تفاقمت مشكلة البطالة في العراق خلال السنوات الاخيرة بسبب غياب الخطط الحكومية التي تهدف الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تفعيل القطاع الخاص، كما يتخرج سنوياً من الجامعات الاف الطلاب دون ان يجدوا وظائف لهم مما يجعل نسبة البطالة بارتفاع مستمر وسط غياب الحلول والمعالجات.
والبطالة تختلف اشكالها فمنها البطالة الحقيقية Unemployment ، البطالة الكاذبة False Unemployment ،البطالة المقنعةDisguised Unemployment فاﻟﺑطﺎﻟﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ هي ظاهرة اقتصادية بدء ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية، طبقاً لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ولكن دون جدوى.
ومن خلال هذا التعريف يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ والمعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل وأصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يتم اعتبارهم عاطلين عن العمل.
وهنا لا نريد ان نستغرق في تفاصيل ما يرتبط بالبطالة الحقيقية وانما جعلناها تمهيداً للبطالة المقنعة فحسب، وكذا الحال بالنسبة للبطالة الكاذبة حيث سنعالجهما ونبين اسبابهما في وقت لاحق.
ان النسبة المئوية لعدد الموظفين العموميين الى عدد السكان بحسب الموازيين العالمية لا تتجاوز 1% فعدد سكان الولايات المتحدة الامريكية 328.2 مليون وعدد الموظفين العموميين 2 مليون بنسبة 0.6% من عدد السكان، وعدد سكان كندا 37.59 مليون وعدد الموظفين العموميين 0.287978 مليون بنسبة 0.7% من عدد السكان، وعدد سكان فرنسا 66.99 مليون وعدد الموظفين العموميين 0،5 مليون بنسبة 0.7% من عدد السكان، وعدد سكان المانيا 83.02 مليون وعدد الموظفين العموميين 0.45132 مليون بنسبة 0.5% من عدد السكان، وعدد سكان الهند 1353مليون وعدد الموظفين العموميين 21.547 مليون بنسبة 1% من عدد السكان، وعدد سكان الصين 1393 مليون وعدد الموظفين العموميين 7.6 مليون بنسبة 0.5% من عدد السكان، ويظهر بوضوح ان النسبة تقريبا ثابتة لا تتجاوز1%
اما ﻋدد اﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌب اﻟﻌراﻗﻲ ﺑﺣﺳب آﺧر اﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻟوزارة اﻟﺗﺧطﯾط 38،43 مليون ﻧﺳﻣﺔ وبلغ عدد الموظفين في الوزارات والدوائر الممولة مركزياً قرابة ثلاثة ملايين موظف 2.941890 مليون, في حين يعمل في دوائر التمويل الذاتي التابعة للدولة حوالي خمسمائة الف موظف (لا توجد ارقام دقيقة لعدم ظهورها في الموازنة العامة), فيكون عدد الموظفين الحكوميين 3.44189 مليون، الموازنة العامة لعام 2019 –الوقائع العراقية: العدد 4529 في 11/2/2019 وتشكل القوى العاملة في المؤسسات الحكومية نسبة 18% من سكان العراق النشطين اقتصادياً – السكان في سن العمل 15-60 سنة – البالغة نسبتهم 57% من سكان العراق بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية, اما نسبتهم الى مجموع السكان فتكون 9%، في حين عدد سكان إقليم كردستان العراق 5.123 مليون وعدد الموظفين في الإقليم بحسب إحصاءات وزارت التخطيط والمثبت في الموازنة 0.682021 مليون فتكون نسبتهم الى سكان الاقليم 13%، بينما على أساس ما هو مقدم من الإقليم 1.255 مليون فتكون نسبتهم 24% من عدد سكان الإقليم وهي نسبة عالية جداً تشكل ربع السكان، بالتأكيد ان هذه الأرقام لا يدخل فيها المتقاعدون في الدولة العراقية، اننا لا ندعي ان جميع هؤلاء موظفون حقيقيون فلا نشك بوجود موظفين وهميين Ghost Employee في هذه الأرقام.
فالعراق يمتلك عدداً من الموظفين الحكوميين يفوق بـ 9 أضعاف ما تتطلبه النسبة العالمية كما هو في دول أخرى، اما إقليم كردستان فـ 13 ضعفاً وإذا اخذنا بحسابات الإقليم فتكون 24 ضعفاً.
هذه هي البطالة المقنعة Disguised Unemployment وتسمى البطالة المخفية ايضاً، حيث تعبر عن مجموعة من العمال الذين يحصلون على أجور أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة، وهي نسبة إذا تم سحبها من مجال العمل لا يترتب على خروجها أي نقص في اجمالي إنتاج الشركة أو المؤسسة التي هم موظفون فيها، وربما زاد الإنتاج.
فالبطالة المقنعة تحدث في الدول النامية نتيجة تكدس العاملين في الجهاز الحكومي بما يفوق احتياجات تلك الأجهزة وذلك نتيجة التزام الدول بتعيين الخريجين، دون أن يكون هناك احتياج حقيقي لأعمالهم.
ان التأثيرات السلبية لهذه الزيادة كبيرة جداً فأول ظهورها على الموازنة العامة فالعراق خصص لرواتب الموظفين (43.4) ترليون ديناراً عراقياً لعام 2019 في موازنته بينما إذا اخذنا في المعادلة السابقة فما تتطلبه الموازنة (4.8) ترليون ديناراً عراقياً فقط أي اقل بـ (35) مليار دولار تقريباً وهو يعالج العجز الظاهر في الموازنة خاصة إذا اضفنا له ما يحتاجه الموظف لأداء الوظيفة من المكان والنقل وغيرها من المستلزمات الاخرى.
ومن اهم أسباب التعيينات في العراق العوامل السياسية حيث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالانتخابات وكسب المزيد من الأصوات، وهو امر خطير يندرج في استغلال المنصب لأغراض خاصة خارجة عن حدود الوظيفة وهو فساد يعاقب عليه القانون، بل أكثر من ذلك يدخل في أطار المنافسة غير المشروعة وشراء الأصوات فيقلل من فرص المنافسين ويجعل المساواة وتكافئ فرص الأحزاب مختلفة ومن هنا نجد الكثير منهم يبحث عن المناصب لأنها توفر فيما توفر التعيينات التي تجعل الجهة السياسية في موقع اقوى.
ان العراق إذا أراد يخرج من هذا المأزق عليه ان يجري اصلاحاً إدارياً شاملاً بعيداً عن هيمنة الأحزاب ومصالحها الخاصة حتى الوصول الى إيجاد فرص العمل للمواطنين المؤهلين وتقليص هيمنة الأحزاب ونفوذها من خلال التعيينات.
وللوصول الى حالة استقرار نسبة الموظفين الحكوميين وفقاً للنسبة المعمول بها عالمياً يتطلب من الحكومة العراقية إيجاد فرص عمل خارج القطاع الحكومي وتشجيع القطاع الخاص الصناعي والزراعي والسياحي وغيره لأنها لا شك لها التأثير الكبير في تحريك عجلة الاقتصاد وفك الاختناقات في الموازنة وتوجيهها نحو ما هو أهم.