23 ديسمبر، 2024 6:27 ص

البصرة والملح المسيل للدموع!

البصرة والملح المسيل للدموع!

في سلسلة مقالات لماء الذهب، مقالات النخبة ، مقالات الظل الآخر:
انا اكتب ، اذن انا كلكامش( مقولة الشاهر) ()
من فضل ربي مااقولُ وأكتبُ ** وبفضل ربي بالعجائب أسهبُ!( بيت الشاهر)
مقالتي حمالة النثر القديم ، ورافعة النثر الجديد!( مقولة الشاهر)
أنا مرمم القصيدة العربية ، مما أصابها من شرارْ( مقولة الشاهر)

لاتوجد مدينة في العالم ، شربتْ الملح حتى مجته من انفها، وإذنها، وفمها ، كما شربته البصرة الفيحاء ، حتى انه أصبح من مستلزمات بؤسها وشقائها ، بعد أن كان من مطيبات غذائها ، فالملح ، والرماد الأسود ، والفقر ، والعطش ، والبطالة ، والتسول ، والرصاص وو00 الخ هي مفردات تجدها معروضة في سوق البصرة الوجداني ، لااحد اليوم يستطيع أن يزرع نخلة في البصرة ، في جحيم هذا الملح الذي يضرب بلسانه وإخطبوطه في كل اتجاه ، ولا احد يفكر في اختبار لزراعة زهرة تفاؤل ، في ارض تصرخ من عذابات الملح الجائر ، فبعد أن كانت البصرة تتكفل بمحفل زفاف النخيل إلى أول مدينة تحتضن النخيل ، تراها اليوم تشهد مقتل آلاف النخيل على مرأى ومسمع من لايرى ولا يسمع!
يراد من البصرة ان تعطي 00 وتعطي 00 وتعطي، تعطي النفط ، تعطي التمر ، تعطي الملح حتى ولو على حساب قتل أبنائها ، تعطي الشعر، تعطي الفن ، تعطي النور، تعطي الجمال ، تعطي الدم ، وتحتضن الظلام خفاشا ليليا، لكن حقها كأم نفط العراق ، وأم موانئ العراق ، وام أنفاس العراق ، وأم نخيل العراق، حقها من هذا صار دعابة الحديث المنسي ، الملح وما أدراك ماالملح ، ظهر عفريته فجأة بكتلته البيضاء ، بعد أن كان مثل التمساح يتحرك في جوف الأرض ، فهل للضحية قدرة على مقارعة تمساح الملح الظاهر فجأة؟
الملح صار رهان البصرة على كل ضمير ، يريد أن يسجل في تاريخ المدن والأوطان سجلا مشرفا ، الملح تجاوز حدوده في البصرة ، فصار بضاعة موت أخرى ، وكلما غاض الماء ، ظهر الملح ، وازداد الجحيم ، النخيل يشكو إلى شط العرب ، يشكو حرقة كبده الذي أفناه العطش ، والبصرة اليوم منكوبة ، والنكبة تستدعي الإغاثة ، فكيف يغيث العراق ام مدنه ، وكل مدنه محطمة تئن من الجراح ؟ولو كنتَ (ياسياب) حيا لكتبت لمدينتك ، قصيدة منجم الملح ، وشط العطش، لكن لابأس أنا سأكتبها بدلا عنك ، وسأصرخ بصوتك عاليا ، من هناك ، من جيكور لأقول بقصيدة من قصائدي:
جيكورْ00جيكورْ 00 جيكورْ
تهب ُّالرياح بصوت النخيل
لأسمع صوت الجياعْ
يمر خجولا بدمع الصهيلْ
فيشربُ جرحي
هتاف الدموعْ
أنين القلوعْ
فيهوي الشراعْ
على مركب من ضلوعْ
***
فأندب بجرح عميق
فمن ذا كمثلك
تأسى وطابْ؟!
عراقْ00 عراقْ00 عراقْ
أراكَ سحيقا بصدر الحسينْ ع
تمر عليك جباه الطغاةْ
وأنت النبي بلال الصلاةْ
جيكورْ 00 جيكورْ 00 جيكورْ
أطوف الجراحْ
فجرحٌ يشج الجبينْ
وجرحٌ يحز الوتينْ
عراقْ00 عراقْ عراقْ
كحمل أراك وحيد الخرافْ
أبوه استشاط فولى وخافْ
فأصبح بين شرار الذئابْ
فذئب اليسار شديد العراك
وذئب اليمين قوي النيابْ

أعود إلى المقال ، فأقول: البصرة ابتلعت اكبر لسان ملح في العالم ، فاحترق جوفها ، ورحلت عنها طيور المواسم المعتادة ، وألقيتْ مراكب الصيد على ضفاف الأنهار ، ولقي السمك حتفه ، فهلموا إلى صلاة ، فإن العراق توشك ان تخنقه عبرة البصرة المنكوبة ، فيموت ملحا وعطشا ، ونزيفا ، وخذلانا وحيتانا !