18 ديسمبر، 2024 6:20 م

البشر وصراعه مع العوالم الأخرى.. المكروبات كمثال

البشر وصراعه مع العوالم الأخرى.. المكروبات كمثال

هناك كلمات يعتبرها الباحثون مترادفات ككلمة (العالمين) وكلمة (الناس) . ولكن الباحث المتمعن يعرف أن الكلمتين لاتعنيان نفس الغرض ،والسبب أن (العالمين) مجموع (عالم) قد يقصد بها عوالم اخرى غير الناس ،ككائنات اخرى في الكون او العوالم الاخرى كالملائكة والجن التي وردت في الكتب السماوية ،وبحثتها الاديان والثقافات جميعها تقريبا، ووردت في المأثورات الثقافية لمختلف الشعوب والامم ،ولكن بحكم أن الاديان جاءتنا بالتواتر عن الرسل والانبياء وبما أن اخر الرسل والانبياء هو محمد (ص) ،ولم يكن في ذلك الوقت باستطاعة البشر التعرف على عوالم مخفية لاترى بالعين المجردة كعالم المكروبات او الكائنات الدقيقة كالبكتريا والطفيليات والفيروسات.
يتقاسم العيش على الكرة الارضية اربعة عوالم من الكائنات البيولوجية وهي البشر والحيوانات والنباتات والمكروبات علميا وبايولوجيا (وليس دينيا وروحيا) لكي لا يقال لنا واين الملائكة والجن . يخوض البشر في حياتهم المشتركة صراعا مع افراد هذه العوالم الاخرى .في هذا الصراع المستمر منذ آلاف السنين والذي يهدف فيه البشر السيطرة على موارد الكرة الارضية وحتى الفضاء، استطاع البشر القضاء على بعض الحيوانات واصبحت بعض انواعها في عداد المنقرضات كبعض الفيلة والنمور والاسود والحيتان وهي من اقوى الضواري التي عاشت في افريقيا والهند والامازون ،بحيث اضطرت بعض الدول لاقامة محميات طبيعية للحفاظ على بعض الانواع .وفي عالم النبات يقوم الانسان بهجوم كاسح على الغابات ففي بعض الدول تمت ابادة اشجارها بتحويلها الى قوارب وسفن و ابواب واثاث ومواد انشائية، فلا تزال الغلبة مع هذين العالمين(أي الحيوان والنبات) للبشرعلما أن الانسان يحصل على اغلب احتياجاته واهمها طعامه وملابسه من هذين العالمين .
عندما نأتي الى ميدان الصراع بين عالم البشر وعالم الميكروبات، نرى الغلبة لا تزال لعالم الميكروبات فهي بسبب صغر حجمها وعدم قدرة البشر على رؤيتها بالعين المجردة لم يستطع البشر التعرف عليها وعلى وجودها على الارض ومشاركتها له في حياته وتأثيراتها عليه ألا في وقت متأخر. البشر والى قرون قريبة لم يكن يعرف سبب الاوبئة التي تجتاح بني الانسان وتمرضه وتعوقه وتقتله .وعندما يكتسح احد الاوبئة عالم البشر كالطاعون والكوليرا والجدري والملاريا وألايبولا والحمى الصفراء والتيفوس والانفلونزا يسقط من الخسائر في بني البشر ما تعجز الحروب العالمية على أحداثها ففي أحد أوبئة الطاعون التي اجتاحت العالم استطاع الوباء قتل نصف سكان العالم.
الانسان وفي صراعه مع الميكروبات وعندما اكتشف أنها عالم كبير وشريك اخر له على الارض حاول التعرف عليها من آثارها المؤذية والمدمرة للأنسان ولحيواناته ونباتاته ولكثير منها فوائد . ثم زادت معرفته بعد اختراع المجهر والمجهر الالكتروني وانواع الفحوصات المختبرية وبدأت المواجهة بمختلف الوسائل وحاول تطوير اسلحته تجاهها بمختلف الوسائل . فحاول القضاء عليها من خلال النظافة حسب ما استنتجه وحاول اكتشاف او ابتكار المواد التي تقتلها خارج الجسم كالمعقمات والمعفرات .وحاول استخدام الحرارة لقتلها خارج الجسم ثم حاول ابتكارادوية تقتلها بعد غزوها لجسم الانسان بحيث لا تؤذي الجسم فصنع المضادات البكتيرية والمضادات الحيوية ومضادات الفيروسات .وحاول الوقاية من الاصابة بها من خلال اللقاحات والامصال ومن خلال ملابس ووسائل الوقاية الاخرى كالكمامات والكفوف وأغطية العيون والرأس والجسم .ولكن بقي الصراع مستمرا فبين حين وآخر يجتاح العالم البشري او الحيواني او النباتي وباء تسببه هذه الكائنات ويسبب له الخسائر.
دخل الانسان بنواياه الدائمة القائمة على محاولة الاستفادة من كل شيء يعرفه في الصراع والحروب وحاول استخدام ما اكتشفه من كائنات حية دقيقة في حروبه مع بقية بني البشر كسلاح سمي بالسلاح البيولوجي.حاول تطوير هذه الأسلحة والتلاعب في مكوناتها الجينية او الوراثية ليسخرها لأغراضه في الحروب او الانتاج او البحوث ولكنه يثبت يوما بعد يوم بأن هذا العالم مليء بالاسرار والخفايا التي يصعب على الانسان اكتشاف ومعرفة كل خفاياه والسيطرة عليه خصوصا وأنه لم يستطع لحد الان أن يسيطر على موازين الصراع والمصالح بين دول الارض.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين اجتاحت ارضنا عدد من الاوبئة وخصوصا الفيروسية كالسارس والميرس والانفلونزا (الطيور والخنازير) والايبولا والزيكا واخرها الكورونا ،ولا يزال كثير من العلماء يحذرون من مخاطر التلاعب غير المسيطر عليه في عالم الكائنات الحية الدقيقة لأن نتائجه ستؤذي البشرية جمعاء ،ولكن قادة العالم من سياسيين وعسكريين وبعض العلماء غير المنضبطين مصرون على الاستمرار في تجاربهم وتدخلاتهم في عالم لم تزل معرفتنا به غير كافية.من المؤكد أن دول العالم ومنظمة الامم المتحدة يجب أن تتفق على بروتوكولات لمراقبة التجارب في هذه الحقول وانشاء منظمات دولية على منوال منظمة الطاقة النووية وغيرها لمراقبة التعامل والتجارب على الكائنات البايولوجية وذلك لمنع استخدامها المدمر وغير المنضبط.