*من يعتقد للوهلة الأولى أن إيران ولاية الفقيه ومعهم قيادات الجيش والحرس الثوري الإيراني وبدعم لامحدود من قبل رجال الدين المتشددين سوف يرفعون الراية البيضاء وهم يرون زوال الهلال الشيعي ويبكون على إطلاله فهو واهم جدآ ! لأن هؤلاء سيفعلون ما بوسعهم وقدرتهم بغرض محاولة حثيثة على الأقل لإعادة الفوضى مرة أخرى في المنطقة!
من يراجع قبل أيام ما نشرته الصحافة الإيرانية الناطقة باللغة العربية وتصريحات المسؤولين الإيرانيين والقيادات العسكرية , وعن مدى ما وصلت إليه حالة الغضب والعصبية والانفعال الذي انتابهم في تصريحاته يعرف جيدآ بأن ما تم بنائه طوال أكثر اربع عقود على تأسيس وإدامة “محور المقاومة” و “الهلال الشيعي” والفصائل الولائية المسلحة و “حزب الله اللبناني” ودعم نظام الرئيس المخلوع “بشار الأسد” وعن مقدار وحجم الأموال التي أنفقت والتي قاربت من خمسين مليار دولار أو أكثر , بالإضافة الى قتل وتصفية العشرات والمئات من ابرز القيادات العسكرية والسياسية والمقاتلين الإيرانيين ؟ يعرف بان إيران لن تترك الساحة السياسية والعسكرية بالمنطقة بهذه السهولة , وستعمل بكل جهدها لغرض زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وبالأخص بعد انهيار مشروع “الهلال الشيعي” الذي كان يُعتبر في الوقت نفسه تحالفاً عقائديا ومذهبيا ومن أهم الركائز التي كانت تعتمده في مشروعها الاستراتيجي للتوسع بالمنطقة وحتى على حساب شعوبهم بين إيران وسوريا والعراق وصولا للمجموعات الشيعية في اليمن والبحرين وعلى سبيل المثال وليس الحصر عن حالة الغصة والمرارة التي سمعناها قبل ساعات من خلال تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني :” بأن ما جرى في سوريا سيكون درس مرير وصعب يجب علينا التعلم منه “
بعد هذا الانهيار غير المتوقع لمشروعها التوسعي ستواجه إيران عدة تحديات تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى فقدان السيطرة على تأثيرها العقائدي والديني للمجتمع الشيعي بالمنطقة ومن أبرز هذه التحديات هي :
1)التخوف من فقدان النفوذ و الزعامة الإقليمية تدريجيآ , بعد أن عملت في السابق بأن بناء ووضع أسس دينية وعقائدية وولائية من قبل مراجع الدين الإيرانيين , وأنشاء تحالفات استراتيجية مع حكومات الدول الاقليمية “العراق سوريا ولبنان واليمن” ودعم من الفصائل والأحزاب الشيعية والتي يؤمن قادتهم بمرجعية الولاية السياسية والدينية والعقائدية وانهيار هذا التحالف سيؤدي إلى فقدان الجزء الأكبر من نفوذها الإقليمي بالمنطقة مما قد يضعف بدوره بصورة أكثر من قدرتها في المستقبل على التأثير في السياسة الإقليمية لدول المنطقة وبعد خسارة سوريا قد تبرز المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي وبمساعدة من أمريكا وبالأخص في عهد الرئيس القادم ترامب بملأ الفراغ الذي تركته إيران في سوريا وحتى في لبنان والعراق .
2) وبما أن إيران تسعى اليوم بكل جهد إلى تعزيز وأدامت تحالفاتها وبالأخص مع الفصائل الولائية المسلحة الشيعية والتي كانت وما تزال تثير القلق والريبة هذه التحالفات وبالتالي قد يزيد وتنتهج الدول الغربية وأمريكا سياسة عقوبات أكثر تشددا لغرض عزلها دبلوماسيا أكثر من السابق ومع انهيار الهلال الشيعي وعدم قدرتها على إيجاد منفذ على البحر المتوسط وإدامة حزب الله اللبناني مرة أخرى ومده بالسلاح والمال والدعم اللوجستي.
3) التوترات الداخلية وتزايد الانقسامات الطائفية والمذهبية في بعض الدول التي كان لإيران نفوذ فيها قد يؤدي إلى تصعيد العنف والصراعات المسلحة الداخلية وبالأخص بالعراق فقد تظهر على سطح الأحداث بالمستقبل صراعات بين الفصائل الولائية بالعراق وفصائل أخرى شيعية ترفض الذهاب في زجها بمعارك خاسرة وسياسات ونهج تدميري , وقد تسعى حاليآ إلى استغلال الفرصة والتحالف مع القوى والجماعات السنية لغرض فرض سيطرتها على القرار السياسي والاقتصادي في العراق.
4)مدى وحجم التأثيرات والأعباء الاقتصادية التي تحملتها إيران طوال العقود الماضية والتي كانت تساند الجماعات والأحزاب المسلحة مادياً وعسكرياً وحتى الاستثمارات التي بنتها سابقا ومن خلال الاستثمار وأنشاء المشاريع الاقتصادية والتجارية لغرض إدامة نفوذها الإقليمي والاستفادة ماديا من العائدات , وخسارتها بهذه الصورة قد أدى الى زيادة الأعباء المالية وعدم قدرتها على إعادة الصرف ماديا كما كان بالسابق وبالأخص مع تدهور الوضع الاقتصادي الداخلي ومع تراجع القدرة المادية للمواطن الإيراني.
5)المجتمع الإيراني ومع النخب السياسية والثقافية والجامعية وبعد فقدان وانهيار “الهلال الشيعي” وحالة الغضب والانفعال في تصريحاته ومقالاتهم في الصحف ومع فقدان عشرات المليارات من الدولارات في بناء وهم وسراب انهار خلال أيام , والمطالبة من قبل التيار الإصلاحيين في تحسين الأوضاع الداخلية وكذلك في كيفية إعادة وصياغة وتعريف منهاج الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة ومع التحديات السياسية الداخلية وعدم استقرار النظام الداخلي تتزايد معها التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمعاناة من نسبة البطالة المرتفعة بين القوى العالمة الإيرانية والغلاء المعيشي والاحتجاجات الشعبية على السياسة الداخلية من قبل النخب المثقفة والناشطين في المنظمات الأهلية , واستغلال قوى المعارضة بالداخل لانهيار “الهلال الشيعي” وبالأخص بين قوى الإصلاحيين و كفرصة سانحة لهم لزيادة الضغط الشعبي والسياسي على القيادة الدينية المتشددة والمطالبة بإعادة تقييم استراتيجيتها وتوجهها الى الداخل لزيادة مستوى المعيشية للفرد بدلا من صرف مليارات الدولارات والاستثمار في انشاء وادامة أحزاب وفصائل مسلحة تختفي من الوجود ومع اول اطلاقة رصاصة تطلق وتختفي وكأنما شيئا لم يكن.
6) إيران ولاية الفقيه اليوم أصبحت أقل قدرة على مواصلة دعم حلفائها ومما سوف يغير من طبيعة هذه التحالفات والتي نشأت في ظل نفوذ “الهلال الشيعي” لذا قد تجد نفسها أمام تحديات جديدة وغير متوقعة لها لغرض تأمين علاقات وفي التعامل مع حلفائها الذين يحاولون الإن في التكيف مع الوضع الجديد الذي نشأ بعد سقوط سوريا وإيجاد استراتيجيات ومشاريع جديدة تمكن من خلالها على أن تكون لاعب بالمنطقة وبالأخص ما يزال العراق يحوي على عشرات الفصائل الولائية المسلحة والتي بعضها متواجد والمتمثل بالحكومة تحالف الإطار التنسيقي.
7) بعد انهيار زعامتها الإقليمية تتوجس وتترقب حاليآ عن الدور الذي سوف تلعبه المملكة العربية السعودية ودول الخليج وبالأخص دور تركيا “أردوغان” وبعد التفاهمات والتنسيق التي وضعتها حول سوريا الجديدة ومن خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام ومدى الإيجابية التي أبداها بدوره والاتصالات المباشرة مع الحكومة الانتقالية المؤقتة ومكتب العمليات العسكرية المشتركة , ودون وجود وسيط ثالث بينهما , مما ينذر بأن هناك علاقة موسعة ستكون مع قوى الثورة العسكرية وبما يخدم مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة وكذلك عدم بخس الدور تعزيز النفوذ التركي في إعادة صياغة طريقة الحكم الذي ستكون عليه سوريا , وحتى من الناحية التوجه السياسي والاقتصادي والدعم من قبل دول الخليج العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وهذه الدول بدورها قد تزيد من دعمها للكيانات المعادية لإيران أو حتى محاولة لملء الفراغ الذي ينشأ في بعض المناطق مثل لبنان وسوريا .
ستكون الزعامة التركية بالمنطقة واضحة وسيكون لها دور أساسي وحيوي في إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد والتي كانت بالسابق تنافس إيران في القضايا الإقليمية بالمنطقة وحاليآ سيكون لها دور تلعبه في وضع قوانيين وإيجاد استراتيجية تخدم مصالحها القومية أكثر من السابق بعد إزاحة منافستها إيران من طريق وملعب الشرق الأوسط الجديد.
8)من يعتقد بأن إيران ليس لديها القدرة اليوم على أثارة الفوضى السلاح فهو واهم , وحتى بعد الضربات الموجعة التي تلاقها حلفائها بسوريا وبلبنان , من أن تترك الساحة هكذا وبدون أن يكون لها دور تلعبه عللاى الاقل في تأليب الطائفي والمذهبي والعقائدي بين أطياف المجتمع السوري , وبالأخص الطائفة العلوية والتي كانت لها مميزات الحكم والسلطة والنفوذ طوال اكثر من خمسة عقود وما يزال شقيق الرئيس السوري المخلوع “ماهر الأسد” هارب من وجه العدالة الدولية والمحلية ,ويتعالج طبيآ من جروح واصابات في العراق وتحت حماية مباشرة من قبل كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء ولذا سيكون له حتمآ دور يلعبه بالمستقبل السوري وتاليب الطائفة العلوية على نظام الحكم الجديد وتحت حجة وستار التهميش السياسي والمجتمعي والمشاركة بالحكم في ظل النظام السوري الجديد , وكذلك في الجانب الاخر لديهم تنظيم داعش الذي يتواجد حاليآ في المناطق النائية من البداية السورية والقريبة من الحدود العراقية , فهم مستعدين اكثر من السابق لدعم هذا التنظيم المخابراتي ماديا ولوجستيا وتوفير لمقاتليهم وقياداتهم ملاذات وأماكن وتجمعات أمنة لهم لغرض إعادة زعزعة استقرار سوريا والمنطقة , لذا نتمنى ان تكون الجهات الحكومية الرسمية وقياداتها الأمنية والعسكرية لديها فهم في طريقة التصدي لهذا التنظيم , ولكي لا نرى مرة أخرى مسلسل وسيناريو التفجيرات بالعبوات الناسفة والاحزة البشرية والسيارات المفخخة تنتشر في شوارع المدن والاحياء السكنية والأسواق المكتظة , وياتون ليقولون للراي العام بعد وقوع هذه التفجيرات أن النظام السوري السابق كان حائط صد لعدم عودة تلك التنظيمات المتطرفة الى العمل مرة أخرى وكان يحاربهم بكل قوة وشدة ويزج قياداتهم ومقاتليهم بالسجون !!؟ وهذا ما سوف نشاهده منهم على ارض الواقع وتصريحاتهم في اعلامهم الموجه إذا حدث ما لا يحمد عقباه !
9) القيادة الدينية والعسكرية الإيرانية وبأشراف الأجهزة المخابراتية والاستخبارية عندما وضعت دراسة أسس واستراتيجيات تأسيس الفصائل والأحزاب الولائية تحت مسمى “محور المقاومة والممانعة” و”الهلال الشيعي” كان هدفه بالدرجة الأساس ليس السيطرة العسكرية فقط , وإنما إعادة توجيه المجتمعات هذا المحور من الناحية الثقافية والفكرية والدينية والعقائدية , وبما يخدم مصلحتها وإدامة سيطرتها على شعوب المنطقة , وحتى عملت على التغير الجغرافي والديمغرافي بين السكان , ومحاولة تفريس شعوب المنطقة من حيث تقديم كافة الإغراءات المادية والمعنوية المتوفرة لديها , واللعب على حبال الطائفية والمذهبية ومظلومية أهل البيت (ع) ولكن مع الانهيار المفجع لهذه الاستراتيجية والذي ألحق أضرار جسيمة لا يمكن إصلاحها في الوقت الحاضر ولا حتى على مدى المستقبل المنظور , والتي أفاقت شعوب هذه المنطقة على صدمة وغسيل دماغ كان قد اجري لهم من خلال شعارات تحرير القدس من الصهاينة وقرب الصلاة فيها, لذا إعادة لهم وعيهم الذين فقدوه سابقآ وهم يرون كيف انهار وانهزم من كان يتراءى لهم كل يوم ويعدهم بالتحرير والصلاة بالقدس .
10)محاولة محمومة تجري حاليا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تصدع وانهيار ما تبقى من جدار “محور المقاومة” في عقلية الشعب الإيراني ونخبه المثقفة وبالأخص تيار الإصلاحيين ومن ورائهم فقراء وضعفاء ومستضعفين المجتمع بشأن تساؤلاتهم واستفساراتهم عن مدى القوة الاستراتيجية التي كانت تروج لها القيادة الدينية للمحافظين ومعها القيادة العسكرية وتأثيرها الفعال والحاسم بتواجدها الإقليمي , لذا سارع المرشد الأعلى “الخامنئي” بمحاول منه لإنقاذ ما تبقى من الوهم والسراب الذي كان في عقول الإيرانيين ومن خلال كلمته في حسينية الأمام الخميني يوم الأربعاء الفائت واتهامه بشكل صريح ومباشر بقوله :” يجب عدم التردّد في أنّ ما حدث في سورية، هو نتيجة خطّة أميركيّة وصهيونيّة مشتركة. نعم، هناك دورٌ واضحٌ لإحدى الدول الجارة لسورية ؛ وهي لعبته وتلعبه الآن أيضًا، وهذا ما يراه الجميع، لكنّ أولئك هم العامل الأساس” طبعآ يقصد الدولة الجارة هي تركيا حتى ولو يذكرها بالاسم وهذا صحيح ولا يستطيع أن ينكره أحد بأن تحديد مستقبل سوريا سوف يكون كلمة الفصل لتركيا دون غيرها من الدول حتى أمريكا نفسها .
بالمجمل فإن إيران ولاية الفقيه ستجد نفسها مرغمة حاليآ وفي مرحلة جديدة تنتهجها ومن خلال إعادة التقييم وفهم طبيعة المتغيرات التي حصلت بعد انهيار “الهلال الشيعي” و “محور المقاومة والممانعة” وإيجاد طريقة لعودتها كلاعب استراتيجي بالمنطقة حتى بدعم التنظيمات والحركات المتطرفة لغرض خلق حالة من توازن الرعب و ارساله رسالة لمن يهمه الأمر مفادها بأن لا يستهان ولا يجوز على الدول إهمال دورهم وعدم الأخذ بمصالحهم الإقليمية والدولية وسيكون عليها الخوض في ايجاد طرق لغرض إعادة صياغة وضعهم في المنطقة.