نشرت كتابات يوم أمس مقالة عنوانها “…البصرة ترنو لمحافظها فدعوه يمر” …طرافة الموضوع …بتناقضه … فالمحافظ كما نعلم ووفقا لصلاحياته بموجب قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2010 وتعديلاته الأخيرة ، قد منح الصلاحيات كأعلى جهة تنفيذية ضمن المحافظة … وله من الصلاحيات المالية والإدارية قد تفوق في بعضها صلاحيات الوزراء …
من يحظى بتلك السلطات لا يحتاج لتعاطف الآخرين … لآن ألف باء نجاح الإدارة هو الانجاز وليس النيات الحسنة ومن بهذا المنصب يكون الداينمو والمبادر والمايسترو لكل ما ينتظره أهالي المحافظة من تغيير يمس أحوالهم الحياتية والاجتماعية والاقتصادية …
وأيضا من يتقدم تطوعا لهذا الموقع … بالضرورة يجب ان يكون واعيا ومتمكنا وله من القدرات الإدارية والخبرة والمهنية … مما يمكنه من تحقيق ما يصبوا إليه من حملوه الأمانة … وحينها … لاعذر له لأنه عندما تقدم لمثل هذا المنصب تطوعا يفترض به ان يكون قد أحاط بكل جوانب المهمة الملقاة على عاتقه وعرف نقاط قوته ونقاط ضعفه ووضع خططا على أسس علمية معتمدة وتكون جاهزة للتنفيذ منذ اليوم الأول لتسلمه المسئولية …لان الوقت في الإدارة المجتمعية يقاس كمورد حاسم لا يجوز التفريط به لارتباطه بحسن توظيف الموارد الأخرى كافة … ببساطة الجمهور ينتظر “كول ” …والمحافظ اللاعب الأساس والمدرب ومدير الفريق … ورحم الله أمريء عرف قدر نفسه …
البصرة خلال الأعوام الأربعة الماضية ابتليت بإدارة دشنها “شلتاغ ” والذي بات قياسا لكل فشل إداري لاعلى مستوى المحافظة فحسب بل مستوى البلاد … أعقبه محافظ عاشق الجسور والمجسرات ، وستصبح البصرة عما قريب المدينة الأولى في الشرق الأوسط بل وربما في العالم بعدد المجسرات مقارنة بعدد نفوسها ونحن جميعا نعلم بالأسباب الكامنة وراء مثل هذا التهافت على مثل هذه الإنشاءات والتي سارت بتوازي مع انجاز الأرصفة المقرنصة والشوارع البعيدة عن أماكن الاحتياج لها …
البصريون بحكم ثقافتهم التي تغلب عليها ” الطيبة وحسن النية ” … كظموا غيضهم دون تسامح تجاه الإدارات السابقة والتي ارتباطها بالكتلة الأكبر التي تدير شؤون البلد ، وذلك بعض العرفان بالجميل منهم تجاه ما تحقق من أمن في محافظتهم بعد ما سمي ” بصولة الفرسان ” … في الوقت الذي كان يجب ان تستثمر العلاقة الحزبية والسياسية بين الحكومة المحلية وحكومة المركز تجاه تحقيق بعض ما يصبو له البصريون لكن ذلك لم يستثمر …وخرجت الحكومة المحلية السابقة ومحافظها … برمي سبع “حجارات ” ورائهم…
تغيرت الإدارة بعد الانتخابات فقد بصم البصريون على تغييرها … بكل رموزها …واستبشروا خيرا بمجلس ومحافظ بنهج بديل… ينسيهم السنوات الأربع العجاف الماضية … لكن طموحهم بتغيير إداري شامل … أصيب بخيبة أمل … جراء المحاصصة التي أوصلت من وضعوه في دائرة الشك في الفساد المالي والإداري ليكون صاحب قرار في الإدارة الحالية… وبالتالي باتت الإدارة الجديدة ” منغلة” بامتياز ،امتدادا لهيمنة سابقتها …
ضمن هذا الوضع بات وضع المحافظ الجديد صعبا … خاصة وانه يؤكد في وعوده الخطابية على ان من أولى أولوياته مكافحة الفساد … وهو وعد بات مستهلكا … لان الحكومة الحالية بشموليتها مع البرلمان …كلهم يلهجون بمحاربة الفساد لكن … بقي العراق يصنف عالميا من الدول الأولى في الفساد … والعراقيون يعرفون تماما بان السبب الأول في استشراء الفساد هو المحاصصة الحزبية ” اسكت عن فاسد في حزبي واسكت عن فاسد في حزبك ” ، وكفانا الله شر الفضائح … محافظ البصرة الجديد وبعد شهرين من توليه المسئولية لم يكشف لنا عن فاسد واحد استطاع كشفه وتقديمه للقضاء وبالتالي فقد حنث بوعده الأساس سواء في حملته الانتخابية أو بخطابه بعد استلام المنصب …أي انه وقع في فخ المحاصصة التي توجب عليه ،غض النظر عن الضالعين في الفساد من الإدارات السابقة … فهو مجبر بسبب التوازنات السياسية في مجلس المحافظة وللحفاظ على منصبه ….
الفساد المالي والإداري …راس كل فشل إداري … ولا تنمية حقيقية بوجود الفساد … فدينار واحد فساد يأكل خمسة دنانير من المال العام حسب قول الشيخ زايد ” رحمه الله ” … الذي بنى النجاحات المشهودة في التنمية في دولة الإمارات على هذا المبدأ ، على أن المثلبة الأولى في الفساد حسب الشفافية الدولية … هي عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب …أي ان من يستلم منصبا عاما … يلتزم بان يدير المهمات والواجبات المرتبطة بهذا المنصب بأعلى كفاءة ومهنية … وبترشيد تام لتوظيف المال …
محافظ البصرة الحالي … إضافة لوقوعه في طوق فساد المحاصصة كما أسلفت… وقع في مصيدة ولائه الحزبي … أسوة بسابقيه من المسئولين الذين اتهمهم بالفساد … اي انه أقصى مجددا كل أصحاب الكفاءات والمهنيين والتكنوقراط من البصريين … البعيدين عن الانتماءات الحزبية …وبذلك أضاف لفيلق موظفي المحاصصة في المحافظة طاقم جديد من الموظفين المقربين منه … والذين وحتما تغلب عليهم صفة وعاظ السلاطين …
يوم أمس خرج علينا المحافظ … ليعلن انه وجه كتاب شديد اللهجة الى مديرية العقود الحكومية بسبب شكوى فضائية الفيحاء ضدها بوجود فساد إداري في هذه المديرية … فوجئت وتفاجئ معي العديد من المثقفين البصريين … من تهرب المحافظ من مسئوليته المباشرة … فهو الرئيس المباشر لمديرية العقود الحكومية ، وابسط الإجراءات الإدارية ، ان الرئيس المعني يأمر مرؤوسيه مباشرة لا يوجه لهم كتاب … وماهي قوة مديرية العقود الحكومية ليتردد محافظنا بمواجهتها مباشرة مع انه يعلن في وجود فساد فيها … لكنه أعلن بانه … سيخفف الفساد في هذه المديرية من خلال تقسيمها الى تخصصات مختلف … وحسب تصريحه فان ذلك سيوزع الفساد … لكن سادتي … انه وفقا لذلك لن يمنع ويحارب الفساد ويقدم المفسدين للقضاء … بل يقبل بوجود مفسدين … لكن بالتخفيف …
الخلاصة … بوادر إدارة محافظ البصرة الجديد … تشير بانه يفتقد بوصلة الإدارة بالأهداف وبالمؤشرات ” الأرقام” ولا يمكن تحقيق عمل لا يمكن قياسه… كيف سنقيم أداءه بعد سنة هل بناء على خطبه وكلامه وتلميع المحيطين به …استادنا جزل باطلاق الوعود الفضفاضة والتي لن يتمكن من الوفاء بها وتنفيذها … دخل المحاصصة وسلبياتها … لم يطرح لغاية الان على البصريين خطته الإستراتيجية للأربع سنوات القادمة …أي انه يفتقد التخطيط الاستراتيجي … إدارته مبنية على ردود الأفعال وتفتقد المبادرة … يتبنى مبدأ القيادة الفردية ” الطرزانية ” وليست المؤسساتية … يغلب على اتجاهه الديني الطابع الاقصائي … استشراف للمستقبل … وبالتحليل للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المحافظة … فان أخونا المحافظ لن يقدم للشارع البصري “الملتهب والمتأهب ” ما يطمح اليه من إدارة رشيدة ، تستند على خطط إستراتيجية لمكافحة الفقر والبطالة وتوفير الخدمات المنشودة لكافة القطاعات ،وإحلال إدارة كفئة تتسم بالشفافية والمسائلة … وسيعيد لأذهان البصريين نموذج ومشهد الإدارة الشلتاغية …. وعندها سيعطل الترفك لايت ولا يسمح له بالمرور …