ربما يتذكر الكثير من العراقيين مسرحية ” البستوكة “وهي تسمية عراقية لوعاء فخاري عنقه صغير، قد تزجج حافته العليا ، و يعتبر من مظاهر القرن الماضي قبل استخدام ” الثلاجة ” ، ولا زالت مستعملة في بعض البيوت العراقية لحفظ المواد الغذائية والمؤنة خصوصاً المخللات(الطرشي).
مسرحية “البستوكة” عرضتها فرقة مسرح الفن الحديث في أواسط الخمسينيات على خشبة مسرح قاعة الشعب ( قاعة الملك فيصل الثاني آنذاك ) ، وتتلخص في أن “بستوكة” كبيرة لعائلة إنكسرت ، وأرادت ترميمها، فلجأت الى تراره وهو ” خياط فرفوري ” كردي كما يبدو من لهجته، قدم الى العمارة من الشمال، وعندما وضع الجزء المكسور الذي كان على شكل دائري فيه كسر صغير قال سأصلحها وطلب منهم ان يعطوه القطعة المكسورة بعد أن دخل في وسطها ووضعها في مكانها قام بخياطتها خياطة مضبوطة فتعجب أهل “البستوكة” من مهارته وما أن أكمل العمل حتى أراد الخروج منها فلم يستطع لأن فوهة “البستوكة” صغيرة.وهكذا أصبح الجميع في حيرة. ووجد تراره نفسه محصوراً في داخلها، و لابد أن يخرج ، وبخروجه تنكسر “البستوكة” مرة أخرى . ووسط صراخ واحتجاج العائلة خوفاً على تحطم “البستوكة” ، قام كبير العائلة وكان له (عكال) ضخم نزعه ووضعه على رأس “البستوكة” وقام بحزها بعد أن طلب من الجميع التنحي لكي لا يشغلوه ، وبعد جهد جهيد قص “البستوكة ” ولكن مع رأس تراره . وخسر الجميع ومات ترارة ودخل (المعكل) السجن..
و”جا يكحلها عماها” !!..
“البستوكة” تجسد الى حد ما المعادلة الصعبة التي ورطتنا بها أمريكا وقد” حولت باسم التحرير وإصلاح ماأفسده النظام السابق، ” المعارضة العراقية آنذاك ” ، الى مخللات” ، والعراقيين الى ” مكونات ” ، وأدخلتهم الى “بستوكة” نظام تقاسم الحصص الطائفية والعرقية ” ، فهي كمن ” طلّعها من حلك السبع ، خشت ابطن الواوي “.
وصار ك “تحصيل حاصل” أن يغضب “السنّة” عندما يُتهم منهم أفرادٌ بارتكاب أعمال ارهابية، وكذلك الحال إذا أُعترض ” شيعي” بتهم القتل والفساد ، أو انتقد الكورد عندما يُطلب منهم أن لا يكونوا كالمنشار : صاعد ماكل نازل ماكل، فكل يبكي على ليلاه حتى لو كسرت “البستوكة” وسُكبت مكوناتها. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أجزم أن ” القائمة العراقية ” ، والكثير من أعضائها بعثيون وإن لم ينتموا، هم من يقف خلف المظاهرات والاعتصامات في الرمادي التي رفعت شعارات ” طائفية ” وأعلاماً للنظام السابق وللثورة السورية وغير ذلك مما بشر به ” الربيع العربي ” منطقتنا، لأنني أملك معلومات قطعية أن في “العراقية ” أشخاصاً سمعتهم باذني عندما كنا نلتقي كمعارضين للعملية السياسية ، و” كانوا يعرفون أنفسهم كمقاومين “، لايخفون أنهم منذ البدء لنسفها من الداخل، وأنهم قرروا الانخراط فيها لمعاقبة ” زعماء الشيعة ” والكورد لأنهم أسقطوا صدام ، وبالتالي، أسقطوا السنّة، علماً أن للسنّة 92 نائباً في مجلس النواب ، وتسعة وزراء في الحكومة ، ولديهم رئيس برلمان يلعب على الحبلين ، ونائب رئيس وزراء لشؤون الخدمات غارق في الفساد وفي وحل بغداد ( وهو من أسبابه ) ، فيما هو يلعب دور الابن الضال ويحلم بتفجير الجمل بماحمل.
وهؤلاء الذين هم في الحكومة والبرلمان ، ويقدمون أنفسهم أيضاً كمعارضين للحكومة وللمالكي تحديداً ، ينأون بأنفسهم عن الفشل الذي ساهموا بقوة في صنعه للعراق الجديد، وتورطوا بشكل مباشر أو بالواسطة في الارهاب الذي طال أولاً ” السنّة ” في الرمادي بشكل خاص ، فكم من إمام قتل على عتبة باب مسجده بعد الصلاة في الفلوجة وغيرها،لكن المشكلة كالعادة هي أن المالكي والقضاء لايُحسنان أداء مهامهما الدستورية، وذلك بسبب فشل المستشارين، والاخفاق الكبير في كشف ملفات الفساد والقتل التي اتهم المالكي في بعضها، كقضية محافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي والصحفي هادي المهدي ، مما يجعله والقضاء طبعاًً، يعجزان عن الخروج من عنق “البستوكة” الا بتكسيرها!..
نعم .. أليس من العار أن نكتشف بعد سنوات من القتل والذبح أن ” البستوكة ” تضم خليطاً من قتلة وارهابيين وفاسدين ومتسترين على خرق القانون، وفيها نائب رئيس للجمهورية ارهابي وقاتل، ووزير مالية يحرض على الارهاب والقتل عن طريق صهره وآمر حمايته، ويشارك في العصيان، و رئيس برلمان يتعاون مع تركيا و يؤسس جيش الارهاب الحر في العراق، ورئيس نزاهة مطعون في نزاهته .. الى آخر القائمة ؟!…
هل هذه دولة أم ” شركة مقاولات فاشلة ” يدعو وزراء وبرلمانيون فيها الى الفوضى والقتل و قطع الطرق و حرق المنشأت وهم يرفعون صور صدام ، وحكومة وزراؤها يفرحون بفشل حكومتهم وهم جميعاً يتحملون وزر الفشل لأنهم جزء منها ، سواء من ” العراقية ” أو من الصدريين والكورد، والتحالف الوطني ؟!..
هذا هو العراق الجديد الذي وعد به بوش مخللات ” البستوكة ” .
فهل ننتظر ربيعاً عراقياً ساخناً عكس مايتبيت المتآمرون، وعلي وعلى أعدائي ؟!..
ومن سيكسر ” البستوكة ” وينقذ تراره ؟!..
والعاقل يفهم
مسمار:
ذَبّيتْ روحي عالجرش وأدري الجرش ياذيها
ساعه وأكسرِ المجرشة وألـعنْ أبو راعـيها
” الملة عبود الكرخي “