عجيبة هي أمور العالم ، غريبة هي عقول الناس ، هزيلة هي حجج البعض ، أقوال البشر لا تنطبق مع أفعالهم ، هما حزبان لا يختلفان عن بعضهما البعض سوى باللهجة وبنفس الوقت قريبان من بعضهما البعض بالأفعال ، ديدنهم البطش ، التسلط ، الشمولية ، المبادئ ، الأهداف ، التنظيم ، القتل ، الاضطهاد ، احدهما في سوريا والآخر في العراق ، احدهما تبخر والآخر يغلي بانتظار التبخر ، يدعون عدوهم واحد ، وهم أعداء فيما بينهم، لهم من المؤيدين في الدولتين ولهم أعداء في الدولتين ، يبطشون في العراق ويبطشون في سوريا ، العراقيون منقسمون فيما بينهم، منقسمون بين معارض ومؤيد، فالمعارض لسلطة البعث في العراق مؤيد لسلطة البعث في سوريا ، والمعارض لسلطة البعث في سوريا مؤيد لسلطة البعث في العراق ، الحكومة العراقية من أشد المعارضين للبعث العراقي ومن أكثر المتحمسين للبعث السوري ، بعض العراقيين من أشد المعارضين للبعث السوري ومن أكثر المؤيدين للبعث العراقي ، والحزبان سيان من حيث الأفعال والمبادئ والأهداف والسبل والطرق البوليسية في التعامل مع العامة والشمولية المتشددة في القرارات ، الحزبان ولدا من رحم واحد واختلفا من حيث الرضاعة ، فانقلاب الشقيق على شقيقه وفرح الشقيق باندحار شقيقة، الأول ينتظر بفارغ الصبر اندحار الثاني وهما وجهان لعملة واحدة ما عدا اللهجة كما أسلفت .
السؤال المحير كيف للحكومة العراقية أن تكون مجتثة للأول ومؤيدة وداعمة للثاني ؟؟؟ ربما هناك اختلاف بين الحزبين حسب وجهة نظر الساسة العراقيين ، نعم لا بد أن يكون احدهما يختلف عن الآخر، وإلا كيف يبرر ساسة العراق هذا التناقض ، بالمقابل هناك من العراقيين معارضين لحزب سوريا ومؤيدين لحزب العراق ، مفارقة عجيبة لا نستطيع حل لغزها إلا بالعودة للعقل الطائفي ، نعم إنها المذهبية ، المذهبية في الحالتين دعمت احدهم وعارضت الآخر ، كم هي مقيتة هذه المذهبية ، كم هي وسيلة رخيصة ، كم هي رافد لا ينضب بيد أعداء الدين ، كم هي نارُ موقدة لا تعرف رماد ، كم هي غباء يسيطر على عقول الأغلب ، أين هي الإنسانية، أين هو الدين الواحد ، أين القومية ، أين الولاء للوطن ، أين الولاء للأمة الإسلامية ، أين الولاء لسنة الرسول الأكرم ، أين الولاء لسيرة أهل البيت الأطهار ، أين الولاء لأخلاق الصحابة ، وفوق كل هذا أين مكان العقل ، هل تبخر مع تبخر حزب البعث العراقي ، أم سيتبخر بتبخر الثاني، أم انه في سباتُ عظيم ، حكومة تدعم مجرم وتعارض مجرم، الذي تدعمه من مذهبها والذي تعارضه من جلدتها وهما لا يختلفان عن بعضهما البعض ، تعتقل أتباع الأول وتدعم أتباع الثاني ، تتهم الأول بمساندة القاعدة وتغض النظر عن الثاني عندما يدعم للقاعدة ، والحزبان مشتركان في قتل العراقيين ، الكل يقتل ، احدهما يرسل المفخخات والآخر يفجرها ، احدهما يدرب والآخر ينفذ ، احدهما مدعوم والآخر معدوم، حتى الدول الإقليمية تدعم احدهم وبنفس الوقت تعارض الآخر ، من يدعم حزب البعث في سوريا سيكون لا محالة معارض لحزب البعث في العراق ومن يدعم بعث العراق فهو معارض لحزب البعث في سوريا .
يبدو أنها أصبحت فرضية ثم تحولت لقانون راسخ ، إما مع حزب البعث في العراق وضد البعث في سوريا أو مع حزب البعث في سوريا وضد البعث في العراق ولا ثالث بينهما ، لا وجود لمكان فوق التل ، فالكل في الساحة ، قالها ” الصلاة وراء الإمام أفضل والأكل مع معاوية أدسم والجلوس على التل اسلم ” للأسف لا وجود للتل أصلا .
هكذا هو حالنا فنحن العراقيون نهتم بتمجيد العقول المريضة ، تهويل المصائب ، تكبير المحن ، عقولنا مريضة فيها مرض عضال ، نحن أشبه بالدمى تحركنا خيوط وفوق الخيوط أعداء الدين ، هناك من يتفرج هذا الاستعراض القرقوزي ، فوق الخيوط متمكن جدا بإخراج السيناريوهات ولامع بزرع الفتن ، المصيبة بل الطامة الكبرى كلنا نعرف ماهية هذا العدو ، نحن من ندعم العدو لا إراديا وننسى إننا ندعم عدونا ، ندعم من يقتلنا . إننا مغفلون حد النخاع ، إننا طائفيون حد الخزي ، إننا أغبياء مع سبق الإصرار ، إننا مخادعون ، إننا لا نستحق أن نكون فوق الكل ، مكاننا تحت رحمة عقول اليهود ، إنهم شعب الله المختار ، كيف لا وهم لا يتجاوزون بضعة ملايين نسمة ، ونحن تجاوزنا المليار وثلت المليار ، نستحق أن نكون دمى ، نستحق كل هذا ما دمنا نفهم ماهية الطائفية بإتقان. إننا العبيد وهم السادة ، قالها هتلر النازي وكان صائبا ، قالها إنكم بمرتبة أدنى وفعلا سنكون الأدنى إلى يوم يبعثون .