” إن القرآن لا يمثل خطابا أحادي الصوت، بل هو خطاب متعدد الأصوات بامتياز”1[1]
ربما يغلب على استعمالات الخطاب الديني في المجال العمومي الكثير من التشويه والتشنج والاضطراب والغلو واللاّتسامح وذلك بسبب الفراغ القيمي والتصحر الثقافي والحيرة الوجودية التي تغمر وجدان الناس وتولد الضبابية في الرؤية والغموض المنهجي في التعامل مع النصوص المركزية والتجارب التاريخية.
علاوة ذلك ساهمت بعض العوامل الخارجية مثل القوى الإقليمية المتنافسة والعولمة المتوحشة ومراكز البحث التي تتبع المنظمات غير الحكومية في تنامي الإقبال على تحليل الظاهرة الدينية من ناحية وفي إغراق “سوق المعتقدات” بعدد من “الوصفات السحرية” الجاهزة للخلاص الافتراضي من الحياة الدنيوية البائسة من ناحية أخرى واعتمدت في ترويج هذه “البضائع الإيمانية” على وسائل الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية وتخصص في هذا التصنيع الكثير من الدعاة الجدد والمبشرين بالجنات الموعودة.
من هذا المنطلق يحتاج الخطاب الديني أكثر من أي وقت مضى إلى الخضوع للعديد من المراجعات المعرفية على مستوى النظرية ومن جهة الممارسة والمبادرة بالتشريح العلاجي والتثوير الاجتماعي.
لعل المسارات التي يمكن اتباعها والأدوات التي يجدر استعمالها بغية تحقيق التوازن المفهومي والدقة المنهجية في سبر الحقل الديني تتوزع بين اعتماد عمليات العقلنة والأنسنة أولا والعلمنة والتأويلية ثانيا. فما المقصود بالأنسنة؟ وما الذي يترتب عنها؟ وكيف تنتج المدنية في المجال العقائدي؟ وهل يمكن عقلنة العالم الروحاني؟ ولماذا يشترط فهم الذهنية العربية تبيئة المناهج العلمية المعاصرة في التربة التراثية؟ وماهي الشروط اللازمة للدولة تمكين الناس من حقوق المواطنة والسماح لهم بممارسة حرياتهم الدينية؟
على هذا النحو يمكن تناول مجموعة من المشكلات التي تطرحها التجارب الدينية والتفكير في الوقاية من آفة التمييز والتقسيم والتعصب عبر التشجيع على الاجتهاد والتنوير والانفتاح والتعايش والسلم المدني.
لقد وقع الاختيار على مجموعة من المقاربات حول هذا الموضوع الراهن:
– تحليل قضية العلمانية في الفضاء السياسي.
– معالجة مسالة حرية المعتقد وحرية الضمير.
– إبراز منافع الدين في مجال الحق الاجتماعي.
– توسيع مناطق الإنساني في التجربة الدينية.
– مضاعفة المقاربة العقلانية للمعطى الإيماني.
– ربط الفكر الديني بالمصلحة الواقعية للناس.
– تنسيب الحضور التاريخي للاجتهاد النصي.
من هذا المنظور يمكن الانطلاق من المنظور المقاصدي والارتقاء نحو فقه المعاملات وعلم الكلام الجديد وفلسفة الدين وتفعيل مقاربات معاصرة تقوم بالحفر والتفكيك والنقد وتجمع بين التأويل والفهم والتفسير.
ان البحث في الظاهرة الدينية من جهة أصلها ومصدرها وقصة تكوينها هو تقصي عن الماهية والجوهر يوقع في النظرة الميتافيزيقية المجردة وحري بالتفكير أن يتساءل عن طرق الاشتغال والعناصر التكوينية والتجليات التاريخية والتجارب المعيشة التي تتمحور حول قضايا الدين وتتساءل عن الجدوى والوظيفة.
يكمن الرهان الأساسي من هذه الورشات العلمية في ترشيد النقاش المتمدن حول القضايا الدينية والبحث عن وسائط إيتيقية للتخلص من الممارسات اللاإنسانية المهددة مجال المقدس وتحوله إلى مدنس. فمتى يكون الإصلاح الديني هو المطلب الأكثر فعالية في المسار الانتقالي نحو الديمقراطية والتحديث؟
المرجع:
1- د نصر حامد أبو زيد، التجديد والتحريم والتأويل، المركز الثقافي العربي، طبعة، 2010، ص218
كاتب فلسفي
[1] نصر حامد أبو زيد، التجديد والتحريم والتأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، طبعة أولى، 2010، ص218