اُستخدم العنف قديماً وحديثاً كأداة سياسية بيد الساسة و الحكام ، لا سيما اثناء الازمات التي تمر بها الشعوب والامم لتمرير اجنداتهم وفرض الامر الواقع تنفيذاً لرغبات ذاتية وايحائية . وقد شهدت اوربا قبل الثورة الصناعية مثل تلك الاحداث مما حدا بالباحثين والمفكرين الى اكتشاف حقيقة مفادها ان الساسة لديهم القدرة على خصخصة العنف والذي سرعان ما يتحول الى حروب دامية . يقول عالم الاجتماع الالماني ( ماكس فيبر ) ( ان الدولة قد تحتكر العنف المشروع ) وبالتالي يمارس ساستها العنف المنظم والذي سرعان ما يكون منهجاً في سلوكهم لاثبات انفسهم انهم قادرون على تغيير الواقع ومن ثم جعله اداة سياسية فاعلة لارغام الخصوم اولاً ثم لترهيب الاصدقاء واجبارهم للامتثال الى ارادتهم . قد يستشري العنف في نفوس هواة السلطة ومحتكريها ولكن كيف يشيع بين صفوف البرلمان ونوابه ؟ . اعتقد ان الجواب يحتاج الى وقفة وتأمل ، ان البرلمانات وجدت لتكون ساحة للحوار والتشاور ورسم سياسة البلدان داخلياً وخارجياً من خلال اصدار التشريعات التي تساهم في استقرارها ورفاهية شعوبها واشاعة مبدأ التسامح الذي يعتمد على فرضيات اربعة ، اولها فكرة الخطأ والصواب وهو من اهم المبادىء التي تعطي للفرد الحرية في الاجتهاد بين اطاري الخطأ والصواب اي بين تبني الرأي والتراجع عنه عندما يكون هناك خطأ . والثاني مبدأ التفاهم والحوار العقلاني ، لان البرلمان هو الماكنة المنتجة للافكار وتحت قبته تتولد الرؤى وفق المنطق العقلاني مما يُفتق لغة التسامح وبالتالي لا تدع للغير ان يكون متزمتاً ، والمبدأ الثالث هو فكرة الاقتراب من الحقيقة ، في كل جلسات البرلمان تتفاوت الاراء والافكار للوصول الى الحقيقة كل حسب مستواه الفكري والايدولوجي ، لذا ينبغي ان لا يكون الاقتراب للحقيقة رأسياً ومباشراً وانما الوقائع هي التي توصل الى الحقيقة وبالتالي سيكون لها ارضية مشتركة للبناء والتأسيس عليها . والمبدأ الرابع هو فكرة عدم العصمة من الخطأ ، امام هذا المبدأ تتحطم كل فرضيات الاصرار على الخطأ ، وان الانسان ما هو الا كائن يصيب ويُخطأ مما يقطع الطريق عن الجدال البيزنطيني الذي قد يتولد جراء تمسك كل طرف في رأيه . الذي نراه اليوم في برلماننا الجديد وقد انتقلت اليه عدوى المنآكفات السياسية والصراعات في اولى جلساته من دورة البرلمان السابقة وفق نظرية اكذب اكذب تصدقك الناس ، وقد اعتاد النواب على انتهاج شعار الفوضى وافتعال الازمات داخل قبته . حريُ باعضاء مجلس النواب الجديد ان يتحلوا بمبادىء التسامح الانفة الذكر حتى لا يقعوا في الخطأ القاتل ( اتفقنا على ان لا نتفق ) .