البعد الآخر الخفي للاعتراف ترامب الضمني لتتويج الملك المنتظر ولي العهد السعودي في قصر اليمامة؟

البعد الآخر الخفي للاعتراف ترامب الضمني لتتويج الملك المنتظر ولي العهد السعودي في قصر اليمامة؟

كما هو مقرر والتي وصفها الرئيس ترامب بالزيارة “التاريخية” سابقا حط الطائرة الرئاسية اليوم الثلاثاء 13 أيار في العاصمة الرياض،ويستهل بها أولى جولاته الخارجية، التي تتصدر أجندتها ملفات التعاون الثنائي والاستثمارات ومبيعات الأسلحة والقضايا الإقليمية، والاهم أنها تشمل كذلك منتدى استثماريا وقمة خليجية، إلى جانب لقاءات ثنائية خاصة بعيدا عن أعين الصحافة والإعلام وفي سياق حراك دبلوماسي متواصل بين واشنطن ودول الخليج الاخرى ومنها قطر والإمارات.
وعلى العكس من زيارته الأولى للمملكة التي استقبل فيها الملك سلمان شخصيا مع ولي العهد الرئيس ترامب وبما أن استمرار الملوك السعوديين في الحكم حتى الوفاة، رغم تقدم أعمارهم، اصبح جزء متعارف عليه من استراتيجية الحفاظ على الاستقرار السياسي والنفوذ الإقليمي والعالمي. وفي سياق زيارة “ترامب” يبرز هذا النمط من خلال غياب الملك وظهور ولي العهد كقائد فعلي والملك المتوج المنتظر والمعترف به قبل الأوان ، ومما يعكس انتقالًا تدريجيًا للسلطة ويحافظ معها على التوازن بين التقليد والإرث المتبع والحداثة المستجدة. هذا النمط يعزز من قدرة السعودية على لعب دور قيادي في المنطقة والعالم، ولكنه قد يحمل معه تحديات مستقبلية تتعلق بطريقة وكيفية انتقال السلطة إلى الجيل الجديد.
ومع الوضع الصحي للملك سلمان الذي يبلغ من العمر حاليا حوالي 89 عامًا، والذي خضع سابقا لعلاجات طبية في السنوات الأخيرة, قد يكون غيابه عن استقبال ترامب ناتجًا عن حالته الصحية، حيث يتم تقليص مشاركته في المناسبات الرسمية للحفاظ على ما تبقى من طاقته الجسمانية الحيوية . ولذا فان تفويض الأمير محمد بصفته ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، الذي أصبح يتولى في السنوات الأخيرة بشكل متزايد الأدوار القيادية في السياسة الخارجية والداخلية للمملكة. وقد يكون كذلك غياب الملك قرارًا متعمدًا لإبراز دور ولي العهد كقائد فعلي للدولة، خاصة في ظل العلاقة الوثيقة التي يتمتع بها مع الرئيس “ترامب” منذ ولايته الأولى . وهذا يتماشى مع الانتقال التدريجي للسلطة، حيث يُظهر ولي العهد كشخصية مركزية محورية في العلاقات الخارجية الدولية. وبينما قد يكون الملك سلمان موجودًا ويتابع الأمور هذه الزيارة من خلف الكواليس , ومع أن الزيارة تأتي في سياق حساس، حيث تسعى السعودية إلى تعزيز العلاقات مع إدارة ترامب والذهاب إلى أبعد نقطة تستطيع الوصول اليها، والتي تُعتبر أكثر انفتاحًا على المصالح السعودية مقارنة بإدارة الرئيس السابق بايدن. والتركيز الضوء على ولي العهد محاولة لإرسال رسالة سياسية بأن الأمير محمد هو الشريك الرئيسي والضامن الفعلي في المستقبل لتطور العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا لابعد الحدود . وهذا يتماشى كليا في سياق تصريحات ترامب السابقة التي أشاد فيها بولي العهد ووصفه بـ “رجل رائع”.
ان استمرار الملوك في الحكم حتى الوفاة، رغم تقدم أعمارهم، يُعتبر جزءًا من استراتيجية الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي في نظام حكم مركزي. السعودية، كدولة تعتمد على النفط وتتمتع بنفوذ ديني وسياسي كبير، تسعى إلى تجنب الاضطرابات السياسية التي قد تنجم عن تغييرات متكررة في القيادة. هذا النمط يضمن استمرارية السياسات، خاصة في إدارة العلاقات الدولية وأسواق الطاقة. والتحديات الصحية والحوكمة تظهر تحديات صحية تؤثر على مدى قدرتهم وحركتهم على إدارة الدولة بشكل مباشر. مما دفع ولي العهد الأمير محمد بصورة متسارعة إلى تولي مهام تنفيذية رئيسية. هذا الانتقال التدريجي للسلطة، يعكس محاولة للحفاظ على الاستمرارية مع إدخال ديناميكية جديدة في الحكم.
ولي العهد الامير محمد ،الذي يُعتبر مهندس رؤية 2030، يمثل جيلًا جديدًا من القادة الشباب واستمرار الملك سلمان في الحكم، رغم تقدم عمره، يوفر غطاءً تقليديًا الإصلاحات الجريئة التي يقودها ولي العهد بدون ان تكون هناك اي اعتراضات قد تستجد من قبل بعض الامراء المؤثرين داخل العائلة المالكة ، مثل التنويع الاقتصادي، فتح المجال الاجتماعي، وتعزيز الاستثمارات الخارجية. هذا التوازن بين القديم والجديد يعزز من قدرة السعودية على التكيف مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي ترتبط بها المملكة مع العالم الخارجي.
لكن يبقى سؤال مهم لا اعتقد انه تم طرحه على بساط البحث والتقصي سابقا , ماذا لو كانت السعودية دولة زراعية ، وليست دولة نفطية ؟ هل سوف تضحى بهذا الاهتمام من قبل كافة إدارات البيت الأبيض وبالاخص ادارة الرئيس ترامب , لأن أهمية النفط والتي ما زالت متزايدة أكثر من السابق في إدامة عجلة الاقتصاد العالمي وبما أن السعودية، بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم ولاعبًا رئيسيًا في أوبك+، تملك تأثيرًا هائلاً على أسواق الطاقة، ومع استمرار التوترات الجيوسياسية (مثل العقوبات على روسيا، وتذبذب إنتاج النفط في مناطق مثل فنزويلا وليبيا) تظل السعودية الضامن الرئيسي لاستقرار إمدادات النفط والطاقة. الرئيس ترامب، الذي يركز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي عبر خفض أسعار الوقود، يرى في السعودية شريكًا حيويًا لتحقيق هذا الهدف. وخفض أسعار النفط سيقلل من تكاليف الإنتاج والنقل في طرقات أمريكا ، مما يساعد على كبح التضخم ، وزيادة معدلات الإنتاج وخفض الأسعار وبالاخص المواد الغذائية والدوائية وهو أولوية رئيسية لإدارته. ولو كانت السعودية دولة زراعية دون نفط، لما كانت وجهة أولى لترامب. أذآ النفط هو العامل الأساسي والمحوري الذي يمنح السعودية كل هذا نفوذها العالمي. بدون هذا المورد، ستكون السعودية دولة إقليمية عادية، ربما تشبه الأردن أو المغرب او حتى مصر من حيث الوزن الجيوسياسي، مع نفوذ محدود يقتصر على الدور الديني من خلال الحج والعمرة (باعتبارها موطن الحرمين الشريفين) هذا يبرز كيف أن الطاقة هي العمود الفقري للدبلوماسية السعودية وتستفيد من موقعها في “أوبك+” للتأثير على قرارات الإنتاج، مما يجعلها لاعبًا لا غنى عنه في استقرار الاقتصاد العالمي. زيارة ترامب تعكس هذا الواقع، حيث من المتوقع أن يناقش مع القيادة السعودية زيادة الإنتاج أو ضمان استقرار الأسعار. ومع ذلك، السعودية لن تقبل بسهولة خفض الأسعار بشكل كبير، لأنها تعتمد على عائدات النفط لتمويل رؤية 2030. هذا يعني أن المفاوضات ستكون معقدة، حيث تسعى السعودية إلى تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية وتلبية مطالب الولايات المتحدة. وكذلك من خلال الطاقة، تعزز السعودية نفوذها الإقليمي، حيث تستخدم عائدات النفط لتمويل المساعدات الاقتصادية لبعض الدول العربية والافريقية لدول ، مما يعزز تحالفاتها. كما أنها تستخدم النفط كأداة ضغط في الصراعات الإقليمية، مثل دعمها للتحالف في اليمن أو مواجهة النفوذ الإيراني.والطاقة والنفط سوف تبقى هي المحرك الأساسي والفعلي لهذه الزيارة ، والسعودية تدرك أن نفطها يمنحها ورقة تفاوض قوية، لكنها تسعى أيضًا إلى ترجمة هذا النفوذ إلى مكاسب استراتيجية أوسع، مثل تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران أو دعم استثماراتها في التنويع الاقتصادي والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية.
 رسالة قوية من ترامب، الذي يُعتبر حليفًا قويًا للأمير محمد، وتُظهرهه وهو يتعامل مع الأمير محمد كندٍّ له، وليس مجرد ممثل دولة حيث حيّا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بـ”قبضة اليد” الحديدية (fist bump) قبل نزوله من سلم الطائرة وتحية “قبضة اليد” هي لفتة دبلوماسية تحمل دلالات رمزية عميقة، تُظهر التقارب الشخصي والاستراتيجي بين الطرفين، وتُعزز صورة الأمير محمد بن سلمان كالقائد المستقبلي الفعلي للسعودية. ، هذه الرسالة الرمزية تُحذر أي أمراء من التفكير في تحدي سلطة الأمير محمد،وإلى أي أطراف داخل الأسرة المالكة قد تفكر في معارضته وهي إشارة لـ”وأد أي محاولة انقلاب في مهدها” داخل الأسرة المالكة قد يفكر بها بعض الامراء وكما أن هذه اللقطة تُرسل إشارة إلى النخب السياسية والاقتصادية في الداخل، بما في ذلك رجال الأعمال والمؤسسات الدينية، بأن الأمير محمد هو الشريك الفعلي لأمريكا وليس أي أمير آخر قد يفكر بالقفز على السلطة . وبما أن ولي العهد الأمير محمد يسيطر على كافة الأجهزة الأمنية، الجيش، والاقتصاد عبر صندوق الاستثمارات العامة. كما أن إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية جعلته يحظى بدعم شريحة كبيرة من الشباب السعودي. وتحية “قبضة اليد” بين ترامب وولي العهد هي لفتة دبلوماسية تحمل دلالات رمزية عميقة، تُظهر التقارب الشخصي والاستراتيجي بين الطرفين، وتُعزز صورة الأمير محمد بن سلمان كالقائد المستقبلي للسعودية والتحية تُظهر ثقته المتزايدة في هذه العلاقة ، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية، خاصة في سياق الاستثمارات الضخمة (مثل تريليون دولار) ومناقشات استقرار أسعار النفط والطاقة, ومع ضمان الرئيس “ترامب” ومن خلال وثيقة الشراكة الاستراتيجية الموقعة والتزاما تاريخيا باستثمار السعودية 600 مليار دولار ومع توقيع أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ بنحو 142 مليار دولار وتتضمن تزويدها بالمعدات وخدمات حربية متطورة من أكثر من 12 شركة دفاعية أميركية فان أي محاولة للانقلاب على ولي العهد ستكون نتائجها ليست محفوفة بالمخاطر فقط ولكنها سوف يتم وداها حتى قبل التفكير بها.
وبعيدًا عن الضجة الإعلامية المصاحبة لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة التي حققها من خلال توقيع اتفاقيات تعاون شاملة، تجسدت في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، تظل هناك صورة دبلوماسية دقيقة لم تُسلط عليها الأضواء بعد. هذه الصورة تتمثل في اعتراف ضمني واضح بتتويج ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كالقائد المستقبلي والملك المنتظر، في إشارة رمزية تسبق انتقال العرش بعد رحيل والده وهذا ما تم ترجمته حرفيا في كلمة الرئيس ترامب في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي اليوم الثلاثاء التي بدأت كلمته الساعة السادسة والنصف مساءا بتوقيت العاصمة الرياض؟ . 
خاصةً ما تم تناوله بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، امتثالاً لرغبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف تمكين السوريين من إعادة بناء بلدهم، وهو ما يمثل انتصاراً تاريخياً ليس للسعودية فحسب، بل لسوريا بالدرجة الأولى , هذه الرغبة التي تحققت بهذه الصورة المتسارعة تعكس معها مدى ما وصلت إليه عمق العلاقة الشخصية والسياسية ومدى التفاهم وتطابق وجهات النظر بين الأمير والرئيس وصخرة الامن , إيران والتخلي التام عن برنامجها النووي وحلفائها في محور المقاومة والممانعة والعودة الى المجتمع الدولي وإسرائيل بدورها وبما أنها ليست ضمن جدول أعماله وهي تشاهد ما تحققه السعودية من إنجازات اقتصادية واستثمارات ودورها المحوري الإقليمي والدولي فإنها ترى خسارة في الافق للدعم الأمريكي وبالأخص في إنهاء ملف الأسرى والمحتجزين لدى حركة حماس!