18 ديسمبر، 2024 7:58 م

البطاقة التموينية بين صدام والحكومة الديمقراطية !…

البطاقة التموينية بين صدام والحكومة الديمقراطية !…

النسيان نعمة كبيرة وهبنا إياها الباري، لنتخلص بها من الهم والغم الذي يصيب الإنسان، وليتطلع للحياة كما وصفها أمير البلاغة “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تمت غداً”، ولا يعرف الشعب العراقي كيف إستمات الراحل “سيرجيو ديميلّو”، الذي إستهدفهُ الإرهابيين بشاحنة مفخخة، جنب غرفته في فندق القناة، الذي تحول أخيراً لمستودع تابع لوزارة الصحة، جراء وقوفه بوجه صدام، وفرض البطاقة التموينية عليه فرضاً، بمذكرة النفط مقابل الغذاء والدواء، وما خفي عن ما عمله صدام أيام ذاك كثير، ممن لم يطلع عليه الشعب العراقي بوقتهِ .

روى أحد الأصدقاء عن إصابة ولده في تلك الفترة الحرجة، فذهب به للمستشفى ورقد معه كونه الابن الأول في عائلته البسيطة، ومتزوج حديثا فكان الشوط معه مملاً، وساءت حالة الطفل كثيراً، ولهمهِ الكبير كان دائما يبكي، ولعدم إمكانيته المادية يشكو أمرهُ للخالق، ومن محاسن الصدف عثر على أحد الموظفين الشرفاء في ذلك المستشفى، وَرَقَّ قلبهُ عليه وحدّثهُ بكلام خطير جداً، وإذا افتضح سيذهب بالموظف لغياهب السجون المعدة سلفاً، لكل من يقف بوجه حكومة البعث حينها، فكانت النصيحة كالصدمة التي غيرت كل المفاهيم، (أخذ إبنك واهرب تره راح يموت )! لأننا مطالبون أن يموت العدد الفلاني، لإستعطاف الرأي العالمي موهناً العالم بنتائج الحصار .

يقول أبو كرار أخذت ولدي الى احد الدكاترة في منطقة البياع، وكان إختصاصي أطفال فكان سؤال الدكتور هل كان طفلك في المستشفى الفلاني؟ قلت نعم بادرني على الفور اذهب وأتني بهذه الوصفة، واعمل لي تحليل، وكانت الوصفة عبارة عن حقنة تعطى بالعضل، وبعد مشاهدته نتائج التحليل وقال لي إبنك كان على حافة الهاوية، وأنه سيموت لو بقيت يومين، كونه إستنزف كافة مقومات الجسم المناعي لديه، لكنه تحسن بعد أسبوع من إعطائه تلك الحقنة، مع بعض الشرابات والمقويات، وحذرني من البوح بهذه الأسرار التي تمر عليه يومياً، وهم الذين كتبت لهم الحياة، والإفلات من القتل الجماعي للأطفال العراقيين .

جانب آخر، صيدلاني سألته يوماً عن نقص الأدوية بالمستشفيات، وبعلمنا أن الأمم المتحدة كانت تضخ كميات كبيرة جداً لوزارة الصحة، فكان جوابه أنه لا يوجد نقص، لكن التعليمات تقول هكذا أنه يجب إشعار العالم أننا محاصرون، والخطة المرسومة لتلك الحكومة آنذاك تقول إجعلوها مكدسة، حتى تنتهي صلاحيتها ليتم حرقها لاحقاً، والمهم أنه يجب آن يعاني المواطن العراقي، في سبيل رفع الحصار، وهو يعلم علم اليقين أن الحصار لن يرفع إلا في حالة يعرفها صدام نفسه، ولهذا بقينا نرزخ تحت الحصار، حتى جاء الغزو الأمريكي عام ألفين وثلاثة، بذلك إنتهت صفحة البعث وحصاره الشعب العراقي .

البطاقة التموينية التي فرضتها الأمم المتحدة، كي لا تجعل لحكم صدام أن ينال من الإنسانية، التي تدعيها الأمم المتحدة، وكان دور ممثل الأمم المتحدة في فرض البطاقة التموينية، والضغط المستمر على الحكومة، حيث كان الإقتراح الأولي أن دولة فرنسا، هي المتبنية الأولى بتوزيع مفردات تلك البطاقة، حيث قال بعض المقربين بعدد تلك المفردات، تصل لأكثر من خمسة وعشرين مادة، لكن الحكومة آنذاك رفضت على شرطها، أن الحكومة العراقية هي التي تقوم متذرعين بالسيادة على شعبها، وإنتهت بذلك الزوبعة الإعلامية، لكن الحكومة تحايلت بشتى الطرق وجعلتها عشرة مواد، ورضي الشعب المغلوب على أمره مضطراً، وليس بيده شيء سوى الموافقة، وشكر الحكومة التي وفرت تلك المواد .

كنّا نتأمل من الحكومة الديمقراطية النهوض بتلك البطاقة، التي أصبحت وبال على الحكم الديمقراطي، وعدم إستطاعتها توفيرها وتذرعهم بذرائع شتى، وأنها تكلف الدولة أموالاً طائلة، فدأبت على تقليصها وجعلتها أربع مواد لا غيرها! والمثير بالأمر أنها دائما غير متوفرة متكاملة، وهنا يثبت عجز الحكومة على توفير تلك المواد، فكيف ستدير بلد كامل؟ علماً أن الأموال المصروفة تعادل أكثر من مرة مما كان على العهد السابق، فلا الدولة تقول كلمتها بالعجز، ولا بإستطاعتها توفيرها! وعلى غرار ذلك وقبل ثلاث سنوات، طرحت المحافظات أنها هي من ستقوم بتوفير المفردات، حيث أتت العروض من الشركات بأكثر من 12 مادة! وبإستطاعة الشركات توصيلها لكل عائلة وبنفس الأموال المرصودة، لكن الإجابة جاءت من الوزارة، أنكم بذلك ستفضحونا أمام الملأ! فبقي الحال كما هو عليه وبذلك إنتهى الحلم .

المطلوب من رئاسة الوزراء التحقيق بالأموال، التي كانت تُصرف لوزارة التجارة، والوقوف على القنوات المعطلة والقضاء عليها، وستكتشف الحيتان المسيطرة على هذه المفاصل، التي زرعتها الحكومات السابقة، أمّا السكوت على هذه الحالة، ستبقى السباب وكيل الشتائم لهذه الحكومة والترحم على حكم البعث، المتمثل بصدام وحكمه الجائر، والذي بسببه تم إدخالنا بحروب ليس لنا بها ناقة أو جمل، وهذا الخراب الذي لا زال يريد بالعراق الانتهاء ليكون فريسة لكل من هب ودب، فهل سنرى في الأفق بادرة من السيد العبادي، كما هو دأبه بمحاسبة الفاسدين، أن يعرج على هذه الوزارة، التي نخرها الفساد، إبتداء بالسوداني والإختلاسات التي عرف بها العالم وليس العراق فقط .