الهجوم الإسرائيلي على العاصمة “القطرية / الدوحة” لم ولن يكن لِيحدث لولا اليقين المسبق الذي ترسخ طوال العقود الماضية في العقل الجمعي لكافة حكومات اليمين المتطرف الإسرائيلية , بأنها ستكون فوق القانون ومن دون محاسبة تذكر ولا حتى عتب من باب ذر الرماد في العيون ومنعآ للاحراج حلفائها العرب؟ هذا إذا كانت ادارة “البيت الأبيض” فعلآ تنحرج من ارهاب الدولة الذي يمارسه هذه الكيان المارق، وبأن حليفتها الولايات المتحدة ستقف معها دون محاسبة أو حتى عتاب . هذا الحدث كشف زيف الادعاءات الأمريكية حول حماية دول الخليج، وأظهر أن “المظلة الأمنية الأمريكية” ليست سوى أداة لاستنزاف الأموال وترويج الخوف من “التهديد الإيراني” في المقابل، أثبتت التكنولوجيا العسكرية لمنظومات الدفاع الجوي الروسية والصينية والكورية الجنوبية فاعليتها في ساحات القتال الفعلية، مما يستدعي إعادة نظر عاجلة من قادة دول الخليج في عقيدتها العسكرية الوطنية وشراكتها الاستراتيجية مع أمريكا. لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة عملاً عشوائياً، بل كان مدروساً بدقة وبناءً حتى اللحظة لم يُسجَّل أي موقف أمريكي رافض مسبقاً للعملية، مما يشير إلى موافقة ضمنية ؟ فكيف تم إسكات أنظمة الدفاع الجوي القطرية المتطورة؟ فهل كان ذلك بفعل قرصنة إلكترونية أم بتواطؤ داخلي؟ الأمر يُشير إلى أن الهجوم كان مُسهَّلاً تقنياً وفنيا وحتى بغطاء سياسي امريكي كان واضحا وصريحا لا لبس فيه؟
لقد ادعت الولايات المتحدة لعقود سابقة أنها الضامن الأمني لدول الخليج، لكن الهجوم على الدوحة كشف أن هذه الحماية مشروطة بمصالح أمريكية–إسرائيلية ووفق معايير انتقائية معدة مسبقة وبينما تُحرك الولايات المتحدة جيوشها للرد على أي تهديد لإسرائيل حتى ولو كان متحملا ، فإنها تتجاهل انتهاكات إسرائيلية صارخة بحق حلفائها العرب وأقرب المقربين لها . طوال العقود الماضية تم ضخ مئات مليارات الدولارات من قبل دول الخليج لشراء أنظمة دفاع جوي أمريكية (مثل باتريوت وثاد)، لكنها فشلت فشلآ ذريعآ في حماية الدوحة والتصدي للطيران الحربي الإسرائيلي وبالاخص عندما بقية في سماء الدوحة مدة تصل إلى أكثر من نصف ساعة وهي مدة طويلة جدآ في الحسابات العسكرية وتفعيل منظومات الدفاع الجوي ولكنها تبين لنا بان هذه الأنظمة الدفاع الجوي المتطورة جدا !!؟ تعمل فقط ومخصصة ضد التهديدات الصواريخ الإيرانية فقط لا غير؟ حيث روجت الولايات المتحدة وما تزال لغاية ألان لـ”الخطر الإيراني” لدفع دول الخليج إلى شراء مزيد من الأسلحة الأمريكية، لكن الهجوم على الدوحة أظهر أن الخطر الحقيقي يأتي من إسرائيل والولايات المتحدة نفسها. والآن على دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك قوات درع الجزيرة العربية بان تتجه مجتمعة إلى البديل الاستراتيجي والتوجه شرقاً وحان الوقت لدول الخليج لمراجعة عقيدتها العسكرية الوطنية وعدم ارتهانها والابتعاد عن التبعية الأمريكية المذلة :
الشراكة مع روسيا: تمتلك روسيا أنظمة دفاع جوي متطورة (مثل S-500) قادرة على مواجهة أي تهديد جوي.
التعاون مع الصين: تقدم الصين أنظمة دفاعية متقدمة (مثل سلسلة HQ-9) بتكنولوجيا تنافس الأمريكية.
التحالف مع كوريا الجنوبية: أنظمة الدفاع الجوي الكورية (مثل KM-SAM) أثبتت كفاءتها في اختبارات واقعية.
بميزانية لا تتعدى 20 مليار دولار، يمكن لدول الخليج بناء شبكة دفاع جوي موحدة وفعالة بدلاً من إنفاق تريليونات الدولارات على أنظمة أمريكية غير موثوقة بها ويتم تعطيلها بفعل فاعل لأجل إن تكون إسرائيل لديها الحرية بقصف من تشاء وكيفما تشاء ومتى تشاء وبدون إن يكون هناك رادع لها. والاهم والمهم أن الميزة الأساسية لهذه الأنظمة ليست فقط تقنيتها المتطورة والمتقدمة ، بل التحكم الكامل فيها. وتشغيلها بواسطة كوادر خليجية وطنية خالصة، دون وجود “أقفاص تقنية” أو مستشارين أجانب يتحكمون في زر التشغيل، هو وحده الذي يضمن أن تكون السيادة الجوية حقيقة وليس مجرد شعاراً لغرض الاستهلاك الإعلامي .
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كان جرس إنذار لجميع دول مجلس التعاون الخليجي وبدون استثناء أي عاصمة ومهما كان ارتباطها الوثيق بأمريكا , وهذا ما أكده كذلك قبل ساعات رئيس الوزراء “نتنياهو” اليوم الخميس 11 أيلول في كلمته وخلال حضوره الحفل السنوي لمعهد ” نتساح يهودا” والمعاهد الدينية الحريدية بقوله :”لكننا نعمل اليوم بلا خوف وبأيمان كبير لضمان خلود إسرائيل في شرق أوسط جديد نعمل عليه لضمان أمن إسرائيل والى الأبد”. لذا فإن الواقع على الأرض أثبت اليوم وللجميع بأن الحماية الأمريكية وهمية وقائمة على معايير مزدوجة. والبديل يجب إن يكون لدول مجلس التعاون الخليجي هو بناء استراتيجية دفاعية مستقلة تعتمد على شراكات متنوعة مع روسيا والصين وكوريا الجنوبية. وأن تتحد بصورة مجتمعة وضمن قوات درع الجزيرة لإنشاء مظلة منظومة دفاع جوي خليجية موحدة ومستقلة وقادرة على مواجهة جميع التهديدات دون تمييز وحتى من قبل حليفتها أمريكا؟.
بعد أشهر فقط من زيارة الرئيس الأمريكي التي جال فيها وصال ورقص على الانغام التراثية الخليجية وبوعد حماية “المظلة الأمنية”، مُستقطعاً استثمارات من الدوحة والرياض ودبي بما يقارب بثلاث ونصف تريليون دولار ، جاءت الضربة الإسرائيلية للدوحة لتمزق هذه المظلة المخملية وتكشف فراغها وخداعها . الهجوم لم يكن اختراقاً لأجواء قطر فحسب، بل كان اختراقاً صارخاً لشرعية الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وامتحاناً مصيرياً لإرادة السيادة الخليجية. ولم يكن وعد الرئيس الأمريكي سوى فاتورة باهظة لبيع الوهم في سوق النخاسة السياسية . لقد دُفعت المليارات لشراء أسلحة وأنظمة دفاع جوي (مثل “الثاد” و”الباتريوت”) يبدو أن وظيفتها الأساسية هي الحماية من تهديدات محددة مسبقاً (إيران)، بينما تُغلق عينها عن طائرات حليف واشنطن الاستراتيجي. الضربة على الدوحة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن التحكم الفعلي في هذه الأنظمة ليس في أيدي الخليج، بل في أيدي المستشارين الأمريكيين الذين يقررون متى تُشغّل ومتى تُسكت. إنه استعمار تقني مُعاصر.
على دول الخليج العربي أن تعمل اليوم وتجعل أمام ناظريها بالمثل العربي “رُبّ ضارّة نافعة” وما يعني أن بعض الظروف السيئة أو الأحداث المزعجة قد تحمل في طياتها خيرًا وفائدة غير متوقعة , وأن الخير قد يأتي من الشر في بعض الأحيان، وهو مستمد من قوله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” وبما أن الفرصة أصبحت سانحة لهم ولديهم حجة قوية في حال اعترضت أمريكا أو تعرضوا إلى ابتزازها وهذا هو المرجح لدينا ولكنهم لديهم حجة قوية يستطيعون معها قادة دول الخليج الوقوف مجتمعين في وجه هذا الابتزاز الأمريكي المرجح وأن تعي اليوم قبل غدا بان الاعتماد على الولايات المتحدة للحماية العسكرية لم يعد خياراً متاحا وجديرة بالثقة لهم . الهجوم على الدوحة كشف أن المصلحة الأمريكية–الإسرائيلية تتقدم على مصالح الحلفاء العرب. لذلك، يجب التحرك فوراً لتنويع الشراكة العسكرية وبناء قوة دفاعية جوية خليجية مستقلة وتدار بادي وطنية خالصة . ويمكن لدول الخليج أن تحمي سيادتها وتضمن أمنها بعيداً عن الأجندات الخارجية والاتفاقات السرية وان لا تكون مجرد كبشي فداء أو بقرة حلوب لاستنزاف أموالهم على تسليح فشل في أول اختبار حقيقي له في حماية السيادة الوطنية لهم وبحجة البعبع الإيراني .
صفعة الدوحة الموجعة والتي سمع صداها في جميع أنحاء العالم ؟ يجب ألا تمر مرور الكرام ودون أن تكون درسا قاسيا ونقطة تحول استراتيجية. الدول التي تستثمر التريليونات في أمنها لا يمكن أن تقبل بأن تكون أجوائها منتهكة بسهولة وبصمت حليفها الأكبر. وهذه الخطوة ليست تقنية فحسب، بل هي قرار سياسي وجودي. إنه اختبار لإرادة القيادات الخليجية في تحويل السيادة من خطاب إلى ممارسة. الخوف من غضب واشنطن هو بالضبط ما تغذية الأخيرة لتبقي حلفاءها تحت هيمنتها. ولكن الضربة الإسرائيلية قدمت الذريعة المثالية لاتخاذ هذا القرار تحت شعار “الدفاع عن السيادة الوطنية”، وهو شعار لا يمكن لأحد معارضته علناً. الحل ليس بشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية، بل بالخروج الكلي من هذه الدائرة. لو خصصت الرياض والدوحة وأبوظبي 10-20 مليار دولار فقط من كل دولة (وهو جزء ضئيل من استثمارات التريليون) لشراء أنظمة دفاع جوي متطورة من خارج الفلك الأمريكي، لتحولت المعادلة بالكامل لصالحها .وهذه الخطوة ليست تقنية فحسب، بل هي قرار سياسي وجودي. إنه اختبار لإرادة القيادات الخليجية في تحويل السيادة من خطاب إلى ممارسة. الخوف من غضب واشنطن هو بالضبط ما تغذية الأخيرة لتبقي حلفاءها تحت هيمنتها. ولكن الضربة الإسرائيلية قدمت الذريعة المثالية لاتخاذ هذا القرار تحت شعار “الدفاع عن السيادة الوطنية”، وهو شعار لا يمكن لأحد معارضته علناً. ولأن وجود مظلة شبكة دفاع جوي خليجية موحدة ومستقلة، تعمل بتقنيات روسية وصينية وكورية، سيرسل رسالة ردع واضحة وصريحة ويتم رد صفعة الدوحة الإسرائيلية بأقسى منها الى : أدارة البيت الأبيض وبغض النظر عن من يجلس في كرسي الرئاسة ومهما بلغ من عنجهية أو غطرست : أن حلفاءها لم يعودوا رهائن لخياراتها الأحادية ولوعودها الزائفة ، وأنهم قادرون على حماية أنفسهم بأنفسهم إذا فشلت هي في احترام سيادتهم. والخيار بين أن تبقى دول الخليج رهينة للوهم الأمريكي، أو أن تنتفض لبناء مظلتها الجوية الحقيقية، هو خيار بين الاستمرار ككائنات تابعة في النظام الدولي، أو التحول إلى فاعلين مستقلين يحترمهم الجميع. والفرصة سانحة. فهل تفعلها دول الخليج؟ ورسالة شديدة اللهجة تبعث لإسرائيل: أن أجواء الخليج لم تعد حديقة خلفية مفتوحة، وأن أي اختراق سيواجه برد غير متوقع ولا تخضع نتائجه للرقابة الأمريكية.
السؤال الذي يُطْرَح الآن ليس عن حجم الخسارة المادية والمعنوية ، بل عن حجم العبرة المستفادة من هذا الدرس القاسي و الصفعة الموجعة : هل ستستمر دول الخليج في تمويل وهم وزيف وخداع مظلة الحماية الأمريكية ، أم أنها ستنتفض أخيراً لبناء منظومة الدفاع الجوي ودرعها الخاص؟