشاهدة على الصعيد الشعبي قد ادت دورا مركزيا وفعالا في استنهاض الهمم ودفع الجماهير الى التظاهر بل وحتى بتوجيه حركة الجماهير وشعاراتها واهدافها، ولعل المتتبع لدور قناة البغدادية سيرى بوضوح انها هي التي ساهمت بشكل فعال بازاحت نوري المالكي عن الحكم وقتلت احلامه بالولاية الثالثة وهي التي دفعت الجماهير لاعطاء التفويض لحيدر العبادي للقيام بالاصلاح وهي التي ايضا انهت ذلك التفويض بعد فشل العبادي وسقوطه الحر في مستنقع الفساد، لقد قدمت البغدادية خاصة عبر برنامج ستوديو التاسعة فرصة تاريخية لحيدر العبادي كي يغتسل بنور الثورة ويعتذر عن فساد وسرقات حزبه المأفون ويقود النهضة وثورة التغيير غير انه لم يتمكن من مغادرة بؤرة الفساد ورؤية الضوء رغم سطوعه، وباختصار تمكنت قناة البغدادية بذكاء من ادارة الصراع بينها كممثلة لجماهير الشعب المظلوم وبين قوى الظلم والفساد والجبروت والارهاب الميليشياوي الا انها وللاسف لم تنتقل الى الحلقة الاهم والاكثر فاعلية وهي قيادة جموع المتظاهرين وتنظيم تحركاتهم ونشاطاتهم لتحقق الثورة اهدافها المطلوبة بعد ان ثبت باليقين القاطع قوة وامكانية تاثيرها الحاسم في حركة الشباب المنتفض، وفوتت على نفسها وعلى الجماهير المنتفضة فرصة تاريخية بل على العكس من ذلك تماما فهي كانت تحذر الشباب الحر المنتفض بعدم الوثوق باي شخص او جهة تدعي قيادتها للتظاهرات، وكانت نداءاتها تلك تاتي تحت مبررات الخوف من ان تتسلق جهة ما اكتاف المنتفضين وتقطف ثمار النصر الذي كان مشرقا في الايام الاولى للتظاهرات والذي خفتت الامال بتحقيقه الان ، وقلق البغدادية ذاك اذ يبدو مشروعا ومنطقيا وواقعيا في نفس الوقت الا انه منع بشكل ما امكانية خلق قيادات من داخل المتظاهرين ليكونوا رمزا ومنارا للثائرين وليساعد على ادامة جذوة الثورة ..

لقد قدمت البغدادية خطابا وطنيا موحدا بعيدا عن الطائفية وعن الولاءات الحزبية والشخصية وتمكنت من كسب ثقة الجماهير بكل تنوعاتها والمهم ايضا انها كسبت ثقة المرجعية التي لعبت دورا مهما في ادارة الصراع بين المظلومين والظالمين، وكانت البغدادية قد دفعت بنجاح ايضا المرجعية الدينية في النجف للمشاركة في الصراع من خلال رسائل مباشرة بهدف اصدارها فتاوى او توجيهات او اشارات لقضايا محددة وكان اخرها اضطرار المرجعية تحت وطأة الاوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الى الاعتراف بان الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ الاحتلال هي اسوا كثيرا من النظام البائد في جوانب عديدة، وفي النهاية نجحت البغدادية في توجيه الراي العام باتجاه الاصلاح واستمرار الثورة وتقع على عاتقها الان مسؤولية كبرى هي القيادة الميدانية المباشرة وليس الاعلامية فقط للصراع الذي يبدو باردا الان بين الفاسدين المتجبرين من جهة وبين عموم الشعب المظلوم من جهة اخرى ، ولعل شخصية مؤسس القناة الخشلوك التي تحضى بثقة الناس ومحبتهم ودعمهم رغم تاكيدات البغدادية المتتالية في انه لايسعى للمناصب او للمكاسب هي الشخصية المرشحة الاقوى لقيادة هذا الصراع والنهوض بالبلاد من مستنقع الفساد ودعوات التقسيم والارهاب والميليشيات وهدر الكرامة والدماء خاصة بعد انسحاب المرجعية من ساحة الصراع لاسباب قد نتناولها في وقت لاحق ، فثورة الجماهير دون قيادة فاعلة مجرد فوضى، ودون رمز تعني انها بلا منهج او تخطيط وستكون لقمة سائغة لمن هب ودب لاعتلاء اكتاف المناضلين المجهولين من البسطاء ومحبي الوطن.