مع دخولنا شهر نيسان , يبدأ العد التنازلي لموعد الانتخابات , ومعها تزداد المخاوف بان تنتهي ولاية البرلمان الحالي من دون إقرار الموازنة الاتحادية للسنة الحالية , فالخيار الأكثر الذي يقترن بالتمنيات الآن هو الحصول على النصاب القانوني لإجراء القراءة الثانية لقانون الموازنة ثم انتظار المدة المحددة بالنظام الداخلي للتصويت على الموازنة بمعزل عن آراء المعارضين من التحالف الكردستاني ومتحدون ومن يتحالف معهم بشان الموضوع .
واللجوء إلى الحل المعروض حاليا يمثل ( الكي ) لكونه آخر العلاج للمتحمسين في إخراج الموازنة من مكانها الحالي فالوقت المتبقي قد لايسعفهم , لان اغلب أعضاء مجلس النواب قد رشحوا للانتخابات القادمة وهم يبحثون عن الوقت اللازم لممارسة دعاياتهم الانتخابية التي انطلقت رسميا قبل أيام , ومن وجهة نظر الذين سيصوتون على الموازنة بان إقرارها بهذه الطريقة أفضل بكثير من بقاء البلد بدون موازنة اتحادية لما تبقى من العام الحالي .
ويتوقع الكثير بان إجراء الانتخابات في 30/4 , سيعقبها ظهور نتائجها الأولية والنهائية والمصادقة عليها , وبضوء التنافرات السياسية السائدة , فان النتائج المعولة ستتأخر لمدة غير محدودة , وان ظهرت فإنها ستجابه مشكلة تتعلق بالتحالفات المطلوبة لتشكيل الحكومة القادمة , وهذه عملية عسيرة قد تستغرق شهور وليس أيام , وهذا ليس بطرا في الاستنتاج وإنما قياسا من نتائج الانتخابات الماضية التي خلت من تعيين وزيري الداخلية والدفاع , كما انه يمكن الاستدلال على ذلك من نتائج الانتخابات في إقليم كردستان والذي هوا كثر انسجاما من الحال في بغداد ولكن نتائجها التي ظهرت منذ أكثر من ستة اشهر لم تنتج حكومة الإقليم لحد الآن .
وبضوء ماهر مطروح حاليا , فان خيار تمرير الموازنة خارج إرادة ( الزعلانين ) قد تكتنفه مخاطرة تتعلق بالتهديد في الانسحاب من الانتخابات في بعض المحافظات أو الدعوة لمقاطعتها , لذا فقد يؤدي العمل بهذا الخيار إلى إقرار الموازنة وتعطيل الانتخابات وهو ما يدخل البلد في دوامة سياسية لاتحمد عقباها , سيما وان هناك من يتربص لاستغلال أي فراغ لإحداث اضطرابات أمنية داخل العاصمة أو في محيطها لغرض إثبات الوجود وتحقيق مكاسب للغير.
ويتضح من خلال المشاهد اليومية لما يدور داخل وخارج قبة مجلس النواب إن هناك نوايا تتجه لتعطيل إقرار الموازنة خلال الدورة الحالية وتأجيلها إلى الدورة القادمة , مما سيعني بان البلد سيعيش بلا موازنة وعلى سبيل ( المكرمات ) وهي غير محمودة لأنها تعيد ذكريات السنوات التي عاشها العراقيون إبان حكم النظام البائد والذي كان يتعكز على الحصار الاقتصادي في التسويغ لغياب الموازنات وبشكل أبقى صلاحيات الصرف محصورة للرأس فحسب.
ويعتقد بعض الساعين لتعطيل الموازنة وعدم إقرارها هذه الأيام , بان ذلك حماية لأموال العراقيين لأنها ستكون عرضة للفساد في ظل غياب الدور الرقابي للبرلمان , كما يتم الترويج بان الحكومة القادمة هي الأجدر باقتراح الموازنة لما تبقى من سنة 2014 في ضوء برنامجها الذي سيعلن خلال التشكيل , فالصرف بمعدل ( 1/12 ) من تخصيصات الموازنة لسنة 2013 شهريا من شأنه أن يقلل من حجم الفساد, ومن يروج لهذا الرأي كأنه يبرأ نفسه من الفساد ويزكي (الأنفس الطاهرة) التي ستتولى شؤون الحكومة القادمة وكان ملائكة ستنزل من السماء لتولي أمر القادم من الحكم في العراق .
ولعل المتابع لعمل البرلمان بدورته الحالية قد أدرك حجم الخلافات والاختلافات التي سادت أعضائه وكتله خلال الأربع سنوات والتي انعكست تداعياتها على الجميع , وقد كان من نتائج عدم انسجامها مع الحكومة ( أو بالعكس )هو ما يشهده البلد من ترد في الجوانب الأمنية والخدمية والاقتصادية , والمواطن قد لايتذكر المنجزات التي حققها مجلس النواب خلال سنوات الدورة الحالية (حتى وان كانت لديه منجزات) , ولكنه يمكنه أن يستحضر وعلى الفور سيئات سنوات دورته الحالية , وقد يكون ختامها مسك ويتمثل باغتيال موازنة 2014 وإبقاء البلد من دون موازنة في خضم الانقسامات والانغماس في ممارسة الدعاية للانتخابات .