لو كان بمقدور أبو الأسود الدؤلي ، أن يظهر ، لوضع النقاط على الحروف، ولأعاد البصرة الى سالف عهدها، يوم كانت منارة للعلم وللعلماء ولازدهار اللغة العربية ومذاهب النحو، وليس مذاهب الدين والتناحر والإختلاف!!
ولو عاد العالم الكبير الحسن البصري، لأعاد لعيون البصرة جمالها الساحر وأعاد صفو نظرها ونظرتها، بعد ان غاب البصر وغابت البصيرة، وكانت البصرة في عهد الحسن البصري مدينة لعلوم الفيزياء وربما اول من وضع نظريات الذرة على وجه المعمورة!!
ولو ظهر مفسر الأحلام الشهير إبن سيرين ، لفسر مأساة مايجري اليوم في البصرة وما تتعرض له من محن وانهيارات، وتحولت الى قلعة ومتاريس لكل من هب ودب ليحكم بإسم هذا الحزب او الكيان السياسي أو ذاك، ولوضع لها تفسيرا يمكن ان تخرج من تلك المأساة بلا خسائر أزهقت من إجلها الارواح!!
ولو حضر الخليل إبن احمد الفراهيدي صاحب معجم العين وواضع علم العروض لاعاد الغلبة للشعر العربي ، ووضع له أوزانه وحافظ على سلامة توازن بحوره وقوافيه ، ولحافظ على سلامة اللغة العربية وتاريخ هذه المدينة من أن يتعرض للإمتهان!!
ولو ظهر الجاحظ، أحد أعلام الأدب العربي وصاحب كتاب الحيوان لأعاد بنا الذاكرة الى كيف يتكون العقل الانساني وكيف يكون بمقدوره ان يبني الاوطان ويواجه التحديات، وهو الذي كان جمجمة العقل العربي في العلوم الحياتية، وهو من وضع أساس علم الانسان وكيف تجري الدماء في عروقه وكيف يتنفس الانسان والحيوان الهواء ، وكيف ينمو ويكبر ، وكيف تكون الحياة!!
ولو ظهر الشاعر الكبير بدر شاكر السياب لتأسى على حال المدينة، وورما أحرق دواوينه وهجر الشعر ، ولحمل الراية يتقدم الجموع من أجل اعادة الاعتبار ، لمدينة الشعر وسحر البلاغة، ولاعاد لجزيرة السندباد جمالها وسحرها الخلاب ، ولأعاد لها الطيور التي هجرتها.. ولأعاد لها ماءها وزرقته ، حتى وان تطلب الأمر ان يتوغل في قلوب أهلها الطيبين ، ليتفجر منها الماء العذب والشراب الطيب المذاق !!
ومدينة البصرة التي إختطها عتبة بن غزوان سنة 636 م وبناها أبو موسى الأشعري.. وكانت تعد ثاني اكبر مدينة عراقية وأسموها ثغر العراق الباسم، لم يكن فيها نفط في ذلك الزمان، ومع كهذا كانت مدينة عامرة بكل مستلزمات الحياة، وكانت قد شُيِّدَت من القصب، وجُعل لكلّ قبيلةٍ حيٌّ خاصٌ بها سمّي بإسمها. وشهدت ازدهارا كبيرا ، وزاد من اهميتها موقعها على الخليج وكنها ملتقى الشطين ، وكانت مَنفَذُ العراق الوحيد للإتصال بالعالم الخارجي بحرًا من طريق ميناءَيّ أم قصر والفاو.
ويقال ان البصرة كانت ” من أهمّ المراكز الزّراعية والتجارية والصّناعية. وحولها بساتين النّخيل التي تُقدَّر أشجارها بالملايين. وأهمّ صناعات البصرة صناعة الحديد والصّلب واستخراج البترول وتصفيته. وفيها الكثير من معامل الأسمدة وإنتاج الورق، وإنتاج الأنابيب الحديديّة وصفائح الألمينيوم وسواها من الصّناعات. فيها مطار داخلي وجامعة علمية والعديد من المدارس والمعاهد”.
و”تعرضت البصرة الى كثير من الحروب والإضطرابات والخراب. فبعد بنائها بخصائص القصب، تعرّضت للإحتراق وأعيد بناؤها من اللّبن ثم من الطّابوق الآجر والجص. وفي 869 م، احترقت على أثر الأحداث التي جرت فيها في زمن الخليفة العباسي المُهتدي التي عُرِفَت بـ”ثورة الزُّنج”، ثم ثورة القرامطة سنة 923م. وبدأ الإنحطاط يشملها منذ1259 ثم احتلّها الأتراك سنة 1668م، فالإنكليز سنة1914 م. وفي السّنوات الأخيرة، تعرّضت كذلك لأعمال تدميرٍ كُبرى خلال حرب الخليج الأولى والثّانية”.
ومن أبرز “معالم البصرة مساجدها وسوق المربد والشّناشيل. والشّناشيل هي الشّرفات الخشبية المُزخرفة التّي تمتاز بها المدينة، وتعتمد على إبراز واجهة الطبقة الثانية بأكملها أو غرفة من غرفها بشكلٍ ناتىءٍ إلى الأمام. ويكون هذا البروز بالخشب عادةٍ وبزخارف هندسيةٍ. ومن البصرة انتقل هذا الطّراز إلى مدنٍ عراقيةٍ أخرى، خاصّة بغداد. و”الشّناشيل” كلمةٌ فارسيةٌ مُركّبةٌ من ” شاه نشين” بمعنى محلّ جلوس الشّاه. وتُعتَبر الشّناشيل من الظواهر الرّئيسة والمألوفة في البيوت البَصَريّة، وهي تدلّ على الثّراء”.
أبرز مشاهد البَصرة القديمة اليوم بقايا من مسجد الإمام علي، أطلال مسجدها الجامع، دار إمارتها، قصور الخاصة، ودور العامة. وهذه كلّها تقع في الجهة الجنوبية الغربية في البصرة الحديثة التي تتّصل بمدينة الزبير، على بُعد نحو 35كلم.
أمّا “أبرز المعالم العمرانية في البصرة والتّي مازالت شاخصة إلى اليوم: جامع الكواز، جامع ومرقد الزبير بن العوام ومرقد الحسن البصري. وفي 26 تشرين الثاني سنة 1994 م، نشرت جريدة الجمهورية العراقية أنّ مُفتّشي الآثار عثروا على مجموعةٍ مهمّةٍ من الأواني والفخّار، تعود إلى القرنين الثاني والثالث للهجرة في محافظة البَصرة، وأن هذه المجموعة ضمّت جرارًا فخاريةً مطعّمةً ومزخرفةً ومسكوكاتٍ نحاسيةً ضُرِبَت في مدينة البصرة عام 136هـ(القرن الثامن للميلاد)، في عهد الخليفة أبي العبّاس السفاح، ومسكوكاتٍ أخرى ضُرِبَت في مدينة السّلام (بغداد) في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور، ومسكوكاتٍ في عهد الخليفة هارون الرّشيد”.
هذا هو تاريخ البصرة ، ذو السفر الضارب في أعماق التاريخ، وهي من كانت تتفاخر بين مدن الدنيا بأنها مدينة العلماء والنوابغ وفهي مدينة الشعر واللغة والبلاغة ، وكل ما يرفع رأس العراقي عاليا الى السماء!!
ما بالك ايتها البصرة الفيحاء في الزمن الأغبر.وها هي الأقوام نفسها التي حاولت ان تفقأ عينيك تعاود الظهور، لكي تعمي بصيرة أهلك وربعك، وتعيث في مدينة البصرة خرابا وتدميرا!!
لكن البصرة الشماء لابد وان تنهض من بين الرماد، ويظهر طائر الفينيق من بين الرماد ، وهو يحلق في الاصقاع، ليقول ان البصرة عصية على الحاقدين والماكرين وذوي السوابق في الاجرام، ومن يريدون ان يطفأوا نورها..والله متم نوره ولو كره الكافرون!!