المتتبع لنشاط البرلمان ولسلوك نوابه طيلة الدورات الثلاثة المتعاقبة ويجري دراسة متأنية لدوره في الحياة العامة لهذا البلد ، يجد قبل كل شئ ان وجود هذا المنبر المنتخب كان نقطة تحول في حياة العراق نحو الحياة المدنية ، ولكنه من ناحية اخرى شكل بأجراءاته وسلوك اغلب اعضأئه سوابق لا يعتد بها وتتنافى مع ابسط الاعراف البرلمانية على مستوى العالم المتحضر ، وخاصة ظاهرة العنف والتعدي على الطرف الاخر ، كما وان ظاهرة الغياب كانت السمة الغالبة في السلوك اليومي للنواب ،وكان وقت المجلس ملكا خاصا ومشاعا لهذا النائب او تلك النائبة ، والبرلمان رغم تقديمه للمواطن قوانين مهمة ،الا انها غالبا ما تكون قوانين قابلة للتعديل ، كما وانه اي البرلمان لم يشرع اي قانون يهم المواطن في الصميم ، كالقوانين التي تتعلق بالحياة اليومية او قوانين تعالج الحالة الاقتصادية ، او قوانين تعالج الفقر والتشرد وقوانين توفير العمل او قانون يمهد السبيل لاسكان الناس او قانون يلزم الدولة الى مغادرة المدارس الطينية او مدارس الدوام الثلاثي ، وهناك العديد من القوانين التي كان من الممكن ان تكون ذات نفع عام تنقل المجتمع العراقي من حالته الحالية الى حالة اكثر تقدما وملائمة للحياة الانسانية .
ان مهمة البرلمانات في العالم لا تقتصر على التشريع والرقابة المجردة ، وانما الرقابة الايجابية المتمثلة ، بوضع التوصيات الخاصة حتى بتطبيق القوانين المشرعة وتفسير ومتابعة تطبيق هذه القوانين عن طريق اللجان البرلمانية . وقد كان البرلمان العراقي خلال دوراته الثلاثة يشرع القانون ويقف عنده ،ولا ادل على ذلك من بقاء حال البلد على ما هو عليه بل اسوأ في كثير من مناحي حياته ، والملاحظ وخلال الدورة الحالية ان هناك اتفاق حكومي برلماني على الكثير من الامور وهذا مخالف للاعراف البرلمانية ذلك ان البرلمان يوجه الحكومة لا يسير معها على الدوام وغالبا ما تجد برلمان وحكومة على وفاق ، واذا كان التبرير هو حالة الحرب مع داعش فان البناء وتسخير المال العام من اجل التقدم لهو الجواب الحاسم على الارهابيين ، ان التجربة العراقية رغم انها قدمت مثلا يتحتذى به ولكن في في امور ثانوية ، وانها لا زالت تخلف امثالا لا تشرف احد منها الفساد العام المستشري بشكل وبائي في كافة اجهزة الدولة ومنها البرلمان ،والذي لا زال يشكل مركز اعاقة للبناء الاقتصادي الذي يعتبر حجر الزاوية في بناء وتطور حياة الشعوب ،حيث لا زالت الدولة والبرلمان لا يعرفون ماذا يعني الاقتصاد وبناء الاسس المادية للمجتمع ، وانني واحد من المراقبين لم اسمع اي رئيس لاي حكومة تولت المسؤولية بعد 2003 يتكلم بالتفصيل عن التنمية او الخطط الاقتصادية الهادفة الى انتاج الخيرات او التصدي للبطالة التي هي ذاتها من يصنع الارهاب ، بل على العكس هو قيام الحكومات وعلى طول الخط بتجاهل الصناعة والزراعة وكذلك العمل بالضد مع سبق الاصرار على تعطيل دور وزارة التخطيط وتنفيذها للخطط الاقتصادية ، وكذلك ينطبق الحال على رؤساء البرلمانات الثلاثة حيث لا صلة لهم بحياة الناس الاقتصادية ، فلم يحصل ان طالب رئيس برلمان الحكومة بتقديم خطة اقتصادية تعمل على التنمية ومعالجة البطالة او التوقف عن هدر المال العام في استيراد السيئ والمشوه من السلع ووسائل النقل على سبيل المثال .
ان البرلمان مدعو على الدوام بالوقوف بوجه الحكومة والطلب اليها بضرورة قيام الوزارات وكل حسب الاختصاص بمعالجة الاوضاع الاقتصادية والعمل على تجاوز العراق هذه المرحلة ، ولا داعي لان يترك الامر بحجة عدم توفر الاموال نتيجة لانخفاض سعر النفط ، فلقد امتلك العراق المليارات ولم تهتم حكوماته بالاقتصاد ، بل ركبت موجة الفساد وكانت جزا منه ،مما تسبب في كل هذا التخلف المشين . من هذا يتضح ان لا الحكومات كانت بمستوى المسؤولية ولا البرلمانات الصامتة……