29 سبتمبر 2025 11:38 ص

البطاقة التموينية : بين الاغتيال والاحتضار!!

البطاقة التموينية : بين الاغتيال والاحتضار!!

البطاقة التموينية معروفة لكل العراقيين فقد استخدمها النظام البائد لسببين معلن و مضموم  ، فالمعلن أنها وسيلة لإطعام الشعب بعد أن تعرضت البلاد لعقوبة الحصار وهو حصار كامل شمل منع تصدير النفط وهو المصدر الأهملتمويل الإنفاق ، والجزء المضموم منها أنها استخدمت كأداة للتغطية على مغامرات النظام واحتلاله الكويت ودخوله حروب فاشلة معروفة النتائج والحسابات ، فقد اعتمدت لتكميم الأفواه التي قد تنادي بمحاسبة من أوقعالبلاد بشرك حرب غير معروفة النهايات ، وباختلاف الغرضين فقد وجدت الدولة أنها أمام مصيبة كبيرة بسبب استمرار الحصار وندرة الموارد التي تدعم المفردات المتواضعة لحصة التموين ، ورغم تطبيق قرار مجلس الأمن 986 ( 14/ 4/ 1995 ) والسماح للعراق بتصدير النفط تحت عنوان النفط مقابل الغذاء ، استمر العمل بتلك البطاقة وزادت وسائل دعمها وديمومتها إدراكا من النظام بفشله المتكرر في الخروج من مأزق الحرب ورفع الحصار ، ولان البطاقة التموينية شملت الجميع دون الاستثناءات فقد اعتمدتها الكثير من العوائل كأحد مصادر المعيشة في سنوات الفقر وان كانت محتوياتها تحت المستوى الإنساني المطلوب .

ومن خلال ( مونتي كارلو والبيبي سي وصوت امريكا ) وغيرها من الإذاعاتالتي كانت تتناقل أصوات المعارضين للنظام من خارج البلاد ، كانت الوعود تقطع بشان البطاقة التموينية ومحتوياتها ، فالبعض يعطي وعودا لزيادة مفرداتها إلى 70 والبعض يقول 36 و البعض الآخر يتعهد بالإلغاء ومنهم يصر على إعادة الثروات للشعب فهو من أغلى البلدان ، وبعد ( التحرير ) بدأت أمورالمعيشة في البلاد تتغير ( إيجابا ) شيئا فشيء ولكن البطاقة التموينية لم تتغير لا بالاسم ولا بالمحتويات رغم عشرات المليارات التي باتت تصل من إيرادات النفط كل عام ، وفي أكثر من مرة خرجت دعوات بإلغائها وتعويض المستفيدين بالمال لحمايتها من شبهات الفساد ، او أن يتم تطويرها نظرا لاتخاذ الفقر شكلا مغايرا في في البلاد ، ورغما عن كل الآراء بقيت البطاقة التموينية رفيقا مهما للفقراء وهامشيا للأغنياء ، و ( الطبقة ) السياسية للبلاد أبقتها على حالها ولكنها ( حلبت ) منها الكثير من الامتيازات ، فقد استخدموها أداةأساسية في إثبات المواطنة العددية لأغراض الانتخابات ولتحديد عدد النواب وتوزيع الناخبين ومراكز الاقتراع وبقية المتطلبات ، كما استخدمت دوليا ومحليا في إحصاء الناس حسب المناطق والمحافظات وفي أغراض عديدة في ظل غياب التعداد السكاني الذي تأخر تنفيذه لسنوات ، ولكثير من الأسباب والمسوغات بقيت البطاقة التموينية ( رمزا وطنيا وإيقونة ترافق المعاملات ) مع أنها لم تسد حاجة المحتاجين لإيصالهم لحالة الإشباع .

وبسبب أزمات التقشف ونقص إيرادات النفط وتحت شعار دعم الفئات الأكثرفقرا ، بدأت الحكومات تبحث عن وسائل لتقليل الإنفاق فوجدوا في البطاقة التموينية ملاذا لتوفير الملايين ، وبدا البحث فيمن يستحق او لا يستحق لمنحه ( شرف ) هذا الامتياز ، فصدرت الأوامر والتعليمات بحجبها عن الميسورين من التجار والأغنياء وأصحاب الدرجات الخاصة والرواتب التي تزيد عن مليوني دينار ، وبالفعل نفذت حملات بهذا الخصوص تم الإعلان عن أرقام الحجب عند التنفيذ ، و حال مفردات البطاقة التموينية لم يتغير بشكل ملموس مضمونا ومحتويات حتى بعد إضافة البقوليات و تخصيص حصة إضافيةلشمولي الرعاية الاجتماعية ، وفي عام 2023 قررت وزارة التجارة اعتماد البطاقة التموينية الالكترونية وقد تم الوعد بتحقيق العديد من المزايا والامتيازات بعد التطبيق ، وفي أشهر الحر العراقية المعروفة بدا جانب الكرخ بالتطبيق من خلال إلزام كل السكان بالحضور لتأسيس قاعدة المعلومات في مكان واحد لا غير وهو قاعات معرض بغداد الدولي ، وبعد أن تم البدء ببعض المحافظات تم الإعلان عن توقف هذا الإجراء لأسباب تعرفها التجارة قبل الغير ، وقد تم الإعلان خلال التطبيق عند الإعلان باكتشاف حالات عدم الاستحقاق من حيث التكرار وعدم تأشير السفر والوفاة وغيرها من الحالات والناس أخذت تسال لماذا لم تحدث التموينية مع تعداد السكان .

ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها التجارة وأجهزتها بهذا الخصوص ،فان التحديث لم ينال رضا فئات كثيرة من المشمولين ، أولا لاعتماد الحجب لأبسط الأسباب ومنها عند عدم إصدار البطاقة الوطنية او تعذر حضور الأفراد ، وثانيا لإيقاف الإضافة لأكثر من عامين بما يعني ضياع حصة مليونين من حديثي الولادة ، وثالثا لإيقاف عمليات الفرز رغم التغير الاجتماعي والجغرافي الذي أصاب البعض من حيث الزواج وتغيير محل السكن والانفصال عن العائلة لمختلف الأسباب ، ورابعا يتعلق بالصعوبات التي واجهت المواطنين في استخدام التطبيق من حيث التهيئة الكافية للموضوع بشكل كاف ، والتطبيق مهم ويسهل أمور المشمولين في مواكبة المتغيرات ،  إلا انه أوكل للمستفيد و لم يراعي كليا الاختلاف بين الثقافات و فروقات استخدام أجهزة الموبايل في المدن والقرى والأرياف وتباين المعرفة في استخدام التطبيقات ، ورغم إن التجارة تقول أنها اكتشفت أكثر من 3 ملايين حالة عدم استحقاق إلا إن البعض يؤكد بان نسبة من هذه الأرقام كانت من ضحايا عدم الاستخدام الصحيح للتطبيق او إنهاحجبت لأسباب تتعلق بنقص المتطلبات و لم تعلن عن عدد حديثي الولادة الذين تم إهمال إضافتهم خلال تلك الشهور وكيفية التعويض .

وبعد صبر الناس على البطاقة التموينية وما تخلله تطبيقها من عدم الإيفاء ببعض الوعود وما فيها من بيروقراطية وثغرات وتوجيهها لتوفير ما يمكن توفيره من مفردات ليس بقياس الحاجة الفعلية وإنما بضوء التخصيصاتالمالية في الموازنة وملاحظات أخرى بهذا الخصوص ، فقد أخذت التجارة تعلنبان اللجنة الاقتصادية اقترحت تخفيض المشمولين بالبطاقة التموينية لدعم إيرادات الدولة ، والاقتراح يتضمن حجبها من الموظفين والمتقاعدين الذين تزيد رواتبهم عن مليون وحجبها عنهم وعن عوائلهم لمن يتجاوز راتبه مليون ونصف مليون مفترضين إن الرواتب الحكومية تصنع الأغنياء ، وفي ذلك إخلال واختلال في عمل البطاقة التموينية الذي استمر ل35 عام من عدة أوجه ، أولها : إنمفردات هذه البطاقة لا تشبع بشكل كامل ولا توزع بأعلى الجودة ب 12 شهر سنويا بانتظام ولكنها توفر متطلبات الأمن الغذائي لغالبية الشعب آخذين بعين الاعتبار الظروف التي مرت بها البلاد ودور البطاقة في ردم الثغرات ،وثانيها : أن البلاد والمنطقة تمر حاليا باحتمالات عديدة بسبب العدوان القادم من الكيان الصهيوني ومن يقف معه فكيف نتخلى عن أداة ربما نعود لها بالاضطرار ( لاسمح الله ) أي أن التوقيت لا يناسب هذا الإجراء ، وثالثها : إن من ابرز منافع البطاقة التي يتفق عليها الجميع أنها بقيت الضابطة لأسعار السلعالغذائية الأساسية في الأسواق فهي تنخفض في وقت توزيع الحصة وترتفع عند تأخر توزيع المفردات فكيف نضحي بهذه الضابطة التي لا يمكن تقديرها بثمن بمثل هذه الظروف ، ورابعها : علينا أن نسال من أعطى الاستئذان للخروج من مرحلة الحرج ووجوب التحوط للظروف التي يمر بها العراق وإيرادات نفطه تخضع ( للتنمر ) لعدة ( مزاجات ) من الفيدرالي الأمريكي وغيره من الجهات ؟ .

ولان الموضوع ( الحجب ) لايزال في طور المقترحات ولم يصدر به القرار ، فمن المناسب والواجب العدول عن كل ما فيه واستبعاد المتقاعدين من كل التوصيات فرواتبهم ثابتة ولا تقوى على مواجهة التغيرات ، فضلا عن معالجة ثغرات تحديث البطاقة الالكترونية بما يجعل الحذف صحيحا دون ضحايا وأخطاءومراعاة سرعة تنفيذ الإضافة والفرز بذات السرعة التي يتم بها الحذف ، ومن منظور الأمن الغذائي الوطني ولمراعاة احتمالات الظروف والأخطار فمن المناسب شمول كل العراقيين بالبطاقة التموينية وتصنيفهم بفئتين واحدة لأغراض التسجيل والثانية للتسجيل والاستلام ، مع مراعاة الدعم المستمر لمفرداتها بما لا يسمح باغتيالها او وضعها تحت الاحتضار ، وكل ما تقدم لاينكر او يتنكر لدور وزارة التجارة وتشكيلاتها في ديمومة عمل البطاقة التموينية خلال 35 عاما مضت وما يكتنف ذلك من ضغوطات واتهام وصعوباتوان تباينت مستويات الأداء عبر الحكومات .