ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال لان عمليات الترهيب التي تمارس ليس فقط من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي بل حتى حزبه والاحزاب الشيعية الاخرى ، خلال السنوات الـ8 الماضية جعلت الغالبية يخشون الخوض في هذا المجال حتى لاتلاحقهم تهمة الترويج للبعث . وحقيقة لايوجد منصف يذكر البعث أو نظام صدام باي حسنة لكن من جاء بعدهم هو من جعل صوتهم عاليا لان الاستقرار والامن هما أهم حاجات وغرائز الانسان ، وحتى امير المؤمنين علي بن ابي طالب “عليه السلام ” يقول ،” ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم “، ومنذ عام 2003 والفتن تترى علينا من دون توقف ولايحسن ساستنا الا صناعة الازمات وادامتها. لايحتاج احد الى كثير من الذكاء ليعرف ان عمليات الاعتقالات التي طالت المئات من البعثيين السابقين ماهي الا محاولة من المالكي للتغطية على الفشل وتحويل الانتباه من ازمته المزمنة مع القائمة العراقية والتحالف الكردستاني والصراع المخفي بين التحالف الوطني ، وذلك بانتاج ازمة جديدة تخفف الضغط عليه وتنقل الحديث الى ازمة جديدة ولاظهار جميع معارضيه بانهم من “ايتام البعث “، لكن السؤال المهم الذي لم تجبنا عليه الحكومة ولا احزابها صانعة دستور الازمة الذي وضع البلاد في حقل الغام ، من هو البعثي ؟؟ ، هل هو من انتمى للبعث ، ام من أقترف الجرائم ابان حكم البعث ؟، لعلي لا اذيع سرا عندما اذكر ان عدد من هو بدرجة عضو صعودا وصل الى نحو 6700000 ستة ملايين وسبعمئة الف قبل سقوط صدام في عام 2003 ، ولو أخذنا هذا العدد فقط واهملنا الدرجات الدنيا من البعث من قبيل ” مؤيد ونصير وغيرها” ، سنجد ان البعث دخل جميع بيوت العراقيين بلا استثناء لسبب بسيط ان الانتماء الى الحزب لم يكن طوعيا انما هناك خياران ، اما الانتماء الى البعث او السجن او القبر ، ولعل أبشع جرائم صدام هي “جريمة التبعيث ” واجبار الناس على الدخول الى الحزب مكرهين . ومن المعروف ان عائلة أو عشيرة السيد المالكي ،” بني مالك ” هي العشيرة الوحيدة التي لم تشترك في الانتفاضة عام 1991 ،بل كانت جزء من المليشيا العشائرية لصدام التي لاحقت المنتفضين وقتلتهم مع أسرهم ، وعلى المالكي ان يلاحق هؤلاء المجرمين وليس من اجبر على الدخول في الحزب. رئيس الجمهورية الحالي جلال طالباني ورئيس أقليم كرستان مسعود بارزاني كانت لهم صولات معروفة مع صدام ،والكثير من قادة وعناصر الاحزاب الشيعية كانت مرتبطة بالبعث وصدام بصورة مباشرة أو غير مباشرة يكفي الاشارة هنا الى ان جل عناصر أحد الاحزاب الكبرى هم من الاسرى العراقيين . أقول وانا مسؤول عن كلامي ثلاثة أصناف من الناس لم تضطر الى الانتماء الى البعث هم ( ابناء المسؤولين السابقين واقربائهم ، ووكلاء الامن والمخابرات ، والمجانين )، اما الجميع فقد أضطر لايجاد طريقة ما في مهادنة نظام صدام ، يفرق الدستور بين البعث والبعث الصدامي لكن المالكي والاحزاب الشيعية الاخرى تقصد الخلط وتستخدمه كورقة لترهيب الخصوم والمعارضين ولتشويه سمعتهم . الدستور في مادته الـ”7″ أولا منع البعث كفكر وممارسة وهذا امر جيد ومطلوب ،فيجب حظر جميع الافكار الشيفونية والعنصرية ،وجميع الاحزاب التي تنتهج أسلوب البعث في الحكم والممارسة من خلال الاستئثار بالسلطة ومحاولات اعادة حكم الحزب الواحد وصولا الى دكتاتورية الشخص الواحد ، وهو ما يحاوله فعله المالكي اليوم مستوحيا أسلوب صدام في طريقة العمل والتمهيد الى الاستحوذ الاوحد على السلطة من خلال تصفية الخصوم وترهيبهم لاسكات جميع الاصوات المعارضة . ومن حظنا السيء فأن لاأحد سيضع حدا لهذه المسألة لان حتى من يعارض المالكي أو يختلف معه ، فتقتصر معارضته على توزيع المناصب وتحقيق مكاسب سياسية وليس على مصلحة وطنية لذلك سيستمر المالكي في أسلوبه الصدامي وهو الاعتقال على الظن والقتل على الشبه والتعامل مع الجميع بانهم متهمين حتى يثبتوا براءتهم. “دولة رئيس الوزراء “- كما تحب ان تنادى -انت من يروج لفكر البعث ، وانت من يحاول اعادته لكن بشعارات أسلامية هذه المرة ، ولا تخدع نفسك لان ذاكرة الشعب حية ، فأنت لست “بطل التحرير”، لان التغيير حدث بيد خارجية ، وخروج الاميركيين المزمع نهاية هذا العام سيحدث تنفيذا لارادة ومصلحة غير عراقية.