في العقود السابقة من القرن الماضي كان اغلب العراقيون ومن خلال اداء الخدمة العسكرية يتنقلون بين محافظات العراق من شماله الى جنوبه وما زالت عالقة في اذهانهم كل ملامح تلك المدن والمناطق التي خدموا فيها فمن كان يخدم في المنطقة الشمالية يتذكر جيدا كل التضاريس الجبلية وثلج الشتاء والسهول والوديان في اقليم كردستان العراق ومن كان يخدم في وسط العراق تجده يعرف جيدا خانقين ومندلي وزرباطيه وغيرها من مدن الوسط..
اما من كانت خدمته في منطقة جنوب العراق فيعرف جيدا مناطق الشيب والفكة والطيب في محافظة ميسان ويعرف جيدا كل اسواق ونواحي واقضيه محافظة البصرة ومن فينا لا يتذكر سوق العشار اوسوق خمسه ميل او ساحة سعد او ناحية الدير او قضاء القرنة او الزبير اوابوالخصيب او الفاو وأم قصر..
ومن فينا لا يتذكر شارع الكورنيش وتماثيل القادة التي كانت هناك وهي تطل على شط العرب وكلنا نتذكر جزيرة ام الرصاص والتنومه وجسر خالد وقد ركبنا عده مرات في ((الشختورة )) التي هي اصغر من الباخرة واكبر من الزورق.
ايام وذكريات كثيره قد ربما تناسيناها مع مرور الزمن ولكنها ما زالت مخزونة في الاذهان. ايام جميلة رغم مرارة تلك الظروف التي كنا نعيش فيها ويلات الحروب وساعات القتال وفراق الأهل والاحبة جميعنا..
اليوم نتذكر ذلك الطريق بين بغداد والبصرة ونحن نمر في مدينة الكوت محافظة واسط لتعبر بعدها الى علي الغربي وعلي الشرجي ثم تصل الى مدينة العمارة ونغادرها الى ابواب محافظة البصرة..
وبعد ان انتهت تلك الحقبة الزمنية وتغيرت الظروف وتحول العراق الى النظام الجديد بدأت ترد الينا اخباراً غير ساره احيانا عن مدينة البصرة وخاصة في السنوات الأخيرة حيث صور لنا الاعلام المشبوه بطريقة كراهية المشاكل والقتال والاصطدامات الذي تحصل بين ابناء العشائر وكذلك موضوع انتشار المخدرات فيها حتى اصبح احدنا لا يرغب بزيارة تلك المدينة واستعادة كل ذكرياته الجميلة هناك خوفاً على حياته ويبتعد عن الخطر الذي ربما يلحق به..
وما ان بدأت قبل ايام بطولة كاس الخليج العربي حتى اجتمع كل العراقيون من شمال الى الجنوب مع اخوانهم الخليجيين في عرس رياضي كبير في مدينة العز والشموخ مدينة البصرة فوجدنا ان الامور مختلفة تماماً وان مدينة البصرة ليس بصرة المخدرات والاغتيالات وانما هي بصرة الكرم والمحبة والسلام بصرة الرجولة الذين رفعوا رؤوس العراقيين عاليا.. بصرة الخير التي عرفنا طيبة قلوب اهلها منذ ثمانينات القرن الماضي وما زال الحنين في قلوبنا اليها… نعم انني ما زلت احن ان اقف امام تمثال بدر شاكر السياب واخاطبه بلغتي المصلاويه الجميلة.. نعم انها البصرة بصرة التطور بملاعبها الرياضية المشيدة وفق ضوابط التكنولوجيا الحديثة بصرة النفوس الطيبة باهلها شيبٌ وشباب.. رجالا ونساء وهم يقدمون كل ما في بيوتهم لضيوفهم الكرام..
لقد اثبتم يا اهل البصرة ان الدنيا ما زالت بخير وان العراق لا تغييره الأنظمة السياسية ما دامت قلوب الشعب موحدة..
نعم لقد اصبحتم المثل الاعلى وقدوه لنا اليوم في كل ما نتفاخر به فلقد تعلمنا منكم ان الضيف ممنوع عليه ان ينزل في الفندق وممنوع عليه ان يأكل في المطعم لان بيوتكم اصبحت هي المطاعم والفنادق…
انكم المثل الرائع الذي سوف يذكره التاريخ للأجيال القادمة وان تشويه الاعلام كان متعمد بطمس هويتكم الحقيقية وبإرادة دوليه من اعلام مدفوع الثمن غايته تشويه الحقيقة وطمس هويتكم العراقية وحتى يبعد اهل العراق جميعهم عن هذه المدينة…. مدينة الحب والاخاء ثغر شط العرب.. الفيحاء.. نعم ارادوا ان يبعدونا عن الحنة والفاو عن التمر والنخلة الشامخة عن ميناء ام قصر.. وجامع الزبير الكبير.. عن كرم البصرة الذي لم نسمع مثله في وقتنا الحالي..
حفظكم الله يا اهالي محافظة البصرة بكل مسمياتكم وعشائركم وقبائلكم واطيافكم .. تعيشون بعناية الله دوما ورعايته فلقد اثبتم انكم اهل العراق الاصلاء وانكم رجال المرحلة وان السياسة لا تفرقكم ابدا.. وان الاحزاب زائلة والبصراويين باقين في مدنهم محافظين على عاداتهم وتقاليدهم مدى الحياة…