البعد الآخر لسردية كاميرا الهاتف والسوشيال ميديا التي أسقطت أسوار دمشق!

البعد الآخر لسردية كاميرا الهاتف والسوشيال ميديا التي أسقطت أسوار دمشق!

*عندما تسبق صور كاميرا الهاتف المحمول الرصاصة أو قذيفة المدفع في إسقاط المعسكرات والمواقع العسكرية المحصنة, فإننا نكون أمام تحول تكنولوجي جذري يعيد تعريف قواعد الحرب الحديثة, فقد أصبح بإمكان جندي أو حتى مواطن يملك هاتفًا ذكيًا أن ينقل صورًا حية ودقيقة لحظيًا إلى العالم بأسره, مما يجعل بدورها تقنية تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تساهم بشكل حاسم في تحديد نتائج المعارك , هذا التطور التكنولوجي لا يقتصر تأثيره على الجانب العسكري فحسب , بل يمتد كذلك إلى تغيير التكتيك العسكري في ارض المعركة وتوجيه الحاضنة الشعبية والرأي العام , بل يصل الامر حتى الضغط على القادة السياسيين والعسكريين , يبدو أن هذه اللحظة التاريخية ستؤدي, ولو بعد حين, إلى تغييرات جذرية في مفهوم الحروب وأساليبها , لتصبح التكنولوجيا فيها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المعركة.

**حمل الجندي أو المقاتل هاتفه المحمول، بما يحتويه من تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة , التي أصبحت بدورها منافسًا قويًا يتفوق أحيانًا على كبار مراسلي القنوات الإخبارية, ومن خلال نقل الصور الحية والمباشرة من أرض المعركة، تمكن الجندي من التواصل مع الحاضنة الشعبية والرأي العام، مما أسهم في تعزيز دعم المجتمع والضغط على الجهات المعنية. هذا التواصل السريع والفعّال بات يشكل أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تحقيق الانتصار , حيث يساهم في توجيه الرأي العام وإبراز الحقائق بطريقة مباشرة وغير خاضعة للتلاعب.

***كانَت الحرب النفسية التقليدية للجيوش المتحاربة في الماضي تعتمد على بث الدعايات والإشاعات المضللة قبل بدء المعركة، بهدف زعزعة نفسية الجنود وتحطيم معنوياتهم وإحداث الارتباك بينهم من أجل كسب المعركة. أما اليوم، فقد تم استبدال هذه الأساليب بكاميرات الهواتف المحمولة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أدوات فعالة في التأثير على الرأي العام وخلق حالة من الفوضى النفسية والمعنوية لدى الخصم، مما قد يساهم في كسب المعركة حتى قبل أن تبدأ على أرض الواقع.

لم نشاهد أي مقاتل ينتحر على أبواب دمشق كما كان يبشر له قبل ساعات من هروب الرئيس “بشار الأسد” من قبل قادة سياسيون وحزبيون وعسكريون ورجال دين ومن مختلف الملل والنحل ,الذين كانوا وما يزالون مصرين على أن هؤلاء التكفيريين الارهابيين بالمعارضة السورية سوف ينتحرون جميعهم على أبواب دمشق في مجابهة الفرقة الرابعة المدرعة ذات العدة والعتاد والأسلحة المتطورة إضافة الى منتسبيها من الضباط والجنود المدربين جيدآ !؟ وإنما شاهدنا بصورة مباشرة ومن على شاشات التلفزة الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي نقل حي لدخول ثلاث عجلات حمل دفع رباعي صغيرة يحملون رشاشات خفيفة لا يتجاوز عددهم (17) سبعة عشر مقاتل وهم يدخلون من مختلف أبواب العاصمة دمشق التي من المفترض أن ينتحروا عليها ولكن وصلوا بكل سهولة ويسر ودون أي اعتراض من أحد ليصلوا بعدها إلى ساحة الأمويين ثم يتفرقوا للذهاب إلى مختلف بنايات أجهزة المخابرات والأمن التابعة للنظام السوري المخلوع.

كان تعريف مفهوم الحرب النفسية التقليدية, قبل دخول عصر تكنولوجيا الهواتف المحمولة, يعتمد على وسائل الإعلام التقليدية مثل الإذاعات الموجهة والصحف, إلى جانب إلقاء المنشورات على المدن والبلدات وبث الإشاعات عبر الجواسيس, كانت هذه الأساليب التقليدية ومن خلالها تهدف إلى التأثير المباشر على معنويات العدو , وتوجيه أفكاره وسلوكه بما يخدم مصالح القوات المهاجمة, وبذلك كان الهدف الأساسي من هذا النوع من الحرب النفسية هو زعزعة ثقة العدو في نفسه وإمكانياته, وتحطيم معنوياته وإرادته القتالية قدر المستطاع,مما يزيد من ارتباكه أو تردده في خوض المعركة ,ويسهل بالتالي الانتصار عليه دون الحاجة إلى خوض معارك دامية أو قتال مباشر معه,وبالتالي تقليل فاعلية قواته في ساحة المعركة, ولكن مع التطور العلمي والتقني , وخاصة في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعي , تحول هذا المجال بمرور الزمن إلى فضاء عالمي غير محدود , بحيث أصبحت هذه الأدوات تتيح للبشر وفي أي مكان في العالم نشر أفكارهم ومعتقداتهم , سواء كانت شخصية أو دعائية، ومن ثم التأثير في الرأي العام بشكل غير مسبوق , فقد أصبحت الحروب النفسية اليوم أكثر اتساعًا وتعقيدًا من ذي قبل , حيث لم تعد محكومة بالحدود الجغرافية أو المصطنعة , بل أصبحت مفتوحة أمام الجميع للتأثير على الجماهير بشكل مباشر وفعال وفوري وفي عصر تتنافس فيه جميع قوى شركات التكنلوجيا العالمية لغرض اعطاء احدث ما توصلت اليه منتجاتهم التقنية إلى المواطن ليكون بدوره أحد الادوات المهمة للإعلام الصحفي الحر غير المسيس والموجه وكذلك غير المقيد بحدود جغرافية !.

فجر يوم الأربعاء 27 ت 2 ومع شروق الضياء الأول شنت جميع فصائل المعارضة السورية بمختلف عناوينها ومسمياتها وأيدولوجيتها وعقيدتها القتالية وتحت إدارة موحدة للعمليات العسكرية ومع اطلاق معركتها تحت مسمى” رد العدوان” و”فجر سوريا الجديد” بدأت بمهاجمة جميع مراكز القيادات والسيطرة والقواعد العسكرية والثكنات والمطارات والحواجز الأمنية على الطرق الخارجية المتواجدة في داخل أو خارج المحافظات ومدن وبلدات وقرى وتساقطت أمامهم كأحجار الدومينو  وكأنها يخيل اليك انهم مهيئين للهروب ولكن ينتظرون ساعة الصفر وهذا مما يثير لدى الراي العام الكثير من التساؤلات على السرعة التي انهارت فيها قوات الجيش النظامية ومع جميع منتسبي مختلف الأجهزة الأمنية والاستخبارية بالإضافة الى فصائل وأحزاب وكتائب حلفائه. 

أظهرت لنا هذه المعركة الصورة الاخرى لمدى جاهزية والاحترافية التي وصل الهيا مقاتلين وفصائل المعارضة والذين استفادوا كثيرا من تجاربهم و أخطائهم السابقة , التي تمثلت بالتشرذم والتخبط والعشوائية في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية ,ولكن يبدو انهم استفادوا كثيرا من دروس الماضية وسبب هذه الإخفاقات التي منية بهم سابقا ومن خلال تطويع التكنلوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في بعث الرسائل النصية الى الضباط والجنود في الجيش النظامي تحثهم فيه على الانشقاق عنه والانضمام اليهم لان معركتهم خاسرة في حماية نظام حكم عائلي متهمين بالفساد المالي والإداري , وهذا ما تم التركيز عليه حرفيا من خلال إظهار جميع المساوئ للعائلة الحاكمة منذ استلامهم السلطة لغاية يوم الهروب إضافة الى الأوضاع المعيشية المأساوية التي كان عليها الجندي والضابط من خلال سوء الوجبات الغذائية وقلة الرواتب وتفشي الفساد والمحسوبية داخل جميع وحدات الجيش مما سهل بالتالي على المعارضة بعد ذلك التأثير على معنويات هؤلاء الضباط والجنود من أن يتركوا أسلحتهم ومعداتهم العسكرية ورائهم وان ينسحبوا بدون أي مقاومة من قبلهم , بالإضافة الى تقديم رسائل وبيانات واحاديث إعلامية تطمئن فيها جميع الأقليات والطوائف الدينية الأخرى على ممتلكاتهم وحياتهم ومن دون أن تكون هناك أي عمليات انتقامية ضدهم , وهذا ما لاحظناه من خلال مئات الرسائل المصورة التي انتشرت على جميع منصات التواصل الاجتماعي والتي بينت هذه الرسائل المباشرة  أنها كانت طريقة فعالة ومدروسة وممنهجة وعملية وليست عشوائية ومن خلال الاستخدام الفعال لتكنلوجيا تقنية كاميرات الهواتف النقالة وكأنما يهيك لك بانه هذه الأعمال لم تكن وليدة لحظتها ولكن كانت مهيأة  لهل مسبقا  , حتى أن بعض المقاتلين المعارضة  السوريون رأيناهم يتكلمون مع قنوات إخبارية عربية وعالمية لغات أجنبية عديدة  بطلاقة غير معهودة وبلكنة البلد الأجنبي مما يدل على أن هذا العمل لم يأتي من فراغ ,ولكن أتى من خلال جهد عملي منظم ومدروس جيدا لتطبيقه على ارض الواقع حين تحين ساعة الصفر وكلن حسب اختصاصه القتالي والإعلامي ومدى التنسيق والمتابعة والتحري والوقوف على كل صغيرة وكبيرة لغرض اتخاذ أجراء فوري وحاسم من قبل مكتب قيادة العمليات المشتركة ولاي تجاوز قد يحصل من قبل أي مقاتل ولاي سبب كان .

أن الحدث أو الخبر الذي يتم تصويره مباشرة والتقاطه بواسطة كاميرا هاتف النقال , يمكن بسهولة أن يصبح في غضون دقائق معدودة موضوعًا للنقاش العام ويتم تناقله عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي ويتم مناقشته بجميع لغات العالم وهذه هي الفكرة والأبداع بنقل سردية المشهد على حقيقته ويتمثل كذلك في أن أي شخص يملك هاتفًا نقال يمكنه أن يصبح صحفيًا أو موثقًا للأحداث في لحظة حدوثها بحيث لم يعد الإعلام الإخباري التقليدي مقتصرًا على الصحفيين المحترفين أو الفرق الإخبارية ومع كل صورة أو مقطع فيديو يتم نشره على منصات التواصل الاجتماعي , يمكن لأي شخص أن يساهم بصورة مباشرة وحية في نقل الصورة الحقيقية للحدث كما هو , مما يخلق بالتالي إعلامًا تفاعليًا وأكثر حرية في التعبير وتثبت معها صراحة أن نظرية هذه الهواتف ليست مجرد أدوات للتواصل الشخصي فقط , بل أصبحت منصات إعلامية قوية في يد كل شخص, مما أتاح تفاعلا وتنوعًا أكبر في نقل الأخبار والتغطية الإعلامية المحايدة لها على العكس من القنوات الاخبارية التقليدية التي اغلبها ان لم نقل جميعها لديها توجه سياسي معين وغير محايد هدفه التاثير على الراي العام .

هذا التحول  للمقاتل في ارض المعركة او حتى للمواطنين العاديين مكنهم من أن يكونوا جزءًا مهم وحيوي من عملية إعادة صيغ الإعلام الموجه , حيث أصبحوا بدورهم قادرين متمكنين بصورة احترافية على نقل الأخبار والأحداث من ارض المعركة  بشكل فوري من دون أن يكون هناك أي مونتاج أو حذف للشريط المصور قبل بثه , وهو ما يختلف كليا عن وسائل الإعلام التقليدي الإخباري والقنوات الاذاعية والتلفزيونية الإخبارية والمجلات والإذاعات والصحف وكما أن هذا التوثيق الإعلامي اللحظي للأحداث يسمح بتغطية جوانب في أرض المعركة قد تُغفل في الإعلام التقليدي بصورة متعمدة , وبالتالي يتيح ويمنح في الوقت نفسه للرأي العام بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية فرصة حقيقية للتفاعل المباشر مع الحدث والمحتوى المقدم لهم ومن خلال التعليقات المباشرة والمشاركة الفعالة على الحدث المصور لهم .

وأخيرآ وليس آخرآ ,وفي هذا المقام نستطيع أن نرسم ونكون صورة شاملة مطابقة للواقع قدر الاماكن لما حدث , ونقول بأن الجندي أو المقاتل أصبح وأمسى هاتفه النقال وحسابه الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا بمثابة محرابه الذي يتلوا فيه صلوات انتصاراته ومنافس شرس يتفوق على أعتى الفضائيات الإخبارية ومراسليها بنقل صور حية مباشرة من أرض المعركة , ولانه عندما يرى ويشاهد جمهور الرأي العام بصور حية بأن المعسكرات والقواعد العسكرية وما تحتويه من مختلف المعدات والعتاد ووسائل القتال وقد خلت تماما من سكانها وكذلك من أنواع معدات النقل العسكرية وهي متوقفة على الطرق السريعة ومحركاتها ما تزال في حالة تشغيل ’ فاعلم بأن كاميرا الهاتف أصبحت أقوى وسيلة للحرب النفسية ولمدى سرعة تخلي الجندي عن معداته العسكرية وبالتالي أفول نجم عهد الحروب النفسية التقليدية ولكن اليوم استبدلت بتكنولوجيا كاميرات الهاتف النقال ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا لكسب المعركة حتى قبل دخولها!.