البعد الآخر لعناوين الفساد المنتظرة والصراعات الانتخابية من تحويل قضاء حلبجة إلى المحافظة العراقية الـ 19؟

البعد الآخر لعناوين الفساد المنتظرة والصراعات الانتخابية من تحويل قضاء حلبجة إلى المحافظة العراقية الـ 19؟

في خطوة منتظرة منذ ما يقارب العقد (حزيران 2013) بدت ظاهرها المعلن غير باطنها المخفي كتعويض تاريخي لقضاء حلبجة، ضحية الهجوم الكيميائي عام 1988، أُعلن عن تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة رابعة في شمال العراق بعد أربيل والسليمانية ودهوك، والتاسعة عشر على مستوى العراق حيث صادق مجلس النواب العراقي خلال جلسته ليوم الإثنين 14 نيسان 2025 على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة وبحضور 178 نائباً من مجموع عدد النواب الكلي 329!!؟ وعلى أن تلحق وتلحق بها أقضية: حلبجة وشاربازير وبينجوين وسيد صادق، وهي أقضية كانت مرتبطة إدارياً قبل القرار بمحافظة السليمانية. وبمعنى أدق وأوضح بأن النسبة المئوية للحضور هي حوالي 54.1% من المجموع الكلي لأن هناك كتل برلمانية اعترضت بصورة مطلقة على هذا القرار وبمقابل أن يكون قضاء “تلعفر” و “طوز خرماتو” وتحويله الى محافظتين وعلى الرغم من قلة السكان ولكن هذا القرار لم يتم الأخذ به لغاية الان وقد يتحول الى داعية دسمة وصراع انتخابي في الأسابيع المقبلة لبعض الكتل والاحزاب السياسية والتي تعتبرها فرصة لا تعوض لغرض الاستحواذ على أصواتهم ؟ ورغم الآمال المعلقة على هذا القرار لتعزيز التنمية وإنصاف أهل المدينة، تلوح في الأفق مخاطر جسيمة تهدد بتحويل هذه الخطوة إلى بوابة جديدة للفساد المالي والإداري وففي بلد يئن تحت وطأة الفساد المزمن، حيث تُسرق مليارات الدولارات من خزائنه سنويًا، كيف يمكن ضمان أن تُستثمر التخصيصات المالية الضخمة في التنمية بدلاً من أن تُبتلع في جيوب النافذين؟ وفي ظل غياب الرقابة، وكذلك كأداة لتعزيز النفوذ السياسي والاستحواذ على الموارد، ومع تداعيات خطيرة على الانتخابات البرلمانية المقبلة وعلى آمال المواطنين في حياة كريمة.

أن قرار تحويل حلبجة إلى محافظة كما يحاول أن يروج اليه البعض حاليآ ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة سياسية محملة بدلالات عميقة، رُوّج للقرار من قبل كوسيلة لتعويضها عن مآسيها التاريخية، وتعزيز دورها الاقتصادي عبر منافذها الحدودية مع إيران ,وكما يُنظر إليه كاستجابة لمطالب الأكراد بمنح المدينة استقلالاً إداريًا عن محافظة السليمانية. لكن وراء هذه الدوافع المعلنة، تكمن حقيقة أكثر تعقيدًا يتمثل بان القرار يعكس صراعًا سياسيًا بين عائلتي البرزاني والطالباني، اللتين تتقاسمان النفوذ في الإقليم منذ عقود. فبينما تسيطر عائلة البرزاني، المدعومة تاريخيًا من الولايات المتحدة، على محافظتي أربيل ودهوك، تحتفظ عائلة الطالباني، المدعومة من إيران، بنفوذها في السليمانية. ومع استحداث حلبجة كمحافظة، يُخشى أن يصبح هذا القرار أداة لتعزيز قبضة عائلة الطالباني على الموارد المالية، على حساب مصلحة المواطنين.

وبما أن العراق يُعتبر من أكثر الدول فسادًا عالميًا وبحسب مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية ويمكن أن يتحول هذا القرار إلى بوابة للفساد المالي والإداري بسبب التخصيصات المالية الضخمة التي تصاحب إنشاء محافظة جديدة؟ وأن تحويل قضاء إلى محافظة يعني تخصيص موازنة ضخمة جدا لعدد سكان قليل جدل لا يتجاوزون بأحسن الأحوال 200 الف نسمة قياسا الى المحافظات الأخرى والتي تعتبر مخصصاتها المالية السنوية طائلة جدا ولكن الخدمات المقدمة للمواطن ما تزال دون المستوى المطلوب , فما زالت الخدمات المقدمة للمواطن سيئة جدا وكذلك سيتم أنشاء مجلس محافظة ، دوائر حكومية، ومشاريع تنموية، مما يفتح الباب واسعا على مصراعيه أمام سوء الإدارة أو الاختلاس الأموال المخصصة من قبل العوائل المتنفذة ورجال الإعمال المرتبطين بهم حيث تتداخل العلاقات الشخصية والعائلية والحزبية على الاستحواذ على جميع المقدرات التنموية للمواطن في محافظة السليمانية وهذا ما لا يستطيع أحد إنكارها , حيث يُعد الفساد المالي والإداري في العراق آفة مزمنة أدت إلى هدر مئات المليارات من الدولارات منذ 2003، حيث تُشير تقديرات إلى سرقة نحو 450 مليار دولار من إيرادات النفط وحدها. وفي حال تحويل حلبجة إلى محافظة، من المتوقع أن تحصل على تخصيصات مالية تصل إلى ملياري دولار سنويآ من الحكومة المركزية في بغداد لإنشاء دوائر حكومية، ومجلس محافظة، ومشاريع تنموية. لكن في ظل غياب الشفافية وسوء الإدارة، يُحذّر الخبراء من أن هذه الأموال قد تُبتلع في مشاريع وهمية أو عقود غير مطابقة للمواصفات، كما حدث في محافظات عراقية أخرى.

ويُخشى أن يستحوذ رجال أعمال مقربون من عائلة الطالباني على المشاريع الحيوية في حلبجة، كما حدث في السليمانية، حيث تُمنح العقود لشركات بعينها دون وجود مناقصات علنية تعزز معها مبدأ الشفافية والنزاهة. هذه المشاريع، التي غالبًا ما تُروَّج كتنموية، تُنفَّذ بمواصفات دون المستوى أو تُعرقل عمدًا لتبرير إنفاق إضافي، مما يُفقد المواطنين فرصة الاستفادة منها. على سبيل المثال، لا تزال السليمانية تعاني من خدمات متدنية في الكهرباء والمياه، رغم تخصيص مبالغ طائلة لتحسين البنية التحتية، وهو ما ينذر بتكرار السيناريو في حلبجة. وان العشوائية التي غاليا هي السمة في اتخاذ القرارات الإدارية في الإقليم غالبًا تكون من دون دراسات أكاديمية أو علمية، مما يؤدي إلى هدر الموارد وتفاقم الفوضى. ففي حلبجة، قد تُستحدث دوائر حكومية دون هيكلية واضحة، أو تُعيَّن كوادر غير مؤهلة بناءً على المحسوبية، مما يعيق تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. وغياب الرقابة والتي تُعد هيئة النزاهة الاتحادية ومؤسسات الرقابة الأخرى ضعيفة الأداء، حيث تُواجه ضغوطًا سياسية تمنعها من محاسبة النافذين. وفي ظل هذا الواقع، يُصبح من السهل على الفاسدين الإفلات من العقاب، مما يُفاقم المخاطر المرتبطة بتخصيصات حلبجة.

ويُتوقع أن يكون لتحويل حلبجة إلى محافظة تداعيات كبيرة على المشهد الانتخابي في إقليم كردستان. فمع تخصيص مقاعد جديدة في مجلس المحافظة، ستشتد المنافسة بين الأحزاب السياسية، وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة عائلة البرزاني. لكن بدلاً من أن تكون هذه المنافسة في صالح التنمية، ستكون من أنها قد تتحول إلى ساحة لتوزيع الموارد والمناصب بين النخب الحاكمة، مع إغراق المواطنين بوعود انتخابية واهية.

وان الصراع بين أربيل والسليمانية يُنظر إلى قرار تحويل حلبجة محافظة هي محاولة خافية وغير ظاهرية على الأقل في الوقت الحاضر لموازنة النفوذ بين عائلتي البرزاني والطالباني. فبينما تُسيطر عائلة البرزاني على أربيل ودهوك، تسعى عائلة الطالباني إلى تعزيز نفوذها عبر حلبجة، مما يُكرّس تقسيم الإقليم إلى معسكرين سياسيين. هذا الصراع ليس مجرد تنافس انتخابي، بل محاولة للاستحواذ على التخصيصات المالية من بغداد، والتي تُعد مصدرًا حيويًا لتمويل الأحزاب وشبكات المحسوبية. وفي هذا السياق، يُصبح الفساد أداة لتعزيز النفوذ، حيث تُستخدم الأموال العامة لشراء الولاءات أو تمويل الحملات الانتخابية,ومن خلال التلاعب بالرأي العام ومن مخاوف شعبية من أن حلبجة قد تُصبح “صفقة انتخابية” لصالح الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يُروَّج للقرار كإنجاز سياسي دون خطط واضحة للتنمية. هذه المخاوف ليست بلا أساس، إذ تُظهر تجارب سابقة أن الأحزاب الحاكمة في الإقليم تُعطي الأولوية لمصالحها الضيقة على حساب المواطنين.

ولكن وراء الستار، يكشف قرار تحويل حلبجة عن محاولة لإضعاف قبضة حكومة أربيل، التي يهيمن عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني و عائلة البرزاني ومن خلال استحداث محافظة جديدة تحت نفوذ عائلة الطالباني، يُسعى إلى إعادة توزيع الموارد المالية والسياسية في الإقليم، مما يُعزز نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني والسليمانية على حساب أربيل. هذه الخطوة، التي تُقدَّم كإنصاف لحلبجة، تُخفي في طياتها صراعًا على السلطة، حيث تُستخدم التخصيصات المالية كسلاح في معركة النفوذ. ولا يمكن فصل هذا الصراع عن الديناميكيات الإقليمية. فعائلة الطالباني، التي تتمتع بدعم إيراني تاريخي، تسعى إلى تعزيز نفوذها في ظل التوترات بين طهران وأربيل. في المقابل، تُحافظ عائلة البرزاني على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، مما يُكرّس الانقسام السياسي في الإقليم. وُصبح حلبجة ساحة لتصفية الحسابات، حيث تُستغل مواردها المالية لخدمة الأجندات السياسية بدلاً من تنمية المدينة.

وعلى الرغم من التخصيصات المالية الضخمة الموعودة والمنتظرة، لا تظهر أي بوادر حقيقية للنهوض بحلبجة من الناحية المعيشية أو الاقتصادية. والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، لا تزال دون المستوى في السليمانية، التي تُعد مركز نفوذ عائلة الطالباني، مما يُثير تساؤلات حول قدرة حلبجة على تجنب مصير مماثل. ومن أن الفساد المالي والإداري سيُبتلع معظم هذه التخصيصات، تاركًا المواطنين في مواجهة واقع مرير من الفقر والبطالة.

وتكرار سيناريو تجربة السليمانية , من أن الخدمات المقدمة للمواطنين لا ترتقي إلى مستوى مقبول، بل تشهد تراجعًا مستمرًا. فعلى الرغم من الموارد المالية الكبيرة التي تُخصص للمحافظة، تُهدر الأموال في مشاريع غير مكتملة أو عقود فاسدة، بينما يعاني المواطنون من نقص في الخدمات الأساسية. وفي حلبجة، يُتوقع أن تتكرر هذه الدورة المدمرة، حيث تُسيطر شبكات المحسوبية على المشاريع التنموية، تاركة المدينة في حالة تخلف دائم. وإذا لم تُتخذ إجراءات فورية لضمان الشفافية والرقابة، فإن التخصيصات المالية لحلبجة ستُصبح فريسة للفساد المالي والإداري، مما سيُحيل أحلام المواطنين بالتنمية إلى كابوس من الهدر والمحسوبية. والقرارات العشوائية غير المدروسة، التي تُتخذ دون أسس أكاديمية أو علمية، ستُكرّس حلبجة كمركز جديد للفوضى الإدارية، حيث تُمنح العقود لمقربين من النخب الحاكمة في صفقات مغلقة تُفقد المواطنين حقهم في حياة كريمة. ومن خلال المشاريع التنموية التي تُروَّج على أنها ستُغير وجه حلبجة قد تتحول إلى أوهام مكلفة، تُنفَّذ بمواصفات رديئة أو تُعرقل عمدًا لتبرير نهب المزيد من الأموال، كما حدث في محافظات أخرى.

يجب أن تُدرك الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم أن إهمال الرقابة على هذه التخصيصات سيُكرّس انعدام الثقة بين المواطنين والدولة، مما يُهدد استقرار الإقليم برمته, ومن حيث تعدد أنماط الفساد المحتملة والمتمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:

*الرشوة والمحسوبية ومن خلال تعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب قيادية وإدارية بسبب الانتماءات العائلية والحزبية أو السياسية أو القبلية.

*إساءة استغلال السلطة ومنح عقود مشاريع لشركات معينة دون مناقصات شفافة ونزيهة، كما هو شائع في العراق حاليآ.

*السرية والتحايل الوظيفي لإتمام صفقات غير معلنة لبيع المناصب الوظيفية المهمة أو توزيع الموارد المالية خارج السياقات والضوابط الادارية.

*والاهم ستكون التوقعات بالمنافسة السياسية الشرسة في محافظة (حلبجة) بعد تخصيص مقاعد انتخابية جديدة، مما قد يؤدي إلى استغلال الموارد المخصصة للخدمة العامة لأغراض الدعاية الانتخابية بدلآ من أن توجه الى التنمية المستدامة .

*ضعف الرقابة وانعدامها ومن خلال المؤسسات الرقابية في العراق مثل (هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية) وعدم قدرة المحاكم الوطنية على محاسبة المسؤولين الفاسدين، لإنها ستكون خارج سيطرة الحكومة المركزية. وكما هو معروف الإن لبقية المحافظات العراقية عن كيف تمكن الفساد المالي والإداري من تعطيل معظم مشاريع التنموية والخدمية في هذه المحافظات.

واذا اردنا ان نتعمق اكثر حول أين تذهب الواردات المالية الطائلة لمحافظة السليمانية وما تزال الخدمات المقدمة للمواطن دون المستوى المطلوب بالاضافة الى عدم دفع الرواتب للموظفين ومن خلال ما كشفه موقع “الشفافية” من أن واردات محافظة السليمانية وتوابعها خلال عام 2024 بلغت أكثر تريليون دينار. ووفقا للإحصائية التي أعلنها الموقع، فإن واردات السليمانية وحلبجة وادارتي كرميان و رابرين كانت تريليونا، و173 مليارا، و618 مليونا، 353 ألفا، و315 دينارا، على شكل نقدية وصكوك ومقاصة.

أن تحويل حلبجة إلى محافظة يحمل في طياته العلنية الظاهرية فرصة تاريخية لإنصاف أهلها وتعزيز تنميتها بجميع المجالات ، ولكنه في الوقت ذاته يُثير مخاوف مشروعة من أن يتحول إلى أداة للفساد المالي والإداري والصراع السياسي الحزبي . في ظل الهيمنة شبه المطلقة من قبل عائلتي البرزاني والطالباني، وتفاقم الانقسامات بين أربيل والسليمانية، يُصبح من الضروري وضع ضوابط صارمة لضمان ألا تُبتلع التخصيصات المالية في جيوب الفاسدين. إن حلبجة، والتي عانت من ويلات التاريخ، تستحق أن تكون نموذجًا للشفافية والتنمية، لا ساحة لتصفية الحسابات أو نهب الموارد. فهل ستتمكن الحكومة والمجتمع من تحويل هذا الحلم إلى حقيقة، أم أن الفساد سيظل العنوان الأبرز لمستقبلها؟.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات