الصحفي الكبير فخري كريم، في مقاله الافتتاحي: “من اين نبدأ مكافحة الفساد: من وضع اليد على الملفات المستورة التي روج لها طوال ولايتين” المنشور على الصفحة الاولى من جريدة “المدى” الغراء، يوم الثلاثاء 19 آب 2014، أجاد رَسمَ طريقٍ سهلة المفازات، تؤدي الى منجزات عظمى؛ لو أتبعها رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، بدقة.
شفيعه في تقديم النصح، للرجل الاول في المرحلة الراهنة، هو نقله احساس العراقيين “المبتلون بداء الفساد المستشري في دوائر الدولة ومؤسساتها.. حتى أخمص القدمين” يستبشرون خيرا بوعد العبادي واستجابته لمطلب المرجعية الدينية، بملاحقة الفساد، الذي استعرضه كريم بعقلية راجحة ونظرة تأملية متمعنة، تبدأ بالحيتان التي مولت قوائم نظير ضمان التستر على فضائحها المالية.. السابقة واللاحقة.. مرورا بكل فنون الفساد التي تفوق سريالية ما بعد السريالية، في العراق المبتلى بـ “حكومة ضد شعبها” منذ أسسته بريطانيا العام 1921 وشكلت جيشا لضرب شعبه.
ومن بين الخطوات الواجب على العبادي اتباعها، فتح ادراج مكتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته.. نوري المالكي؛ للإطلاع على الملفات التي احتفظ بها (وهي مخالفة قانونية) كي يوظفها في ابتزاز غرمائه السياسيين، تاركا الشعب يتلظى بتبعاتها، وكثير من المشمولين بها، فلتوا من العقاب بسبب تواطئه وتحفظه عليها وعدم اطلاقها للقضاء.
ناهيك عن الفقرات التي بلغها فخري كريم بذكاء (نبيذي معتق) من حيث “التعاقد من الباطن” والناكلين عن انجاز مشاريع لم يحاسبوا عليها.
نظير هذا التشاؤم، على ارض الواقع، يجب ان نتفاءل بوجود عقليات نزيهة، تهدي الى سواء السبيل وتضيء عتمة النفس الأمارة بالسوء، مثل الاستاذ فخري كريم وكثيرين على شاكلته الرفيعة، وعلو جنابه الاصيل.. مناضلا مثقفا.. في السياسة والاعلام، نحتت كهوف كردستان في أضلاعه كهف شرف وعز نفخر ونحاجج به من يقصي المثقف الى برج عاجي موهوم.
بالمقابل.. ثمة انموذج استثنائي من رجال التجارة والمال والمشاريع، لم يغره انفلات الاقتصاد العراقي نهبا للفاسدين، في الاقدام على الاضرار بشعبه، على الرغم من المظالم التي احاطت به، وبرأته منها المحاكم المختصة، براءة خالصة لله والشعب.
فاضل الدباس تاجر وسياسي، عمل في كليهما، على التوازي.. طرديا، فحافظ على نزاهته برغم اللغط الذي يبتزه.. حثا على خطوات لم يقدم عليها.. ضغط خرافي (يستفسده) الا انه اعتصم بالنزاهة، ولفقوا له تهما تلوثه، برأته منها التحقيقات القضائية اجرائيا وميدانيا، بعد ان سيقت لها سمعته شفاها، فنده الواقع.
ناجح تجاريا وفالح سياسيا؛ إذ حقق ستة مقاعد، بشخصه، وهو بهذا يناظر حزبي “الاصلاح” و”الفضيلة” فردا لوحده، تساوى مع حزبين.. كل على حدة.
هل يحتاج رجل بهذا النفوذ الاخلاقي، ان يلتف لرصد مليون اضافي في حسابه المصرفي!؟ ومعاوية بن ابي سفيان يقول “لا يسرك غائبا من لايسرك شاهدا” وقد شهدنا من غياب الدباس سرورا لم نجد له صدى في حضور سواه من الساسة والتجار، طوال احد عشر عاما ما زلنا نقبض عليها كالجمر.. استنفد المالكي لوحده ثمانٍ منها، لعن خلالها “سنسفيل سنسفيل” الاعلام والسياسة والاقتصاد والامن.. شلل عيش.. ارهاب وعصابة داعش تهزم جيشا يستنزف اكثر من نصف ميزانية العراق.. جيش هرب امام افراد، واتضح ان وزارة الدفاع، طوال ولايتين للمالكي، لم تعنَ بغير صفقات طعام الجنود الفاسدة، والتسليح الذي لم يصل، والدورات التدريبية الوهمية.. خارج العراق، في مصر والاردن وامريكا وبريطانيا وفرنسا، تضم مئات الآلاف من الافراد، وكلها ترصد لها تخصيصات تفوق كلفتها الحقيقية اضعافا، من دون ان يكون لها وجود.. الحقيقة الوحيدة، هي ان الجيش هش، هزم قبل النفخ في الابواق.. جنود فضائيون، يتقاضى الضباط رواتبهم “فلا خبر جاء ولا وحي نزل”.
أيهما اطول باعا واضعف جلدا؟ تاجر نزيه وسياسي ناجح، ام مسؤولون تسلطوا على الدولة، فأحالوها خلال عقد من السنوات، الى خراب فاق ثلاثة عقود من جور البعث وطاغيته المقبور صدام حسين.
نزل الدباس بكرمه الى الشارع، بريئا من تهمة “اجهزة كشف المتفجرات الفاسدة” بينما علق السياسيون في مناصبهم، يوظفونها بخدمة ذواتهم ولا يؤدون المهمة المرجوة منهم عبرها.
اذن “دعه يعمل دعه يمر” الشعار الذي فعّله ابراهام لنكولن، العام 1864، في ايقاف امريكا على قدميها اللتين تهاويتا إثر الحرب الاهلية؛ لذا فلندع النزيهين يمرون ونمر معم، بثقة، تنقلنا من عهد ضروس الى رخاء الترفه بثرواتنا، بعد حروب ومعتقلات صدام وارهاب وفساد المالكي.
والدباس ومن هو على وتيرة وطنيته.. صديقي وصديق الشعب، تشده وطنيته الكريمة، للأخلاص فتبينوا عسى ان تصيبوا قوما بجهالة.. بل اتمنى ان نبحث بايرة عن نزيه نساعده في الاستقواء على النفس الامارة بالسوء، وسط اقتصاد سائب يشجع على الفساد.
وكم من امثاله حاذقي العلاقات، يمكنهم ان يساعدوا البلد على انتشال جثته من وحل الفساد اعمارا ورفاها وتحضرا.. اتهم بمحاباة سلطة ظنها سبيلا لمساعدة الشعب، فانسحب منها حين لم يجدها اهلا لبناء دولة تخدم مواطنيها.. وكثيرون كذلك، ادعوا للبحث عنهم كي يسهموا في بناء العراق.