اُستخدمت النسخة البرلمانية في العراق بعد أن تم نقلها إليه ، حيث كانت بواسطة التجربة الانكليزية، لوجود البريطانيين كاحتلال للبلاد ، وأيضاً كرعاة على أموره السياسية وشؤونه الداخلية بكافة تفاصيلها ، فتشكل في ضوء ذلك ما يطلق عليه (مجلس الأمة العراقي) الذي هو مكون من مجلسي النواب والأعيان، الذي يشبه إلى حد ما مجلس (اللوردات) في بريطانيا،فلم تكن هذه التجربة ناجحة إلى حد بعيد في العراق، بل عانت الكثير من العثرات والانحرافات والتدخلات، حيث كانت السلطة التنفيذية متسلطة على البرلمان دائما، وقد تم حله مرات عدة بين الأعوام (1925- 1958) ولم يستطع البرلمان حينها أن يحجب الثقة عن الحكومة، وبرغم من كل ما يقال عن الحياة البرلمانية في العهد الملكي، إلا أنها تبقى تجربة رائدة، كان يمكن لها أن تتطور لو مضت بالعيش والتواصل، حتى يمكنها أن تكون لها المنظومة التي تمتلك قيما ودلالات، يشار إليها بالبنان في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في العراق.
قلم تكن تجربة البرلمان ناجحة كثيراً في العراق ، خصوصاً وانه عاش أجواء سياسية كثيرة ومعقدة خصوصاً بعد سيطرة البعثيين على السلطة في العراق ، والتفرد بالسلطة ، واجتثاث أي مخالف لهم مما سبب تعطيل كامل للمؤسسات التشريعية في البلاد ، وظهور الرمز ، والقائد الضرورة ، ليحل محل كل هذه المؤسسات الدستورية ، فكانت المقولة الشهيرة ( إذا قال القائد قال العراق ) فأصبحت شعاراً ودستوراً ويجب على الجميع الانصياع له .
وما سقط البعث ، وسقطت أصنامه ، حتى استبشر العراقيون بمولد عهد جديد من الحرية والديمقراطية ( الرأي والرأي الآخر ) وبناء مؤسسات دستورية ، تقوم على أساس السلطات المتعددة ، بعيداً عن الحزب الواحد والقائد الرمز ، ولكن تفأجنا بأن النسخة البعثية تكررت في العراق الجديد ، فتأسست نظرية الحزب الحاكم ، والقائد الرمز ، والعراق ومستقبله متعلق بهذا القائد ، فعطلت أرقى مؤسسة دستورية في العالم ، وأصبحت تجير لصالح هذا القائد ، فأنتجت لنا برلماناً ضعيفاً فيه الإرهابي ، وفيه السارق ، وفيه من يكون معك في النهار ، ويقتلك ليلاً .
فالفشل أصبح سمة يمتاز بها البرلمان العراقي وحتى في القرارات التي اقرها البرلمان فهي دليل كبير على هذا الفشل .. فقرار راتب رئيس الجمهورية تم إقراره في جلسة واحدة ، وقرار رواتب البرلمانيين تم إقراره والتصويت عليه في جلسة واحدة ، وغيرها من القوانين التي اقتربت من مصالحهم وابتعدت من مصالح الشعب العراقي العليا.
وما أن برزت أزمة الانبار وساحة الاعتصام ، حتى ظهر البرلماني على ولائه الحقيقي ، فبدل أن يكون مكانه البرلمان والمطالبة بحقوق مواطنيه ، أخذوا بإطلاق الشعارات الطائفية ، واتهام الآخرين والذين يمثلون الأغلبية بان فرس مجوس ، أو ولائهم لإيران ، وغيرها من اتهامات تعكس عجزهم في طريقة التعاطي معه مطالبات مواطني الانبار ، وتحقيق ذلك من خلال البرلمان ، لا من خلال ساحات الإرهاب والتسقيط وإثارة النعرات الطائفية .
البرلمان الذي يدار من أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة ، لا يمكن أن يكون برلماناً يمكن أن يضع الشعب ثقته فيه ، وان يامن على مصالحه معه ، وطريقه تعاطيهم بانتقائية مع القوانين التي تمس وتخدم المواطن البائس الذي كان سبباً مباشراً في تصدي سياسيو العراق مناصبهم اليوم ، ويقر قوانين من قبل أشخاص موغلين بدماء الشعب العراقي .
سيبقى السؤال المطروح هل نحن دولة لها سلطة تشريعية حقيقية أم إنها مجرد اسم يشغل حيزا في تصريحات من يجلسون تحت قبته التي تحولت للنزاعات والخلافات وتنفيذ الأجندات التي عطلت وشلت حركة ذلك البرلمان الذي يقدم للشعب العراقي أي فعل حقيقي سوى الأزمات ، وهل سيكون البرلمان القادم برلمانا حراً أم عبداً للأجندات ؟!