*كانت أكثر من مجرد جاسوسة إسرائيلية وأقل من باحثة أكاديمية ؟ في المقابل كانت أكثر من صحفية وأعمق من نقل للعالم صدى صرخات الوجع الفلسطيني ؟
(*) الرواية الرسمية مقابل الواقع الخفي:
أولآ : في ظل تصاعد الصراعات الشخصية والنفوذ الحزبي، باتت معظم الأجهزة الأمنية والاستخبارات والمخابرات تحت سيطرة الأحزاب الولائية المسلحة، التي تمارس هيمنتها دون تمييز واضح بين ما هو حزبي ضيق وما هو وطني جامع، مما يثير تساؤلات حول حياديتها ومدى قدرتها على الفصل بين المصالح الحزبية والشخصية والسياسية والواجب الوطني الملقاة على حماية الوطن .ومن خلال الإعلانات الرسمية تؤكد أن الإفراج جاء نتيجة “ضغوط أمنية واستخباراتية” دون صفقات مباشرة، مع نفي دفع فدية أو تبادل أسرى. ولكن مصدر في كتائب حزب الله أكد :” أن الإفراج كان لـ”تجنب الصراعات في العراق”، مشيرًا إلى مخاوف من تصعيد مع الولايات المتحدة. لكن هذه الرواية تبدو سطحية لنا ؛ فالواقع يشير إلى أن الثمن الحقيقي كان سياسيًا واستراتيجيًا، يتجاوز الإفراج عن تسوركوف (التي وُصفت بـ”جاسوسة إسرائيلية” في تقارير إيرانية وعراقية وحتى عربية ناهيك عن الحوارات في البرامج السياسية ) ويلمس مصالح أوسع . وان التنازلات في تبادل الأسرى كما أشار تقرير من وكالة “تسنيم” الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، وكشف من خلاله بأن الإفراج جاء مقابل إطلاق سراح ضابط بحري لبناني (عماد أمهاز، قائد في حزب الله اللبناني، مُختطف في ت1 2024 من قبل إسرائيل) وسجين آخر من “محور المقاومة”. كذلك، أفاد وسائل إعلام لبنانية مثل بأن إسرائيل أفرجت عن سجناء عراقيين، بما في ذلك ابن مسؤول ميليشيات متهم بهجوم على وزارة الزراعة العراقية في حزيران 2025، مع مناقشات حول إطلاق سراح خمسة آخرين، بما فيهم إيرانيون. هذا التبادل غير المعلن يعني أن الولايات المتحدة وإسرائيل سمحتا بتعزيز قدرات “محور المقاومة” الإيراني، مقابل حياة فرد واحدة، مما يُضعف موقف واشنطن أمام حلفائها الإقليميين. وثانيًا،التسريع في الانسحاب الأمريكي من العراق مقابل الإفراج وتزامن ذلك مع تصريحات من مصادر في كتائب “حزب الله” تشير إلى “تسهيل انسحاب القوات الأمريكية دون قتال”، لتجنب “صراعات جديدة”. وبالفعل، أعلنت الولايات المتحدة والعراق نهاية بعثة التحالف الدولي ضد داعش في العراق الفيدرالي بنهاية عام 2025، وفي كردستان بحلول ايلول 2026. هذا الانسحاب، الذي كان مخططًا، أصبح الآن “ثمنًا” سياسيًا للإفراج، يمنح الميليشيات المدعومة من إيران سيطرة أكبر على واقع الأمن العراقي، ويُنهي عقدًا من الوجود العسكري الأمريكي الذي كان يحد من نفوذ طهران ومليشياتها على العراق . وفي الواقع، هذا يُعزز لنا من سردية الرواية الإيرانية بأن “الصبر” يؤدي إلى انتصارات، كما حدث في مفاوضات نووية سابقة وما يجري حاليا من اكتمال ماراثون خطوات ما قبل الاخيرة . وثالثًا تتضمن الضغوط الاستخباراتية والعقوبات كانت ستار و كغطاء تم استخدامه للتنازلات ولان التقارير تشير إلى “حملة أمنية” عراقية ضد المختطفين، مع تهديدات أمريكية بـ”عواقب” إذا استمرت الاختطاف، بما في ذلك مرسوم ترامب الجديد بعقوبات على مختطفي الرهائن. لكن هذه الضغوط كانت مجرد “حصارًا سياسيًا” منذ اب 2025، أدى إلى شعور الميليشية بـ”فقدان الخيارات”. والثمن غير المعلن هنا هو “الإذلال” الذي قبلته الميليشيا لدعم الحكومة العراقية، مقابل ضمانات بتجنب هجمات أمريكية على أهدافها واستهداف قياداتها بصورة مباشرة سواء من قبل الطيران الحربي الاسرائيلي أو الامريكي ، مما يعني تقليص الضربات الجوية الأمريكية على الميليشيات المدعومة من إيران، التي توقفت مؤخرًا بعدم هجماتها على القواعد الأمريكية.ولكن الاعتقاد الأعمق لنا يتركز حول قابلية تعزيز الازدواجية الجيوسياسية والثمن الحقيقي هو تعزيز التوازن الاستراتيجي لصالح إيران، حيث تحولت تسوركوف من “رقعة” في لعبة الاختطاف إلى “عبء” أدى إلى تنازلات أمريكية غير معلنة، مثل تسريع الانسحاب وإطلاق سراح عناصر “محور المقاومة”. هذا يعكس ازدواجية المعايير الأمريكية: جهد مكثف لإنقاذ غير مواطنة مرتبطة بإسرائيل، مقابل صمت على قضايا أخرى، كما في حالة شهيدة الكلمة الحرة الصحفية “شيرين أبو عقلة “.ومن هذا المنطلق لو قُتل صحفي أمريكي بقناص روسي في أوكرانيا ولنفرض سيناريو افتراضيًا يُبرز هذه الازدواجية: إذا قُتل صحفي أمريكي بنفس الطريقة التي تم تصفية واعدام الصحفية ” شيرين أبو عقلة ” – استهداف متعمد بقناص روسي أثناء تغطية جبهات الحرب في أوكرانيا – فكيف سيكون الرد الأمريكي؟ بناءً على نمط الاستجابة التاريخي، لن يقتصر الأمر على عقوبات اقتصادية أو سياسية، بل قد يصل إلى تدخل عسكري مباشر. تاريخيًا، شهدت الولايات المتحدة إدانات سريعة واجتماعات مجلس الأمن الدولي لإدانة الهجمات الروسية على الصحفيين في أوكرانيا، حيث قُتل نحو 17 صحفيًا منذ 2022، معظمُهم بسبب قذائف روسية.في حالة كهذه، من المتوقع أن يُعقد مجلس الأمن اجتماعًا طارئًا “بسرعة البرق” لإدانة “الوحشية والبربرية والهمجية الروسية”، كما حدث في اجتماعات سابقة حول الهجمات على المدنيين والصحفيين، مع دعوات لعقوبات فورية ودعم عسكري لا محدود لأوكرانيا.هذا الرد المتوقع ليس تخمينًا، بل امتدادًا للسياسة الأمريكية التي ربطت دعمها لأوكرانيا بـ”حماية الصحافة الحرة”، كما في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت الغزو الروسي بأغلبية ساحقة. ومع ذلك، في حالة الشهيدة شيرين أبو عقلة، لم يُسمع صوت مشابه، مما يُظهر كيف تُقاس قيمة الحياة الإنسانية بالسياق الجيوسياسي: روسيا عدو، إسرائيل حليف.
في بيان صدر اليوم الخميس 11 آيار 2023 من قبل منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل صحفية قناة الجزيرة المرموقة، حذر الخبراء القانونيين من أن العدالة في قضيتها لا تزال “رهينة السياسة” فيما فشلت السلطات الإسرائيلية، في محاسبة مرتكبي عملية القتل رغم إشارة تحقيقات مستقلة إلى ضلوع قواتها فيها.وكانت الصحفية الفلسطينية / الأمريكية قد أصيبت بالرصاص في 11 أيار / مايو 2022 أثناء قيامها بواجبها المهني خلال تغطيتها لاقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين. وأشار الخبراء إلى أن العديد من التحقيقات المستقلة التي أجرتها هيئات ومنظمات مختلفة، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، خلصت إلى أن السيدة أبو عاقلة قُتلت برصاصات تبدو مستهدفة، أطلقتها القوات الإسرائيلية على الأرجح، وذلك على الرغم من أنها كانت ترتدي إشارات واضحة تظهر أنها صحفية وكذلك الى التحقيقات الصحفية الاستقصائية لقناة الجزيرة أكدت بالرسوم والتوضيحات بأنه تم استهدافها من خلال جندي قناص محترف مع سبق الإصرار والترصد؟
يتضح لنا بإن الجنسية الأمريكية، التي تزعم وتُروَّج على أنها رمز المساواة ودرع الحماية والحصن الحصين للمواطن من التعدي على حقوقه المدنية المشؤوعة وحسب ميثاق الدستور الامريكي الذي وضعه الاباء المؤسسين ، يتحول اليوم إلى سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة السياسية وذات درجات متفاوتة، تُوزَّع كسلعة وقيمتها المتفاوتة بمكيال التحيز والمصالح وفق أهواء ادارة البيت الأبيض ومصالح وزارة الخارجية. وبعيدًا عن الشعارات المزعومة بأن “الجميع سواسية كأسنان المشط”، تُظهر السياسة الأمريكية بوضوح أن قيمة الجنسية تتضاءل عندما يحملها عربي أو مسلم. فبدلاً من توفير الحصانة المتساوية، تُستخدم هذه الجنسية كأداة تخدم مصالح الإدارة الأمريكية، وتُقاس أهميتها بمدى قرب أو بعد العلاقة مع الدولة التي استهدفت المواطن. إن هذا التمييز الفاضح ليس مجرد خلل إداري، بل دليل على انحياز منظومة سياسية تُكرّس ازدواجية المعايير، وتُفرّغ المبادئ المعلنة من محتواها، تاركةً العرب والمسلمين في مواجهة الظلم دون حماية حقيقي , وهذا التمييز المقيت ليس مجرد زلة دبلوماسية، بل فضيحة أخلاقية تُكرس ازدواجية المعايير وتُسقط أقنعة “العدالة” الأمريكية، تاركةً العرب والمسلمين عرضةً للاستهداف دون أدنى حماية أو كرامة .
في النهاية، لم يكن الإفراج “انتصارًا للعدالة” كما روج له ، بل في حقيقة الامر كان مجرد صفقة سياسية تُكلف المنطقة استقرارًا أكبر، وتُذكرنا بأن الثمن الحقيقي دائمًا يكون على حساب الشعوب، لا الحكومات. [email protected]