*البارحة واليوم وغدآ وحتى في المستقبل, الإمبراطورية العسكرية الأمريكية، وليس بالأخص والتحديد لشخص ما متهم بالإرهاب,ولكن بالأعم وبالمجمل ,وبغض النظر عن مدى بشاعة العمليات الإرهابية التي قام بها وذهب ضحيتها العشرات والمئات من المدنيين؟وحدها فقط من تقرر من هو إرهابي أو مقاوم أو ثائر؟ هي وحدها كذلك لها الحق الإلهي من أن تمنح “صكوك الغفران” لمن تراه بأنه أصبح مطيع لتقديم قرابينه على مذبح تنفيذ مصالحها وأجندتها الاستراتيجية,وبغض النظر عن الأعمال الإرهابية التي قام بها وما على الدول الأخرى سوى السمع والطاعة والتنفيذ!
**لا نستغرب أن تتحول “دمشق” الى “كعبة” التغير للشرق الأوسط الجديد المنتظر ـــ بدلا من العراق سابقآ الذي كانوا يروجون له قبل الغزو والاحتلال الأمريكي 2003 وقد فشل فشلآ ذريعآ بعد أن وقع في دوامة الفساد المالي والإداري والمحاصصة الحزبية والتقاتل على غنائم المناصب الحكومية ــ الكل سوف يحج لها من كل حدب وصوب ,لان التدمير والخراب الذي شمل الحجر والبشر ,وما أصاب البنى التحتية من دمار شامل تسيل اليه لعاب الشركات الأجنبية والعربية وبدورها تنتظر الضوء الأخضر لغرض افتراس مشاريع البناء والتنمية بكافة المجالات في سوريا ,ولكن يبقى الفساد المالي والاداري هو الهاجس والخوف الآخر في أن ينحدر بهذه الدوامة بعيدآ عن تعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة في مشاريع التنمية والبناء!
***صدقآ وليس سخرية! المفروض أن تمنح وزارة الخزانة أو الخارجية الامريكية السيد “أحمد الشرع/ الجولاني” جائزة العشرة ملايين دولار التي كانت مقدمة لمن يأتي بخبره ؟ بعد نجاحه الباهر والمتميز بالاجابة على امتحان اختبارات الاسئلة المقدمة له! ولكن لو كانت إجابته مغايرة تمامآ لما كان مطلوب سماعه من الوفد الأمريكي لكن الى الآن ما يزال على لائحة الإرهاب … ويقال بأن “صك الغفران” كان أخر شيئ بعد انتهاء الاجتماع أن يمنحه له من عدمه وإذا لم تكن إجابته مقنعة للوفد الامريكي !
قبل ساعة فقط كان القيادي البارز في “هيئة تحرير الشام” سابقآ ورئيس “مكتب العمليات العسكرية المشتركة” للمعارضة “أحمد الشرع / الجولاني” سابقآ من اهم الإرهابيين المطلوبين لامريكا ,وهناك جائزة مالية تقدر بعشرة ملايين دولار من يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض عليه ,وتقديمه للعدالة والقضاء الأمريكي – ويا له من عدالة وقضاء نزيه وشفاف ومحايد – لكن بعد هذه الساعة ,وفجأ وبدون أي مقدمات ,خرجت لنا البارحة الجمعة السيدة “باربرا ليف” مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ومعها الوفد المرافق لها ,ومن خلال المتابعة عن كثب والصور التذكارية التي تم نشرها مع القيادي “الشرع” ومدى الفرح والسرور والابتسامة العريضة التي رسمت على وجوههم بانه قد تم منحه “صك الغفران” بعد نجاحه في اختبار الاسلئة التي قدمتها واجابته الشاملة والصريحة , وما تضمنه كذلك من تصريحات السيدة “ليف” والتي اكدت فيها :”ما رايته شخصيآ عن مدى التفهم والوضوح في الحديث معه وانه رجل عملي والمحادثات كانت جيدة ومثمرة للغاية ومفصلة ” وأضافت :”سوف يتم تقديم الدعم الكامل لعملية انتقال شاملة للقيادة السورية” ولكن اهم تصريح نعتقده وكان السبب الرئيسي لمنحه “صك الغفران” وعرف بدوره “الشرع” من أين “تؤكل اجابة الكتف النهائية” كان حول الدور الإيراني في سوريا الجديدة الذي قد يكون عليه ومن خلال تأكيدها على ما سمعته من اجابة صريحة أنه “بناء على معطيات اليوم، فإن إيران لن يكون لها أي دور على الإطلاق، ولا ينبغي أن يكون لها أي دور” وهو نفس الحديث او يكاد يكون متطابق عن ما صرح به عند مقابلته مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية قبل أيام حول الدور الإيراني وكان صريح جدآ ولا بعد الحدود في تصريحه :”لقد قمنا بإخراج الميليشيات الإيرانية وإغلاق سوريا كلياً كمنصة للأذرع الإيرانية وتصدير الكبتاغون والمخدرات، المشروع الإيراني في المنطقة انتهى والى الأبد عاد 40 سنة إلى الوراء”.
القيادي “الشرع” عرف ليس فقط من أين تؤكل الكتف, ولكنه عرف جيدآ ودرس واستفاد كثيرا من أخطاء وعنتريات القيادين السابقين بالتنظيمات الإسلامية,وكيف تم تصفيتهم واحدا تلو الآخر سواء أكانوا من التنظيمات “السنية” أو “الشيعية” فهؤلاء كلهم كانوا يصبون في بودقة قوائم الإرهاب الأمريكية لتصفيتهم , وعرف كذلك “الشرع” جيدآ من أن عبارات وجمل وشعارات التحدي والمواجهة في تحرير فلسطين والصلاة في القدس ــ التي استغلت ابشع استغلال من قبل الأنظمة الحاكمة وترجمت للقمع والتنكيل بشعوبهم تحت ستار انهم معارضين لهذه الشعارات,وليس أنهم كانوا حقيقة معارضين حكمهم الاستبدادي ـــ فانها سوف لن تأت بأي نتيجة مرجوة لمستقبل ورفاهية المواطن السوري بل على العكس سوف ينهشهم الفقر والجوع والأوبئة والأمراض , فهذا الوقت بالتحديد ومع هذه المتغيرات الدولية و القطب الواحد الامريكي ليس وقت الشعارات , لكنه وقت البناء والتنمية البشرية والاقتصادية ,عندما تكون دولة نووية ,يمكنك بسهولة قلب الطاولة على الجميع وإعادة صياغة فرض شروطك التي تدعو الى تحرير فلسطين والصلاة في القدس؟.
صحيح أن هذا التحول السريع في السياسة الأمريكية كان مفاجئًا للكثيرين الجهات الحكومية والسياسية ، وخاصةً في ضوء أن “الشرع/الجولاني” كان يُعتبر منذ سنوات طويلة أحد أبرز الشخصيات المدرجة على قوائم الإرهاب ,ولكننا ما نزال نعتقد بان هذا لا يعني أن امريكا قد غيرت موقفها بهذه السرعة الجنونية بانها اعطت صك تنفيذ استراتيجيتها على بياض من دون ما يكون هناك مقابل وهذا المقابل الحفاظ على أمن الحدود الجنوبية السورية وعدم المطالبة بتحرير أو إعادة “الجولان” واتخاذ نفس السياق على ما كان معمول به طوال حكم نظام عائلة “الأسد” ولكن على الأقل في الوقت الحاضر ,وحسب ما نراه فإن السياسة الأمريكية في الواجهة ,ما تزال تركز بشكل رئيسي على محاربة تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وسوف تستغل هذا الموضوع حتى من خلال مساعدة مقاتلين “هيئة تحرير الشام” في ان يكونوا حائط الصد الأول في التصدي لتنظيم داعش وغيره وحتى سيكون هناك تعاون في التدريب والدعم تقدم لهم السلاح ومختلف الاعتدة والمعدات العسكرية لغرض إنشاء جيش سوري قادر فقط على مواجهة التحديات الداخلية والحفاظ على أمنه الداخلي وبعيدا جدأ على أن يكون الجيش الجديد يشكل أي تهديد الى دول الجوار , وبالأخص والتحديد “إسرائيل” وهذا هو المطلوب بالتحديد وليس أي شيء آخر.
إن قيادات “هيئة تحرير الشام” من خلال الاستشارات والنصائح المقدمة لهم , وفهم وإدراك أوسع للأوضاع المحلية والخارجية , قد قامت بحملة تغييرات سياسية وتنظيمية وفكرية في خطابها الموجه بالسنوات الأخيرة ومن خلال تعديل خطابها السياسي الموجه للداخل أو الخارج , وكذلك ما شمله التغير بأسلوبها في العمل السياسي والتنظيمي والاقتصادي والاجتماعي في المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقآ , وبالتالي أنعكست هذه التغيرات الايجابية التي أدخلتها على عملها على مدى قابليتها لدى المجتمع الدولي ، ومن خلال محاولاتها الحثيثة بتقديم نفسها كقوة سياسية إسلامية معتدلة غير متطرفة ولديها الاستعداد التام بتتجاوب والتحاور مع أي طرف دولي اخر قد يشكك بمدى جدية هذه التوجهات ,وتقديم نفسها على أنها تنظيم غير متطرف مقارنة ببقية التنظيمات والجماعات المسلحة وهذا التغيير في الخطاب كان يهدف بشكل أساسي إلى تحسين صورتها على الصعيدين الإقليمي والدولي وقد نجحت في هذا مما ادى الى ان تكون ليس مدى قابليتها للمجتمع الدولي وأن يكون لها حاضنة شعبية في المناطق التي كانت تسيطر عليها ولكن حتى في العاصمة دمشق كان الجميع ينتظرها بفارغ الصبر إعلان التحرير والتخلص من النظام العائلي الحاكم .
وأخيرآ وليس أخرآ , هناك من يرغب حاليآ من قادة سوريا الجدد في الحكومة الانتقالية في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران كليآ ونهائيآ , وحتى اجتثاث أي تواجد لها في سوريا , وكذلك هناك توخي الحذر وتخوف لدى البعض من ما قد ينتج من علاقات دبلوماسية وتعاون اقتصادية وثقافي مع العراق بالمستقبل واستغلال ايران لهذه العلاقات “العربية / العربية” في أن يكون لها موطئ قدم داخل الأراضي السورية من جديد , ولكن بواجهة عراقية ,بالأخص من خلال تنظيم الزيارات الدينية “مرقد السيدة زينب” (ع) من خلال ستار إنشاء جمعيات ومراكز ومنظمات دينية تحت ستار مساعدة الشيعة السوريين في مناطق “الزهراء والنبل” وإعادة ترسيم وصياغة عقلية هؤلاء العقائدية والمذهبية ,وبما يتماشى مع متغيرات المرحلة القادمة , لإعادة نفوذها من الباب الخلفي من خلال هذه المنظمات وغيرها من أوجه التشابه فيما بينها وهذا الموضوع قد يطول شرحه في هذا المقام لكن المخاوف ما زالت موجودة حول استراتيجية إيران ودورها في سوريا الجديدة وهذا ما تحاول حكومة السورية الانتقالية فهمه من ناحيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.