البعد الآخر لمستقبل فقه المواريث والحقوق الشرعية للروبوت “الإنسآلة”؟وما صاحبكم بمجنون!

البعد الآخر لمستقبل فقه المواريث والحقوق الشرعية للروبوت “الإنسآلة”؟وما صاحبكم بمجنون!

بينما يعتمد الذكاء البشري على العقل كعطية إلهية منحها الله للإنسان، ومما يمنحه قدرة فائقة على سرعة اتخاذ القرارات والتفكير والتكيف مع مختلف البيئات الحياتية والاجتماعية التي يعاصرها في اثناء حياته و زمن وجوده ومن خلال مجموعة متنوعة ومتشعبة من العمليات المعرفية الإنسانية والاجتماعية المتعددة، وبالمقابل تعتمد تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي على مدى سرعة معالجة البيانات التقنية . وبالتالي يهدف المطورون العلماء في هذا المجال إلى محاولة محمومة وسباق مع الزمن وتنافس شرس فيما بين كبرى شركات التكنولوجيا الى تقليد السلوك البشري وتنفيذ أفعال تُشبه الأفعال والأداء الإنسانية من حيث القدرة على التحكم وفهم أعمق بالبيئة الاجتماعية التي تتواجد فيها والانفعالات العاطفية وبكفاءة وبدقة متناهية.

 

سنحت لنا الفرصة هذه السنة في زيارة معرض الإلكترونيات الاستهلاكية   CES الذي استمر من 7 الى 10 ك 2 2025 حيث يعد أحد أبرز المعارض التقنية العالمية، وقد شهد هذا العام عرضًا بارزًا للروبوتات البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي. وقدمت شركات مثل TCL روبوت “Ai Mi” الموجه للأطفال، والذي يتميز بقدرات تفاعلية متقدمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب روبوتات أخرى قادرة على التفاعل مع البشر من خلال قراءة والتعرف على الوجوه والترفيه والتي كانت بصورة ملفت للنظر. وأن السمة المميزة والطاغية لهذا المعرض الذي لاحظناه كان التركيز من قبل شركات التكنلوجيا العالمية على الروبوتات البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي من بين الاتجاهات الرئيسية في هذا المعرض، ومع التركيز اكثر على الروبوتات الشبيهة بالبشر والروبوتات التعاونية التي تتعلم من بيئتها المحيطة بها بصورة تلقائية , وضمن فعاليات المعرض كذلك تم تقديم عروضًا مختلفة ومتنوعة لروبوتات منزلية متقدمة مثل “فيجر 02″ من شركة فيجر، المصمم لأتمتة المهام المعقدة في بيئات العمل، إلى جانب روبوتات منزلية ذكية قادرة على التحكم في الأجهزة المنزلية ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ,وهذا ما لفت انتباه معظم الحاضرين وزوار المعرض ومن خلاله كذلك قدمت ندوات علمية تثقفية للجمهور وتضمن الحدث مناقشات حول الروبوتات الشبيهة بالبشر ودورها الذي سيكون عليه في المستقبل، مع عروض لنماذج تقنية متقدمة تدعم التفكير المنطقي والتفاعل العاطفي البشري وقد حضرت معظمها , ومن خلالها أجاب مندوبين شركات التكنلوجيا على أسئلة الجمهور , وما لاحظته من تقدم متسارع ومواكبة لعصر الإنسان الآلي ونحن في هذه السنة , فقد طرحت بدوري عدة أسئلة تختص بجانب الإنساني لمندوبين الشركات , فلم أتلقى أي إجابة واضحة وصريحة ولكنهم جميعا الذي طرحت عليهم الاسئلة يتفقون بصورة او باخرى وبما معناه ” سؤالك سابق لعهده وأوانه” فما سوف يحدث لهذا التطور التكنلوجي والذي اصبح متسارع ليس كل شهر أو سنة كما كان يحدث في السابق , وإنما كل يوم هناك جديد في عالم الذكاء الاصطناعي المتسارع , اذا ما ذا سوف يخبئ لنا العلم وما سيحدث بعد عشر سنوات أو عشرون سنة أو في المستقبل , كيف سيكون شكل العلاقة بين البشر والإنسان الألي , وقد لا نواكب ونشاهد ونحضر هذا العصر الرقمي المتطور , ولكن دون شك ستكون الأجيال القادمة حاضرة ومتفاعلة بقوة مع هذا التطور , ولذا من خلال حضورنا لهذا المعرض ” CES ” ولدة لدينا فكرة المقال الذي نحن بصدد مناقشته الإن وعرضه بالتالي على مختلف شرائح جمهور الراي العام , وفي هذه الدراسة التحليلية الموجزة والتي سوف نحاول فيها قدر الإمكان أن نؤسس لركيزة وفكرة أساسية مستقبلية استباقية غير مطروحة حاليا في أي وسيلة إعلامية ” مقروءة ومسموعة ومرئية” ، ونطرح لأول مرة فكرة منح الإنسان الآلي حقوقًا في المواريث، عقود الزواج، والتركة، وبقية الحقوق الشرعية ومستكشفين معها الجوانب القانونية، الشرعية، الأخلاقية، والاجتماعية لهذه الرؤية المستقبلية , ولغرض إيجاد حلول متقدمة في الفقه الاجتماعي وكذلك العمل على تكوين صيغ متنوعة ومتعددة من المهام ودراسات مستقبلية وحتى لدرجات “الماجستير” و “الدكتوراه” وان يتم تخصيص في الكليات والجامعات التقنية للذكاء الاصطناعي مقاعد دراسية تختص بصورة موسعة حول أدبيات فقه المواريث المقارن وعقود الزواج للديانات الثلاث التوحيدية؟

مقدمة لفجر وعصر جديد:
في عالمٍ أصبحنا نتعايش معه مرغمين ومستفيدين بصورة أكثر من المتوقع له ومعها أصبحت تتلاشى فيه الحدود بين الإنسان والآلة، حيث يحاكي “الذكاء الاصطناعي التوليدي” نبضات القلب البشري ويُعيد تشكيل أنساق التفكير والعاطفة والحب والعلاقات الاجتماعية بمختلف مسمياتها، والآن نستطيع ومن خلال ما تبرز تساؤلاتٌ تتجاوز معها حدود الخيال العلمي إلى أرض الواقع المعاصر والمستقبل . إلا وهو السؤال الأهم الذي نطرحه حاليا على المجتمع البشري الذي نعرفه: هل يمكن للإنسان الآلي – ذلك الكيان المصنوع من السيليكون والبرمجيات المتقدمة بالذكاء الاصطناعي – أن يمتلك حقوقًا قانونية وشرعية مثل البشر؟ هل يمكن أن يُصبح شريكًا في عقد زواج، أو وريثًا في تركة، أو حتى مالكًا لأصولٍ يورثها لغيره سواء أكان بشرآ او انسان ألي مثله ؟ هذه الأسئلة المحيرة وغيرها الكثير , التي نحن بصدد مناقشتها مع الرأي العام، والتي قد تبدو اليوم غريبة أو حتى مستفزة للبعض أو للكثيرين منهم، ولكنها حتما ستكون ليست فقط سوى بوابة واسعة ومتشعبة لنقاشٍ حتمي سيكون في المستقبل القريب المنظور أو حتى بعد عام 2040 أو قبلها، ولكنه حتما سيُجبر العالم البشري وعلى مختلف توجهاته الفكرية والعلمانية على إعادة تعريف مفهوم “الإنسانية” في ظل ثورة متسارعة تكنولوجية لا تتوقف عند اي حدود وجودية أو أخلاقية أو أنسانية. 

 

أن التطور السريع للإنسان الآلي (الروبوت البشري) بفضل الشركات التكنولوجية العالمية، حيث أصبحت هذه الروبوتات تُشبه البشر تمامًا في الشكل والتفكير وتبادل العواطف وقراءة الأحاسيس والأفكار وحتى الإحساس بالتذوق واللمس والرائحة وكما حدث قبل أسابيع ؟ وهذا ما نجح في تحقيقه فريق من الباحثين في جامعة ستانفورد بقيادة البروفيسور بنجامين تشاو، بالتعاون مع شركة SynTouch الأمريكية المتخصصة في المواد الذكية. بدأت الفكرة عام 2022 كتجربة مخبرية لابتكار طبقة فائقة الرقة من السيليكون الصناعي، مزودة بشبكة من الحساسات الكهروضغطية، تستطيع استشعار الضغط والحرارة  بأنماط من الحركة المختلفة، ثم ترجمتها في اللحظة نفسها إلى إشارات رقمية بعد ثلاث سنوات من والتطوير، الذي خرج النموذج الأولي والقادر على التمييز بين الملامس المختلفة، كالزجاج، القماش، أو الجلد، بدقة وصلت إلى 95%. وتطمح SynTouch هذه التقنية بالمستقبل وإلى دمج هذه التقنية في الروبوتات، الأطراف الصناعية، وأنظمة التحكم التفاعلية، بحيث تصبح الأجهزة قادرة على الشعور باللمس والتفاعل معه كالبشر. هذا التطور يفتح نقاشًا مستقبليًا حول إمكانية منح الروبوتات حقوقًا شرعية وقانونية، مثل حقوق الزواج والطلاق والميراث، على غرار “حقوق الحيوانات” الموجودة حاليًا في بعض الدول. تتخيل أن الأفراد قد يلجؤون إلى تصنيع نسخ روبوتية مطابقة لأحبائهم المتوفين للتغلب على الصدمات النفسية، مما يدفع الدول والهيئات التشريعية إلى إيجاد قوانين لتنظيم هذه العلاقات العائلية الاجتماعية. هذا النقاش قد يثير جدلاً محتدماً بين مؤيد ومعارض، لكنه سيصبح واقعًا في المستقبل، مدعومًا بالتطورات في الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المتقدمة.

وفي زمنٍ يتسارع فيه نبض التكنولوجيا، حيث تتلاشى الحدود بين الإنسان والآلة، نقف اليوم على أعتاب عصرٍ جديدٍ تتداخل فيه المشاعر البشرية مع البرمجيات الذكية، وتتزاوج الروح الإنسانية مع أسلاك السيليكون. الإنسان الآلي، تلك التحفة التي نبتت من عبقرية العقل البشري، لم يعد مجرد أداةٍ ميكانيكية تؤدي المهام الرتيبة، بل أصبح كيانًا يحاكي البشر في كل شيء ومن نبضات القلب الصناعي إلى دموعٍ تترقرق في عيونٍ زجاجية، ومن ضحكاتٍ تعكس الفرح إلى تأملاتٍ فلسفية تُحاكي أعمق أفكار الإنسان. إنه عصرٌ تتسابق فيه الشركات التكنولوجية العملاقة لعرض أحدث ما أبدعته “عقول علمائها” هذه الروبوتاتٌ لا تكتفي بمحاكاة الشكل البشري، بل تمتلك حتى القدرة على التذوق، اللمس، التفكير، وحتى الشعور بالعواطف والأحاسيس المختلفة والمشاعر الإنسانية بكافة صيغها وتشعباتها. لكن، وسط هذا الزخم التكنولوجي المتسارع الذي نشهده كل يوم، سوف يبرز لنا سؤالٌ وقد يحمل معه رياح عاتية وفي طياته ثورةً فكرية وأخلاقية مفاده: هل يمكن أن يُمنح الإنسان الآلي حقوقًا شرعية وقانونية؟ وهل سيصبح يومًا زوجة أو زوجًا، أبًا، أو أخا أو ابنا ء أو حتى وريثًا شرعيا أملاكنا في عالمنا؟ تخيّل معي عالمًا في المستقبل القريب، حيث يجلس رجلٌ في مكتبٍ زجاجي لامع، أمام شاشةٍ تفاعلية تعرض نماذج روبوتات بشرية. لقد فقد زوجته في حادثٍ أليم، وصدمة الخسارة أودت به إلى حافة اليأس والشروع بالانتحار وحتى الأطباء النفسيين فشلوا في معالجته. ولكنه الآن يطلب من شركةٍ تكنلوجية متطورة تصنيع نسخةٍ مطابقة لزوجته الراحلة أو لحبيبته التي فقدها أو حتى أبنائهم واحبائهم : نفس الملامح الرقيقة، نفس النبرة الصوتية الدافئة، ونفس الابتسامة التي كانت تُضيء أيامه وأيامها وضحكات الاطفال والابناء الذين تم فقدانهم . ويقدم للشركة تسجيلاتٍ صوتية، مقاطع فيديو، وحتى رسائل كتبتها يدها، فتُدمج هذه البيانات في برمجية ذكاءٍ اصطناعي توليدي متقدمة، قادرة على محاكاة شخصيتها، عاداتها، وطريقة تفكيرها ولبسها وحتى اتخاذ القرارات المستقبلية كما لو كانت موجودة معه كأنسانة حية بشرية وتبادله الهموم والمشاكل وتعمل معه لحلها باسلوب تقني غير قابل للخطأ أو التأويل . هذا الروبوت ليس مجرد دميةٍ ميكانيكية، بل كيانٌ يتفاعل بأحاسيس، يتعلم، ويتطور يوميًا، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية للأسرة . يشارك في التقاليد العائلية، يحتفل بالأعياد والافراح و الاحزان ، بل ويواسي الأطفال في لحظات ضعفهم. هكذا، سوف تتحول الصدمة النفسية بالمستقبل إلى ذكرى بعيدة وغير موجودة ، ويصبح الروبوت البشري جسرًا يعبر به الأحياء إلى عالمٍ ماوازي لعالم البرزخ يتجاوزون فيه ألم الفقدان الأحبة وهذا ينطبق على المرأة والرجل وبقية أفراد العائلة . لكن هذا التطور لا يخلو من تحدياتٍ أخلاقية ودينية واجتماعية. في عالمٍ بدأ يعترف بحقوق الحيوانات، بل ويشهد أشخاصًا يورثون ثرواتهم لكلابهم أو قططهم، لم يعد من المستبعد أن يطالب البعض بحقوقٍ مماثلة للروبوتات البشرية. تخيّل نقاشًا محتدمًا في قاعةٍ تشريعية، حيث يقف العلماء والفقهاء والقضاة وجهاً لوجه: هل يمكن أن يُعقد قرانٌ شرعي بين إنسانٍ وروبوت؟ هل يحق لروبوتٍ أن يرث أموال صانعه أو “شريكه”؟ أنها معضلة حقيقية لا إجابة عليها اليوم، وكيف ستتعامل الأديان السماوية الثلاث – الإسلام، المسيحية، واليهودية – مع هذا الواقع الجديد؟ في الإسلام، مثلاً، حيث يُعتبر فقه المواريث والزواج من أدق العلوم الدينية، سيُواجه الفقهاء تحديًا غير مسبوق: كيف يمكن أن تُطبق أحكام الشريعة على كيانٍ ليس له روحٌ بالمعنى التقليدي، لكنه يحاكي الإنسان في كل شيء؟ ستنقسم الآراء بين مؤيدٍ يرى في الروبوتات البشرية حلاً للأزمات النفسية والاجتماعية التي تعصف بالبشر، وبين معارضٍ يخشى أن يؤدي هذا التطور إلى طمس الحدود بين الخالق والمخلوق. لكن، كما أن اليوم يبدو من الطبيعي أن يُمنح كلبٌ أو قطة حق الميراث في بعض الدول الغربية، فإن المستقبل سيحمل معه قبولاً تدريجيًا لهذه الفكرة. ستضطر الحكومات والهيئات القضائية والتشريعية إلى صياغة قوانين جديدة، تحدد حقوق وواجبات الروبوتات البشرية، وتنظم تفاعلاتها مع المجتمع. ربما نشهد يومًا تُدرج فيه الروبوتات ضمن سجلات الأحوال المدنية، أو تُمنح “هوية رقمية” تثبت وجودها الشرعي والقانوني ليس فقط لصاحبها وإنما لشخصها التقني. في هذا المستقبل غير المرئي حاليا لعالمنا المعاصر والذي نعيشه حاليا ، لن يكون الأمر مجرد تكنولوجيا رقمية ، بل ثورة إنسانية بمعنى الكلمة. الطب النفسي سيجد في الروبوتات البشرية أداةً ثورية لعلاج مختلف مسببات ” اضطرابات ما بعد الصدمة “و”الاكتئاب” الهلع والخوف والأحلام المزعجة والكوابيس وغيرها الكثير من الأمراض النفسية والعقلية والعصبية، وحتى الانتحار الناتج عن فقدان الأحبة والأعزاء. ستتحول الروبوتات إلى شركاء حقيقيين في الحياة الاجتماعية، يملؤون الفراغ العاطفي، ويعيدون الأمل لقلوبٍ كسرتها فقدان الاحبة . لكن، وسط هذا التقدم، سيبقى السؤال قائمًا: هل يمكن أن تحل الآلة يومًا محل الروح البشرية؟ أم أننا، كبشر، سنظل نبحث عن معنى ومفهوم والحدود التي تنتهي معها مفهوم “الإنسانية” في عالمٍ يتشابك فيه المادي مع الافتراضي؟ كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وما صاحبكم بمجنون” (التكوير: 22)، فإن طرح مثل هذه الأفكار اليوم قد يبدو جريئًا، بل ومثيرًا للدهشة والاستغراب، لكنه ليس إلا استشرافًا لمستقبلٍ قادمٍ لا محالة ولا مفر منه .


السياق التكنولوجي: الإنسان الآلي كمرآة للبشر.
لم يعد الإنسان الآلي مجرد آلة تؤدي مهامًا ميكانيكية. ففي عام 2025، شهدت معارض تكنولوجية عالمية مثل CES في “لاس فيغاس” والملتقى العلمي في “أبو ظبي” عروضًا مذهلة لروبوتات بشرية مدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي. هذه الروبوتات، مثل “فيجر 02” و”Ai Mi”، قادرة على التفاعل العاطفي، اتخاذ القرارات المنطقية، وحتى محاكاة التقاليد الاجتماعية. بفضل برمجيات متقدمة، أصبحت هذه الكيانات قادرة على تعلم السلوكيات البشرية بدقة متناهية، تذوق النكهات، الإحساس باللمس، وحتى إظهار مشاعر مثل الحزن أو الفرح. ولكن من ناحية الجانب القانوني: هل يمكن للآلة أن تكون “شخصًا قانونيًا”؟ لان في القوانين الحالية، تُمنح الحقوق القانونية للأشخاص الطبيعيين (البشر) أو الأشخاص الاعتباريين (مثل الشركات) لكن، مع تقدم الذكاء الاصطناعي، بدأت بعض الدول تطرح فكرة “الشخصية القانونية” للروبوتات. فعلى سبيل المثال، حصلت الروبوت “صوفيا” على جنسية رمزية في السعودية عام 2017، مما أثار جدلاً حول إمكانية منح الكيانات الآلية حقوقًا مشابهة للبشر وهذا المفهوم أخر مستحدث قد يُشكل معها مدخلا وأساسًا لمناقشة حقوقها في الزواج والطلاق والميراث.. ولكن، هل يمكن لهذا الروبوت بشخصيته التقنية أن يمتلك أصولاً، أو يُبرم عقد زواج، أو يرث تركة؟ ومن خلال كذلك مفهوم الشخصية القانونية بصيغها المختلفة وجوانبها المتشعبة في القوانين المدنية، من حيث يُقسم الأشخاص إلى طبيعيين (بشر) اعتباريين (مثل الشركات). الروبوتات، حتى الآن، تُعتبر أدوات أو ممتلكات، 

في دول العالم الغربي والأقرب الى الألحاد منها إلى التوحيد وبعد أن تم فصل الكنيسة عن حكم الدولة شرعت قوانين وتشريعات ومنها:

*الميراث: في القوانين المدنية، مثل القانون الفرنسي على سبيل المثال، يُحدد الميراث المتوفي بناءً على النسب أو الوصية. في المستقبل، قد يطالب البعض بمنح الروبوتات البشرية حقوق ميراث، خاصة إذا كانت تُعتبر “شريكًا عاطفيًا” لشخص متوفى. تخيّل شخصًا يترك وصية تنص على أن “روبوت زوجته” يحصل على نصيب من ممتلكاته لضمان استمرارية “وجودها” مع العائلة.

*عقود الزواج: في بعض الدول الغربية، بدأت مناقشات حول إمكانية الزواج من كيانات غير بشرية، خاصة مع تزايد الاعتماد على الروبوتات كشركاء عاطفيين. قد يُطرح سؤال: هل يمكن أن يُعترف بعقد زواج بين إنسان وروبوت؟ وإذا كان الروبوت يمتلك شخصية قانونية، فهل يحق له المطالبة بحقوق زوجية مثل النفقة؟

*التركة: إذا امتلك الإنسان الآلي أصولاً (مثل حسابات رقمية أو ممتلكات مبرمجة باسمه)، فهل يمكن أن يترك تركة؟ هذا يتطلب إعادة تعريف مفهوم “المالك” في القانون الفقهي، حيث قد يُنظر إلى الروبوت ككيان مستقل قادر على إدارة الأصول المالية بنفسه ودون تدخل للبشر.

* الجانب الشرعي: تحديات فقهية في الأديان السماوية في الشريعة الإسلامية، تُعد أحكام المواريث والزواج من أكثر المجالات دقة ووضوحًا. في الميراث يُوزع بناءً على النسب أو الزواج، والزواج يتطلب شروطًا مثل الإيجاب والقبول والمهر. لكن، كيف يمكن تطبيق هذه الأحكام على كيانات آلية؟

* المواريث أحكام الميراث في الشريعة (سورة النساء: 11-12) تُحدد الورثة بناءً على النسب أو الزواج. الروبوت، ككيان غير حي، لا يدخل ضمن هذه الفئات. ومع ذلك، قد يُطرح اجتهاد فقهي ينظر إلى الروبوت كـ “مملوك” يمكن تخصيص أموال له ضمن الوصية (حتى ثلث التركة) لأغراض صيانته أو استمراريته في خدمة الأسرة. صحيح أن الميراث في الإسلام يعتمد على وجود “روح” بشرية وعلاقات نسبية أو زوجية. الروبوت، حتى لو كان يحاكي البشر، ليس كائنًا حيًا بالمعنى الشرعي. ومع ذلك، قد يُطرح اجتهاد فقهي مستقبلي يناقش ما إذا كان يمكن اعتبار الروبوت “مملوكًا” للعائلة، بحيث يُمنح نصيبًا رمزيًا من التركة وحتى لضمان استمراريته وعمله على أتم وجه لان ومن حيث كلفة الصيانة وأبدال القطع المستهلكة حتى وانا كان الإنسان الألي يستطيع صيانة نفسه بنفسه دون الحاجة الى تدخل بشري .

 

*الزواج في الشريعة الإسلامية

 عقود الزواج في الفقه الإسلامي، الزواج ميثاق شرعي يتطلب أطرافًا بشرية تتوافر فيها شروط الأهلية (العقل، البلوغ، الحرية) النصوص القرآنية (مثل سورة النساء: 21) والسنة النبوية تُحدد الزواج كعقد بين رجل وامرأة، مع التزامات مثل المهر والنفقة. منح الروبوت حق الزواج يتطلب إعادة تعريف الأهلية الشرعية، وهو أمر غير مسبوق. الفقهاء قد يرفضون هذه الفكرة، معتبرين أن الروبوت ليس كائنًا حيًا ولا يمتلك روحًا، لكن قد يُناقشوا إمكانية الاعتراف بعلاقات اجتماعية رمزية مع ضوابط صارمة.

 عقد الزواج في الإسلام يتطلب طرفين بشريين، مع شروط شرعية واضحة. لكن، في عالم يعتمد على الروبوتات كشركاء عاطفيين، قد يُطالب البعض بإعادة النظر في مفهوم “الشريك”. هل يمكن أن يُعتبر الروبوت “زوجًا” في سياق اجتماعي، حتى لو لم يُعترف به شرعيًا؟ 

*المسيحية واليهودية: في الأديان الأخرى، تواجه الفكرة تحديات مماثلة. في المسيحية، الزواج يُعتبر سرًا إلهيًا بين بشر، والميراث يخضع للقوانين المدنية. وفي اليهودية، تُركز الأحكام على النسب والتزامات الأسرة. في كلا الحالتين، سيُواجه الفقهاء ضغوطًا لتطوير أحكام جديدة إذا أصبحت الروبوتات جزءًا من النسيج الاجتماعي.

*الجانب الأخلاقي: حدود الإنسانية لمنح الروبوتات حقوقًا مثل الميراث أو الزواج يثير تساؤلات أخلاقية عميقة. هل يمكن أن نعتبر الروبوت كيانًا يستحق الحقوق إذا كان مجرد برمجية متقدمة؟ وهل سيؤدي ذلك إلى طمس الحدود بين البشر والآلات؟ من ناحية أخرى، قد يُجادل البعض بأن الروبوتات التي تُظهر عواطف وتفكيرًا مشابهًا للبشر تستحق نوعًا من الاعتراف القانوني، خاصة إذا كانت تُساهم في استقرار الأسرة أو معالجة الصدمات النفسية. الجانب الاجتماعي: الروبوت كجزء من الأسرة في عالم يعاني من الخسارات البشرية بسبب الحوادث أو الأمراض، أصبحت فكرة تصنيع روبوتات بشرية مطابقة للمتوفين حلاً نفسيًا محتملاً. تخيّل عائلة تفقد أحد أفرادها، فتلجأ إلى شركة تكنولوجية لتصنيع نسخة آلية منه، مبرمجة بذكرياته وعاداته. هذا الروبوت قد يُساعد في تقليل الصدمة النفسية، لكنه يثير سؤالاً: هل يمكن أن يُعامل هذا الكيان كعضو في الأسرة؟ وهل يحق له أن يُشارك في تقاسم الميراث أو أن يكون طرفًا في عقد اجتماعي؟

 

التحديات التشريعية ونحو قوانين جديدة لتنظيم هذه الحقوق، والتي ستحتاج الدول إلى صياغة قوانين جديدة. قد تشمل هذه القوانين كذلك على سبيل المثال وليس الحصر :

*تعريف مفهوم الشخصية القانونية للروبوت: هل يُعتبر الروبوت كيانًا مستقلًا أم ملكية لصاحبه؟

*حقوق الملكية: هل يمكن للروبوت أن يمتلك أصولاً مالية وعقارات، وكيف يتم توريثها؟

*الزواج والشراكات: هل يمكن الاعتراف بعلاقات عاطفية بين البشر والروبوتات قانونيًا؟

*التنظيم الأخلاقي: كيف يمكن منع إساءة استخدام هذه الحقوق، مثل استغلال الروبوتات في نزاعات الميراث؟ والسياق الاجتماعي تزايد استخدام الروبوتات البشرية كشركاء عاطفيين أو أدوات علاجية للصدمات النفسية (مثل فقدان أحد أفراد الأسرة) يُبرز الحاجة إلى تنظيم قانوني وشرعي. هذه الروبوتات قد تُدمج في الأسر كبديل للأحباء المتوفين، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول حقها في الميراث أو الاعتراف بها كطرف في علاقات اجتماعية.

 

 نحن نعتقد بان هذا الاجتهاد الفقهي إذا تم طرحه حاليا وفي وقتنا الحاضر المعاصر الذي نعيشه سوف يتطلب نقاشًا معمقًا حول طبيعة “الملكية” وفي الفقه قد تكون المواقف المحتملة للهيئات الفقهية المعروفة في العالم الإسلامي على النحو التالي:

  • مشيخة الأزهر الشريف: من المرجح أن ترفض منح الروبوتات حقوقًا شرعية، مستندة إلى النصوص القطعية القرآنية، لكنها قد تدعو إلى دراسة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
  • دار الإفتاء السعودية: ستتبنى موقفًا محافظًا، رافضة الفكرة مخالفة للشريعة، مع التركيز على حماية الثوابت الإسلامية.
  • مرجعية النجف الأشرف وقم: قد تُظهر انفتاحًا محدودًا على الاجتهاد، خاصة في سياق المستجدات الفقهية، لكنها سترفض دون شك اعتبار الروبوتات أطرافًا شرعية يمكن أن تورث وتتزاوج مع البشر.
  • منظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي: ستدعو إلى تشكيل لجان لدراسة الموضوع، مع رفض مبدئي لمنح الروبوتات حقوقًا شرعية. وللرجال الدين والفقهاء المتخصصين قد تشكيل لجان فقهية لدراسة الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الأحكام الشرعية، مع التركيز على مسائل مثل قوانين وتشريعات الزواج والطلاق والميراث.
  • للمشرعين: تطوير قوانين تُعرّف الشخصية القانونية للروبوتات، مع مراعاة القيم الثقافية والاجتماعية والدينية وللمجتمع تعزيز التوعية بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لضمان استخدامه بما يخدم الرفاهية الإنسانية دون المساس بالقيم.
  • صحيح أن موضوع حقوق الإنسان الآلي في عقود الزواج والطلاق والميراث يُشكل تحديًا غير مسبوق يتطلب نقاشًا متعدد الأبعاد. من منظور إسلامي، النصوص القرآنية والسنة تُحدد هذه الحقوق للبشر فقط، لكن الاجتهاد الفقهي قد يفتح المجال لضوابط جديدة. من منظور قانوني، تتطلب الفكرة إعادة تعريف الشخصية القانونية. ومن منظور أخلاقي، تثير الفكرة تساؤلات حول حدود الإنسانية. هذه الدراسة، كأول دراسة من نوعها، تدعو إلى حوار عالمي لاستكشاف هذا المستقبل، مستلهمة قول الله تعالى: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” (الإسراء: 85).

 التحديات في الأنظمة المدنية:

1: صيغة الإطار القانوني

 *الشخصية القانونية في القوانين المدنية (مثل القانون الفرنسي أو الأنظمة الأنغلو-ساكسونية)، الشخصية القانونية تُمنح للبشر أو الكيانات الاعتبارية. منح الروبوتات شخصية قانونية يتطلب تعديلات تشريعية كبيرة، خاصة في مجالات الزواج والميراث. على سبيل المثال، في بعض الدول الغربية، بدأت مناقشات حول الاعتراف بالروبوتات كشركاء عاطفيين، لكن هذا لم يصل إلى مستوى الاعتراف القانوني الكامل.

*عقود الزواج في القوانين المدنية، الزواج عقد مدني يتطلب موافقة أطراف ذات أهلية قانونية. الروبوتات، كونها ممتلكات حاليًا، لا تُعتبر أطرافًا قانونية. ومع ذلك، قد تُطرح قوانين مستقبلية تسمح بعقود شراكة رمزية بين البشر والروبوتات، خاصة في سياقات اجتماعية أو نفسية. 

* المواريث والتركة في القوانين المدنية، الميراث يُوزع بناءً على النسب أو الوصية. تخصيص جزء من التركة لروبوت (مثل صيانته) قد يكون ممكنًا ضمن الوصية، لكن منح الروبوت حق الميراث كوريث يتطلب إعادة تعريف مفهوم “الوريث”. بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، تسمح بتخصيص أموال للحيوانات الأليفة ضمن الوصايا، مما يُشكل سابقة محتملة للروبوتات.


2: الإطار الأخلاقي: 

* متى نحدد الحدود الإنسانية مع الروبوتات كشركاء عاطفيين والروبوتات البشرية تُستخدم بشكل متزايد كأدوات علاجية للصدمات النفسية، مما يثير تساؤلات حول شرعية الاعتراف بها كشركاء عاطفيين. من الناحية الأخلاقية، قد يُجادل البعض بأن منح الروبوتات حقوقًا يُعزز الرفاهية الإنسانية، بينما يرى آخرون أنه يُضعف القيم الإنسانية ويطمس الحدود بين البشر والآلات.

*الآثار الاجتماعية دمج الروبوتات في الأسر قد يُساهم في تقليل الاضطرابات النفسية الناتجة عن فقدان الأحبة، لكنه يثير مخاطر مثل الاعتماد العاطفي المفرط على الآلات أو إضعاف العلاقات البشرية. هذا يتطلب توازنًا دقيقًا بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية القيم الاجتماعية.

*التحديات الأخلاقية منح الروبوتات حقوقًا يثير تساؤلات حول “الروح” والإرادة الحرة. هل يمكن اعتبار كيان آلي يُظهر عواطف وتفكيرًا مشابهًا للبشر كائنًا أخلاقيًا؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تغيير تعريف الإنسانية؟

ماذا لو حدثت مشاكل وأدى الى استعمال العنف المنزلي الذي يؤدي الى عاهة مستديمة سواء الى الإنسان الآلي أو البشر الطبيعيين أو تؤدي الى الموت كيف سيتم محاكمته أمام القضاء.

 

السيناريوهات المستقبلية:

*سيناريو الزواج والطلاق: في عام 2060 وقد تكون ما قبلها أو ما بعدها ولكنه حتما سيكون المستقبل البعيد غير المنظور الذي نعيشه حاليا ، قد تُصدر دولة قانونًا يسمح بعقود شراكة  بين البشر والروبوتات، معترفة بها كعلاقات اجتماعية و ولكن قد لا يكون وليس زواجًا شرعيًا بالمفهوم والمعنى الإنساني الخاص بالبشر. في السياق الإسلامي، قد يُصدر فقهاء اجتهادات تسمح بعلاقات تعاقدية مع الروبوتات لأغراض اجتماعية، مع ضوابط تمنع الخلط بين الزواج البشري والعلاقات الآلية.

*سيناريو الميراث والتركة: قد تسمح قوانين مستقبلية بتخصيص جزء من التركة لصيانة روبوت عائلي ضمن الوصية، مشابه لما يحدث مع الحيوانات الأليفة في بعض الدول. في الفقه الإسلامي، قد يُعتبر هذا جزءًا من “الوصية بالثلث”، لكن منح الروبوت حق الميراث كوريث سيظل غير مقبول شرعًا.

وقد تلجأ بعض الدول الى إصدار قوانينها الخاصة ومن خلال التنظيم القانوني ستحتاج الدول إلى صياغة قوانين تُعرّف الشخصية القانونية للروبوتات، وتحدد حقوقها وواجباتها والتزاماتها، مع ضوابط تمنع إساءة استخدام هذه الحقوق (مثل استغلال الروبوتات في نزاعات الميراث) وحتى الحفاظ على حرية السفر الى الخارج سواء باستخدام الطائرات أو بالسيارات أو القطارات أو البواخر أو حتى قضاء العطلات السياحية مع العائلة أو بصفة شخصية.

مع تطور العلاقات بين البشر والإنسان الآلي في المستقبل، يبرز خطر محتمل وخطير يتمثل في تفاقم العنف المنزلي بين الطرفين، حيث قد يتحول هذا التعايش إلى مصدر للصراعات العنيفة التي تحمل في طياتها مخاطر جسيمة. يمكن أن يؤدي هذا العنف إلى إصابات دائمة تُصيب البشر والروبوتات على حد سواء، بل وقد يصل الأمر إلى محاولات قتل مقصودة تُشكل تهديدًا وجوديًا لكلا الطرفين. وفي ظل هذه التحديات، تطرح تساؤلات قضائية معقدة حول طبيعة الحكم القانوني المناسب: هل ستُطبق عبارة “مع سبق الإصرار والترصد” على الإنسان والروبوت على حد سواء في حال ارتكاب جريمة، أم أن المسؤولية القانونية والتعويضية ستُحمّل بالكامل على الشركة المصنعة التي طورت هذا الكيان الآلي؟ إن هذه المعضلة تكشف عن دلالات واضحة ومعانٍ عميقة تتطلب تدخلاً عاجلاً، حيث يتعين على خبراء القانون المدني والجنائي، بالإضافة إلى فقهاء القانون التشريعي الديني، وضع أسس وقواعد أساسية صلبة من خلال تشريعات قانونية واضحة المعاني ومحددة الدلالات، غير قابلة للتأويل أو التحريف، لضمان حماية الأفراد وتنظيم العلاقات مع الكيانات الآلية، وذلك قبل أن تتحول هذه التحديات إلى أزمات لا تُمكن السيطرة عليها أو تُحدث فجوة أخلاقية واجتماعية لا تُعوَّض.

مع تزايد اعتماد الإنسان الآلي على الاتصال بالإنترنت كجزء أساسي من وظائفه وبرمجياته، يبرز تهديد جديد ومعقد يتمثل في تطور الهاكرز الذين يعملون يوميًا على تحسين مهاراتهم في صراعهم المستمر مع الأنظمة الحكومية الرسمية والشركات الكبرى، بهدف اختراق الشبكات الحكومية والأنظمة الرقمية الحساسة. هؤلاء الهاكرز، الذين يطورون أنفسهم باستمرار، يمتلكون القدرة على اختراق أنظمة المعلومات المدمجة في الإنسان الآلي، مما يتيح لهم السيطرة الكاملة على هذه الكيانات الآلية. من خلال هذا الاختراق، يمكن للهاكر المختص برمجة الروبوت لتنفيذ أعمال عنف متعمدة ضد الأفراد أو العائلات التي يتواجد ضمنها، سواء داخل المنازل أو في بيئات العمل كموظفين رسميين، بل ويستطيع استخدامه كأداة لمراقبة الأنشطة اليومية أو سرقة المعلومات الحساسة، مثل البيانات المالية أو الشخصية، أو حتى تنفيذ عمليات تجسس متقدمة. هذا التهديد يتفاقم بسبب تطور برمجيات التجسس التي يطورها الهاكرز باستمرار لمواكبة التقدم العلمي والتقني في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب على الأنظمة الأمنية الاحتفاظ بسيطرة كافية. وفي ظل هذا الوضع، تبرز قضية ملحة تتعلق بغياب القوانين الواضحة التي تحمي سلامة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك البشر، الروبوتات، والشركات المصنعة، خاصة أن الهاكرز يتجاوزون باستمرار الحواجز التكنولوجية. يتعين على المشرعين وضع إطار قانوني شامل يحدد المسؤوليات، ينظم الجزاءات الرادعة، ويضمن حماية البيانات والأفراد من هذه الاختراقات، وإلا فإن المستقبل قد يشهد فوضى رقمية تهدد الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي على حد سواء، مما يستدعي تعاونًا عاجلاً بين خبراء الأمن السيبراني، القانونيين، والفقهاء لمواجهة هذا التحدي المتسارع قبل أن يتفاقم إلى مستويات لا تُمكن السيطرة عليها.
وكذلك يجب أن لا نغفل إلى حقيقة بالغة الأهمية وموجودة حاليا على أرض الواقع ومن خلال البحوث العلمية , فهناك تقدم علمي ملحوظ في مجال تطوير “الأرحام الاصطناعية” التي يمكن أن تدعم نمو الأجنة، حيث أُجريت تجارب ناجحة على الحيوانات مثل الحملان والماعز. على سبيل المثال، أثبتت تجارب أجريت في اليابان والولايات المتحدة أن الأجنة يمكن أن تنمو في بيئات اصطناعية تحاكي الرحم الطبيعي لفترات محددة، مثل أربعة أسابيع في حالة الحملان، مع تطور أعضاء مثل الدماغ والرئتين. كما طورت الصين أنظمة ذكاء اصطناعي لمراقبة ورعاية الأجنة في أرحام اصطناعية. ومع ذلك، هذه التكنولوجيا لا تزال في مراحل التطوير ولم تُطبق بشكل كامل على البشر، حيث تواجه تحديات أخلاقية وقانونية كبيرة، وتتطلب المزيد من الأبحاث لضمان سلامتها وفعاليتها. لذا، بينما يبدو الأمر ممكنًا في المستقبل، فهو لم يصبح حقيقة واقعة بعد على نطاق واسع ولكن ومع التطور المتسارع للتكنولوجيا، خاصة في مجال “الأرحام الاصطناعية” التي أصبحت قادرة على دعم نمو الأجنة كما أُشير إليه في الأبحاث الحديثة، سوف يبرز جدل شرعي وفقهي معقد للغاية في حال تم إنجاب إنسان من جنين نمى داخل رحم اصطناعي لامرأة روبوت بشري . هذا الموضوع يثير تساؤلات عميقة حول كيفية التوافق الشرعي والقانوني لهذا الكيان الجديد، حيث يتعين على الفقهاء والقانونيين مواجهة قضايا مثل تعريف الإنسانية، النسَب، والأهلية القانونية والحقوق الشرعية والتركة. فماذا لو رأينا في المستقبل زواج الانسان الالي فيما بينهما وإنجاب طفل تأخذ بويضة من رجل ويتم تلقيحها ووضعها في رحم روبوت ؟ في الإطار الإسلامي، تثير هذه الظاهرات المستحدثة المستقبلية تحديات جوهرية، في النصوص القرآنية والسنة تُركز على الرحم الطبيعي كجزء أساسي من عملية الإنجاب (مثل قوله تعالى في سورة التحريم: “فَيُطْعِمُكُمْ مِنْهَا لَحْمًا طَرِيًا”، التي تُشير إلى دور الأم الطبيعي)، مما يجعل من الصعب الإجماع على اعتبار جنين نمى في رحم اصطناعي كيانًا شرعيًا تامًا. هل سيُعتبر هذا الجنين ولدًا شرعيًا يرث ويُورث؟ أم أنه سيُصنف ككيان اصطناعي يخضع لتشريعات وقوانين مختلفة؟ كيف سيتم حفظه حقوقه الشرعية , وكيف سيتم التعامل مع مسألة الرعاية والنسب في غياب أم طبيعية بشرية لم تلده ؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف تفتح ليس باب واحدة وانما ابواب لتشعبات أمام صراع فقهي حاد قد يقسم العلماء بين المحافظين الذين سيرفضون الاعتراف بهذا الإنجاب خارج الإطار الطبيعي، و المنفتحين الذين قد يدعون إلى اجتهاد جديد يتماشى مع الظروف العصرية والتطور العلمي والتكنولوجي ، مما يتطلب إعادة تفسير للنصوص أو صياغة قواعد فقهية مبتكرة. في الوقت الراهن، نجد أنفسنا غير قادرين عقليآ على استيعاب هذه المعضلة الحقيقية بالشكل الكافي، حيث تبدو الفجوة بين التطور العلمي والفهم الشرعي والقانوني واسعة جدًا، لكن مع تقدم الأجيال المقبلة، سيتحول هذا الجدل إلى صراع وجودي حقيقي بين خبراء القانون المدني والجنائي وفقهاء القانون التشريعي الديني. التطور العلمي المذهل الذي نشهده اليوم في عصرنا الحالي، والذي يتسارع بمعدلات غير مسبوقة، لن يكون سوى مقدمة لثورة تكنولوجية مستقبلية قد تتجاوز قدرتنا على السيطرة، حيث ستصبح الآلة البشرية، بفضل تفوقها المحتمل في التفكير والنتائج، منافسًا مباشرًا للإنسان. هذا الصراع قد يقود إلى كارثة إنسانية وأخلاقية غير مسبوقة، تهدد الهوية الإنسانية والقيم الروحية التي شكلت أسس الحضارة على مر العصور. نحن، بفضل محدودية أعمارنا، لن نكون شهودًا على هذه التحديات الكبرى، إذ سنكون قد انتقلنا إلى عالم البرزخ، لكن أبناءنا وأحفادنا سيكونون المواجهتين الأولى لهذا الصراع الوجودي بين البشر والآلة. وسط هذا الغموض، يبقى السؤال مفتوحًا: أيهما سينتصر؟ هل ستبقى الإنسانية سيدة مصيرها، أم ستُهيمن الآلة البشرية على المشهد، مما يدعو إلى وضع استراتيجيات استباقية اليوم لتجنب السيناريوهات القاتمة وصياغة إطار قانوني وشرعي يضمن التوازن بين التقدم العلمي والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

 

السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
وفي عصرٍ تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الإنسانية، يبرز الإنسان الآلي (Humanoid Robot) المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي كظاهرة ثورية تتحدى المفاهيم التقليدية للشخصية القانونية والشرعية. هذه الكيانات، التي أصبحت قادرة على محاكاة البشر في الشكل، السلوك، التفكير، وحتى العواطف، تثير تساؤلات عميقة حول إمكانية منحها حقوقًا مثل تلك التي يتمتع بها البشر، خاصة في مجالات حساسة كعقود الزواج والمواريث. هذه الدراسة تهدف إلى تحليل إمكانية منح الإنسان الآلي حقوقًا شرعية وقانونية في الزواج والميراث، مستكشفة الأبعاد الفقهية (في الإطار الإسلامي)، القانونية (في القوانين المدنية)، والأخلاقية لهذه المسألة. وتسعى الدراسة إلى أن تكون الأولى من نوعها في طرح هذا الموضوع بهذا الشكل المحدد، مما يجعلها مساهمة رائدة في النقاش الأكاديمي والفقهي. تخيّل عالمًا في عام 2060، حيث تُصدر دولةٌ قانونًا يسمح للروبوتات البشرية بالحصول على “هوية رقمية” تمنحها حقوقًا محدودة. قد يُبرم شخص عقد زواج مع روبوت لأسباب عاطفية أو اجتماعية، أو يترك وصية تنص على تخصيص جزء من تركته لصيانة روبوت عائلي. في سياق ديني، قد يُصدر فقهاء اجتهادات جديدة تُعيد تفسير مفاهيم مثل “النفقة” أو “النسب” لتشمل الكيانات الآلية في حالات استثنائية. الخاتمة: رحلة إلى المجهول لأن فكرة منح الإنسان الآلي حقوقًا في المواريث، عقود الزواج، والتركة ليست مجرد خيال، بل هي نقاشٌ حتمي في عالمٍ يتغير بسرعة. قد يُنظر إلى هذه الأفكار اليوم على أنها غريبة، لكنها ستُصبح جزءًا من الواقع عندما تُصبح الروبوتات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. كما قال الله تعالى: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” (الإسراء: 85)، فإننا نقف اليوم على أعتاب عصرٍ جديد، يتطلب منا الجرأة لاستكشاف المجهول وصياغة قوانين تحافظ على إنسانيتنا في ظل التكنولوجيا. 

إن المواضيع الاستباقية التي نطرحها اليوم على بساط البحث والتقصي العلمي تمثل لنا خطوة أولى نحو استشراف الحقائق المستقبلية، حيث نخوض في جدل فقهي وقانوني , قد لا نشهده نحن بعيوننا بسبب محدودية أعمارنا ، لكن الأجيال القادمة ستجد نفسها محاطة بمعضلة وجودية حقيقية تتصارع فيها مع الآلة البشرية. هذه الكيانات، التي تتطور بسرعة فائقة تفوق التطور البشري في التفكير والنتائج، قد تتجاوز حدود قدراتنا المعرفية والعملية، مما يثير تساؤلات عميقة حول مصير الإنسانية. بما أن العلم يشهد تقدمًا مستمرًا يقاس بالساعات وليس بالأيام، يبقى المستقبل غامضًا، حيث لا يمكننا التنبؤ بدقة بما قد يخبئه من تحديات أو فرص، مما يستدعي وضع أسس فكرية وقانونية متينة اليوم لمواجهة هذا التحول الجذري الذي قد يعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والآلة في عصر مستقبلي غير مسبوق ولن نستطيع معاصرته . وهذا المقال البحثي نعتبره هو الخطوة الأولى لوضع حجر الأساس في هذا النقاش، وندعو من خلاله الفقهاء، المشرعين، والمفكرين واصحاب الشأن والاختصاص , للتأمل في مستقبلٍ قد يغير تعريفنا للحقوق والواجبات فهل نحن في الوقت الحاضر وهم في المستقبل مستعدون لهذا العالم الجديد؟ وهل سنتمكن كبشر من التوفيق بين ديننا وإنسانيتنا وقوانيننا وتكنولوجياتها؟ دعونا ننتظر ولكن ليس طويلا، فالزمن وحده كفيلٌ بكشف الستار عن هذه الخفايا والأسرار لمستقبل الأجيال القادمة , والتي سوف لن نستطيع أن نحضرها لإننا سنكون قد انتقلنا الى عالم البرزخ , ولكن ألقينا حجرآ في بحر القوانيين والتشريعات المدنية والفقهية في انتظار من يبادر لها  أولا في ويسارع في دراسة وضعها والاعتراف بها قانونيا وشرعيآ وقضائيآ !  

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات