23 ديسمبر، 2024 9:23 ص

البصرة بين الحياة والموت

البصرة بين الحياة والموت

ثمة معتقدات خاطئة لدى بعض الشعوب؛ تجعل منها لقمة سائغة لشعارات لا تُطبق في أرض الواقع، فتقع في شراك تبعية الحاكم، وتخدم فريق إنتهازي؛ يجعلها نائمة متخلفة فقيرة محرومة؟!
ركنت الشعوب المتقدمة الصدفة والحظ جانباً، وما كان تقدمها؛ إلاّ لكونها لا تقبل الخطأ المسؤول وأن كان بحرف واحد.
تُعبر المعالم الخارجية للمدن عن طبيعة ظروف عيشها، ونوع السياسات التي تنتهجها الحكومات، وطريقة تفكير الساسة، وليس بالضرورة قياس عمارة وتقدم الشعوب؛ بقدرتها على إنجاب الثوار، أو بديهيات إمتلاكها ثروات وشعارات وأطر عامة لجعجعات سياسية، تكاد أن تكون نيران تحرقهم لقرص غيرهم.
تختلف البصرة عن مدن العالم بإستراتيجيتها؛ بين ثلاثة دولة وثلاثة محافظات، وميناء ومطار، ونفط سهل الإستخراج يوفر 80% من الإنتاج الإجمالي في العراق، وهي أم النخيل الذي مات مثلها واقفاً؟!
سمراء مخلوطة بطيبة أهلها، تترنح وتتساقط كالتمر الذي لا يُجنى، وتنوء بحمل مواردها، وهي هاربة من ألسنة الماء المالح وحرارة صيف أفعال الساسة، حائرة كشبابها بين الأزقة والشناشيل القديمة، وقد ضاعت فرصة عمل عجز سيابها أن يكتب وصفاً لمأساتها، وهي ترى ملايين الدولارات تسحب من تحت أقدامه أهلها، وبأيادي لا تعطيهم سوى السموم والأمراض.
تجود البصرة بضرعها لإطعام كل جائع في العراق، ودموعها تجري كدجلة والفرات، وعند لقاء حزنهما في كرمة علي، تضج بكاءً من العقوق السياسي، وكانت تذرف على المشردين والثوار والرؤوساء والأدباء والمثقفين، وتكتب عن نفسها حكايات؛ لم تقرأ ولم يتجرم نصها.
زار الرئيس فؤاد معصوم مدينة البصرة، بعد عقود تعود الى ثمانينات القرن الماضي، حيث لم يزورها رئيس جمهورية، وربما تذكر فترة عاش فيها ودرس في جامعتها، وكشخصية عراقية وطنية ارتدى عباءة أهلها، وعاش معانتها، وعاد وفاءً لها.
إستغل الساسة محروميتها، وغزارة نفطها بعد 2003م، وصارت إكذوبة للشعارات والنزاعات، وتضارب القوى، والإطروحات التي تمنع حلمها أن تكون عاصمة إقتصادية، لتوازي وتتفوق على مدن الخليج، وتعاد هيبتها ومكانتها العالمية، ومردود ذلك إقتصاديا على شعبها.
البصرة متكاملة المقومات، وتحتاج الى إرادة سياسية وطنية شجاعة، تجعل منها عاصمة العراق الإقتصادية.
تحدث معصوم عن البصرة كأنه من أهلها، وتصرف كرجل دولة، يمثل الجنوب والشمال والوسط، وأبن شط العرب والعشار، ولا يأمل أن يحصل منها على أصوات إنتخابية ومطامع شخصية وحزبية، ويعرف أن للبصرة الحق الدستوري أن تكون أقليم؛ لكن الوقت غير مناسب للمتاجرة بقضيتها، والعراق يشهد الإضطراب السياسي والأمني، وأن تكون عاصمة إقتصادية أفضل من الأقليم، وأن من يطالبون بالأقلمة يعتقدون أنهم رؤوساء في مستقبلها، لكن السياسة العاقلة تقول: تنجح الشعوب حينما يتبع القادة توجهات شعوبهم، وأن كرسي الحكم مثل كرسي حلاق يملكه المواطن، وأن حياة البصرة بحياة أهلها لا ساستها، ومعصوم أفضل من ساسة يريدون قتلها وتقطيعها.