15 يناير، 2025 11:50 م

البعث الصدامي والبعث الأسدي… والسقوط واحدُ

البعث الصدامي والبعث الأسدي… والسقوط واحدُ

مقدمة : تأسس (حزب البعث العربي الاشتراكي ) في العاصمة السورية دمشق يوم 7 أبريل, نيسان 1947 على يد المفكر والأديب السوري) ميشيل عفلق 19101989، والسياسي (صلاح الدين البيطار19121980)، وأتباع العالم (زكي الأرسوزي18991968)، الذي كان يتبع المذهب العلوي ثم أصبح ملحدا.

وظهر الحزب أول مرة تحت اسم حركة البعث العربي، وبعد اندماج الحزب العربي الاشتراكي في حركة البعث العربي، تحول اسمه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي عام/  1952      .

وفي أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، أنشأت فروع إقليمية في جميع أنحاء العالم العربي إلى جانب الفرع الإقليمي السوري لحزب البعث، وانتشرت الفروع الإقليمية للحزب في العديد من البلدان العربية مثل اليمن والأردن ولبنان وليبيا، في حين تولى الحزب السيطرة المطلقة في سوريا منذ عام / 1963حتى 2024، وفي العراق منذ عام 1968 حتى2003     .

أولاً : البعث الصدامي في العراق(19682003 )

لا يخفى على الجميع إن العراق حُكم منذ عام / 1963 حتى  عام/ 2003 من قبل أشخاص ينحدرون من نفس المنطقة التي كانت تسمى في العهد العثماني ” سنجق الدليم” ولقد طغت على إدارة البلاد المعالم البدوية والعشائرية منذ حكم (عبد السلام محمد عارف19211966) وأخيه (عبد الرحمن محمد عارف 19162007)وعهدي (أحمد حسن البكر 19141982) و(صدام حسين المجيد19372006) ، وأصبحت السلطة ملكاً عضوضا للعشيرة والعائلة وفق العرف القبائلي والعشائري السائد , إذ تراجع الحس المدني وتدهور وخضع لما يسمى  بــ ” التصحر الثقافي” الذي طغى على العراق طيلة أربع عقود.

ويعتبر(صدام حسين المجيد 19372006 ) هو الشخصية الرئيسية التي تمثل البعثية في العراق. وقد تولى السلطة في العراق عام /1979، بعد أن أطاحوا بالرئيس السابق (عبد الرحمن محمدعارف 19162007) في إطار حركة عسكرية في السابع عشر من تموز/1968,أطلقوا عليها ( الثورة البيضاء ) وبعده أطيح برفيق الدرب ( أحمد حسن البكر19141982 ) وقد اعتبر صدام حسين نفسه منذ بداية حكمه أنه يحمل رسالة البعثية ويهدف إلى تحقيق الوحدة والحرية والأشتراكية.

وقد اعتمد صدام حسين المجيد مع أولاده وبعض من أبناء عمومته على القوة العسكرية والسياسية للحفاظ على سلطته، وقد استخدم القمع الوحشي للقضاء على أي معارضة داخلية أو خارجية, وقد شن حرباً ضروس ضد إيران في الثمانينيات من القرن العشرين ، وحرباً ضد دولة الكويت في عام /1990، مما أدى إلى اندلاع الحرب العراقية الأمريكية وسقوط نظام صدام حسين المجيد في عام/ 2003.

وقد اعتبرت فترة حكمه فترة من التوحش والقمع والفساد الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية للعراق وتفكك الوحدة الوطني التي لم تكتمل لحد الآن.

فالمقاومة لا تأتي اعتباطاً بل تأتي كرد فعل لاعتداء وقع , فهي عملية دفاع عن الوجود ورد لعدوان خارجي أو داخلي , وحق من أجل حياة حرة كريمة ووطن حر وشعب سعيد, الذي أفتقده العراقيون طيلة الخمسة وثلاثين عاماً من الغزو البعثي للعراق القادم من بلاد الشام, المتمثل بأفكار وأطروحات مجموعة من المفكرين السوريين واللبنانيين النصارى أمثال ( ميشيل عفلق والياس فرح وشبلي شميل العيسمي).

ففي عهد جورج بوش الابن الرئيس الثالث والأربعين لأمريكا الذي حكم من عام/ 2000 حتى عام/ 2009 , بدأت قوات التحالف الدولي بغزو العراق واحتلت بغداد وبقية المحافظات العراقية وسقط نظام صدام في الشهرالرابع من شهر نيسان /2003.

* مخلفاتــــــــــــــــــــــه خلال 35 عاماً :

إن واحدة من أهم أسباب ما رأيناه بعد عام/ 2003 من فوضى في كل مرافق الحياة هو الإرث الاجتماعي الذي تركه النظام السابق والذي تمثل ب “ترييف” المدينة من خلال تحالفه مع شيوخ عشائر معينة , وفي مرحلة لاحقة لبس لبوساً إسلامياً تمثل في ما سمي ب “الحملة الإيمانية”.

لماذا فعل ذلك ؟ لأن القاعدة الحزبية العريضة التي كان يستند إليها النظام والتي ساعدته على إحكام السيطرة على البلد قد أنٌّهكت وتآكلت بسبب الحروب والصراعات التي خاضها النظام على الأصعدة المختلفة , ثم جاء الحصار الاقتصادي ليجهز على ما تبقى منها حيث تحولت علاقتها (أي القاعدة الحزبية) بالجماهير من علاقة سيطرة إلى علاقة مساواة في المعاناة فهيمنت علاقة المنفعة والمصالح ولم يتبق من ينعم بالثروة غير دائرة ضيقة من كبارالمسؤولين وبعض الأثرياء الجدد الذين أنتجهم الحصار.

لذلك راح النظام يبحث عن قاعدة جديدة لاسناده فوجد في بعض شيوخ العشائر هذا الاسناد قبل أن يتحول نحو الدين,هذا “التحالف” مع شيوخ العشائر لا بد وان يكون له أدواته وبكلمة مجازية “ديكوره” المناسب فكان أن ساد لدى الصفوة الحزبية عادة لبس “العقال” وإقامة المضايف فكان بداية إحياء تقاليد العشيرة الذي لم يضرب الريف وحسب بل وضرب المدينة, ويتذكر من زار العراق بعد 2003 فإن أبرز ما يلاحظة المرء هو انتشار لبس العقال بين أناس لم يكن يتوقع منهم ذلك ومنهم شيوعيين قدماء, وعلمانيين وليبراليين .

وإنصافاً للعشيرة لا بد من التأكيد أن هدف السلطة في ذلك الوقت من هذا التحالف ليس إشاعة القيم النبيلة للعشيرة بل إستحداث أساليب جديدة للبقاء وذلك من خلال البحث عن مصادر جديدة للولاء تؤمن السيطرة : الشيخ يسيطر على عشيرته ويسيطر “القائد” على الشيوخ بواسطة الجمع بين التخويف والعطاء .

وقد رأينا كيف أن “القائد الضرورة” قد ألغى نقابات العمال كشكل من أشكال الإنتظام الإجتماعي العليا لأنها ترمز إلى الإنتماء إلى فكرة التضامن والتعاون والولاء لمجموعة وقيادتها المنتخبة وليس الولاء لحزب حاكم.. وبما أن النقابات المهنية هي من مكونات المجتمع المدني فإنه بحل هذه النقابات يكون قد وجه ضربة قاتلة للمجتمع المدني.

ثانياً : البعث الأسدي في سوريا 19632024

تأسست الحركة البعثية في سوريا في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت تحت رئاسة الراحل (حافظ الأسد 19302000)، الذي تولى السلطة عام /1970, وكانت الحركة البعثية تؤمن بالوحدة العربية والتضامن القومي، وكانت تسعى إلى تحقيق التغيير الاجتماعي والاقتصادي.

وحافظ الأسد : هو رئيس الجمهورية العربية السورية والأمين العام وعضو القيادة القطرية في حزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ما بين العامين 1971 2000. وتولى منصب رئيس وزراء سوريا ما بين العامين 19701971 ، ومنصب وزير الدفاع ونائب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ما بين العامين 19661972

وقام هو ورفاقه بانقلاب البعث التصحيحي في عام / 1970، ويُعرف أيضاً باسم الحركة التصحيحية، وهو انقلاب قام به وزير الدفاع وعضو القيادة القطرية بحزب البعث أنذاك الفريق حافظ الأسد، ورئيس الأركان السوري مصطفى طلاس واللواء اسكندر سلامة وكثير من الضباط البعثيين الموالين لحافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970.

مع مرور الزمن، تحولت سياسة البعث الأسدي إلى نظام أبوي ودكتاتوري، حيث تم التركيز على السلطة المركزية والسيطرة على المجتمع, وكانت هناك حملات تضليل وقمع للمعارضة، وتم تشديد السيطرة على الإعلام والتعليم.

ثم جاء الأبن (بشار حافظ الأسد 1965 ) وهو الشخصية الرئيسية التي تمثل البعثية في سوريا, وقد تولى السلطة في سوريا عام/2000، بعد أن توفي والده (حافظ الأسد 19302000 )، وقد اعتبر بشار الأسد نفسه منذ بداية حكمه أنه يحمل رسالة البعثية ويهدف إلى تحقيق الوحدة العربية والقومية العربية, رغم بغُّض الزعماء العرب له  نتيجة علاقته الطيبة مع أيران وروسيا.

ومع مرور الزمن، تحولت سياسة البعث الأسدي إلى قمع المعارضين وتصفيتهم  أستمرت 61 عاماً , مما أدى إلى سقوطه المدويفي 8 ديسمبر, كانون الأول/2024 بعد اندلاع الثورة السورية عام /2011.

* مخلفاتـــــــــــــــــــــــــــه خلال 61 عاماً :

أدى الصراع في سوريا إلى أضرار كبيرة على البنية التحتية والاقتصاد، بالإضافة إلى خسائر بشرية هائلة, وكانت هناك ملايين اللاجئين، وتدهورت الظروف الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير.

وقالت وزارة العدل الأمريكية في بيان إن اثنين من كبار المسؤولين السوريين من عهد الرئيس السوري المخلوع والهارب في موسكو(بشار الأسد ) متهمان بارتكاب جرائم حرب, وتتهم لائحة الاتهام، التي تم الكشف عنها يوم الاثنين 9 ديسمبر 2024، مسؤولًا سابقًا في المخابرات السورية بالتآمر لارتكاب معاملة قاسية وغير إنسانية للمعتقلين المدنيين، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين، خلال الحرب الأهلية السورية.

وتعرفت النيابة على المتهمين وهما جميل حسن (72عاما) ضابط سابق في المخابرات الجوية السورية وعبد السلام محمود (65عاما). وأضافت وزارة العدل أنه تم إصدار مذكرات اعتقال بحق كلا المتهمين وأنهما لا يزالان مطلقي السراح.

وقالت وزارة العدل إن المتهمين “تآمرا لارتكاب جرائم حرب من خلال إخضاع المعتقلين، ومن بينهم مواطنون أمريكيون، لمعاملة قاسية وغير إنسانية في مركز احتجاز مطار المزة العسكري (سجن المزة) بالقرب من دمشق”.

وقال المدعي العام الأمريكي (ميريك جارلاند) إنه بين عامي 2012و2019، قامت السلطات “باللكم والركل والصعق بالكهرباء والحرق والتعليق من معصميهم لفترات طويلة واغتصاب الضحايا وقتلهم. لقد هددوهم وكذبوا بشأن مقتل عائلاتهم“.

وفي الوقت نفسه، قال ( أبو محمد الجولاني 1982) السعودي المولد، زعيم هيئة تحرير الشام، وهي جماعة المعارضة السورية التي أطاحت بالرئيس( بشار الأسد)، إن النظام السوري المخلوع “متورط في تعذيب الشعب السوري”.. وسينشر قريباً “قائمة أولية بأسماء كبار المسؤولين” ويلاحقهم لتقديمهم إلى العدالة.

وقال الجولاني، الذي تخلى مؤخرا عن اسمه المستعار وبدأ باستخدام اسمه الحقيقي (أحمد الشرع )، في بيان نشره عبر تطبيق تلغرام : “لدينا معلومات عن قوات عسكرية وأمنية رفيعة المستوى متورطة في جرائم حرب, وأضاف : نحن سوف نقدم مكافأة لأولئك الذين يقدمون لنا المعلومات “.

وأوضح : أن الحكومة المقبلة التي ستتولى السلطة في سورية ستقدم “مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب“. وتابع: “لقد أكدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية“، مؤكدا أن “دماء وحقوق” القتلى والمعتقلين الأبرياء “لن تُهدر أو تُنسى”. . أذا لم يهدرها هو والجماعات المسلحة التي جاءت معه من دولة تركيا الشقيقة .