22 نوفمبر، 2024 7:55 م
Search
Close this search box.

البرزاني والدولة الديمقراطية في العراق

البرزاني والدولة الديمقراطية في العراق

رئيس كردستان المنتهية رئاسته، مسعود البرزاني، خاطب المواطنين في الإقليم بحلول عيد الاضحى قائلا، إن “حرية شعب كردستان ومكتسباته ثمارُ دماءِ شهدائنا الخالدين. وأطمئنكم، إن دماء الشهداء لن تذهب سدىً، وإن شعب كردستان سيُحقق الاستقلال بفضل دمائهم الطاهرة”.
وكأن كردستان العراق ليست دولة مستقلة لها حكومتها وجيوشها وثرواتها، ولها أيضا رئيسها وبرلمانها وسفاراتها في دول العالم المختلفة، مع 17 بالمئة من موارد الشعب العراقي، ونفطٍ يُهرب من أربيل وكركوك إلى تركيا، ومنها إلى إسرائيل، ولا يذوق الشعب الكوردي من كل هذا سوى الفُتات.
دولة مُسوَّرة بالحديد والنار لا يُسمح للعراقي، حاكما كان أو محكوما، بأن يعبر حدودها إلا سائحا أو هاربا بأموال عراقية مختلسة يريد تبييضها في أربيل، ولكن بضمانة كفيل محلي وإذن إقامة محددة.
وفي حديثه المحزن الأخير لصحيفة الشرق الأوسط يتهم البرزاني حلفاءه الإسلاميين بخيانة الملح والزاد فيقول، ” إننا اتفقنا على تشكيل دولة مدنية ديمقراطية، ومن الواضح جداً أن الدولة، يوماً بعد يوم، تتجه نحو أن تكون دولة دينية طائفية في بغداد”، وكأن الدولة لم تكن كذلك من أول أيام مجلس الحكم الذي كان هو، ومعه أخوه في الديمقراطية جلال الطالباني، قائديْن مهمين من قادته السبعة الكبار.
وإن كان صدَّق، فعلا، بأن حلفاءه الإسلاميين السلفيين الغارقين في خرافات القرون البائدة يمكن أن يعطوه دولة مدنية ديمقراطية فهو إما ساذج، وهو ليس كذلك، أو غير صادق.
ومن عرف مسعود البرزاني، عن كثب، من قبل غزو الكويت 1990، أيامَ لجنة العمل المشترك، ثم أيام مؤتمر بيروت 1991 وبعده، وحضر مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة، واستمع إلى خطاباته، ولمس قوة تمسكه بتحالفاته مع مخابرات النظام الإيراني ونظام حافظ أسد، عبر الأحزاب الأسلامية العراقية المولدة في إيران، والبعثيين (العراقيين) المصنَّعين في مكاتب مخابرات القوة الجوية السورية، يدرك أن حديثه عن الدولة الديمقراطية المدنية حديث خرافة، ومغالطة من الوزن الثقيل.
وحين يعلل، ومعه رفاقه في القيادة السياسية الكوردية، دوافعه لتبني مشروع فصل الشعب الكردي عن شقيقه العربي بأن حكومة المركز لم تكن منصفة ولم تحترم أصول الشراكة فهو إنما يجعل من الشعب العراقي، وليس حكومة المنطقة الخضراء، وازرةً تزر وِزر أخرى.
خصوصا وأنه يعلم بأنْ الشعب العراقي، بعربه وكورده وتركمانه، بمسلميه ومسيحييه، لم تكن له ناقة، ولم يكن له جمل في شراكته التي استمرت عشرات السنين مع نوري المالكي وإخوته المستأجَرين للعمل في خدمة النظام الإيراني في العراق والمنطقة، وليس له اليوم ناقة ولا جمل في خلافه الحالي مع حكومة المركز التي يعلم، ونحن نعلم، بأنها لم تكن منصفة مع أحد من العراقيين، عربيا وكورديا، مسلما ومسيحيا، شيعيا وسنيا، من أول قيامها وإلى اليوم، وأنه كان يرى موبقاتها ولا يعترض.
فمن قبل الغزو الأمريكي للعراق كان هو، ومعه رفاقه القادة السياسيون الكورد (العراقيون)، قد اختار اقتسام الفريسة مع الفريق الإيراني، ليس مناصفة، بل قسمة ضيزى.
لهُ، وحده، النصفُ الكوردي من الوطن. أما النصف العربي المتبقي من دولة العراق، فتم تقسيمُه بينه، ومعه رفاقُه في الجبهة الكردستانية، وبين إيران ووكلائها العراقيين، عملا بالدستور الأمريكي السيستاني الذي فصَّلوه على مقاس أحزابهم وعوائلهم وقبائلهم، والذي اخترع نظام الحصص المنحوس، حتى صار لازما وواجبا، وفق أحكام المحاصصة، أن يكون لجماعة مسعود، ولجماعة جلال، نصفُ ما لأحزاب الدين السياسي الحاكم في كل هيئة ومؤسسة وسفارة، بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة. وحين لا يتحقق ذلك فالدنيا تقوم، وتكون العدالة قد انتهكت، والحق قد اغتُصب، والشرف قد أهين.
وفي عدد من الحالات كان قادة الأحزاب الكوردية، والبرزاني أولهُم، يصبون زيوتهم على نار المعارك المشتعلة بين حكومة حزب الدعوة وبين معارضيها الشيعة والسنة، ويسعون لإبقاء الوطن العراقي يحترق، وتُختلس أمواله، ويتمزق، ويتفتت، معتقدين، وهم واهمون، بأن ذلك سوف يُبعد الشر عن إقطاعياتهم الحزبية والأسرية والعشائرية في كردستان.
وهذه كانت، وستبقى، أكبر خطاياهم التي جرَّت وسوف تجر، بلاوي كثيرة، وحرائق قادمة إليهم، أولا، وإلى شعب كردستان، وإلى جميع العراقيين، وشعوب المنطقة.
ويهدد البرزاني خصومه فيقول في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط، “إذا اتفقت هذه الأطراف على إيذائنا أو على القضاء علينا، فبالتأكيد هم أيضاً سيدفعون ثمناً باهظاً”.
فما الداعي، وما المصلحة في جر الشعب الكوردي والعربي العراقي وشعوب المنطقة إلى حروب هي في غنىً عنها، ولن ينجو أحدٌ من أهوالها؟.
ثم بأية قوة سيحمي البرزاني دولة كردستان القادمة من خناجر أشقائها وجيرانها المتربصين؟
فأيُّ نوع من القادة هذا الذي لا يفهم أن عراقا موحدا وقويا وعزيزا ومُهابا ومزدهرا أضمن لكرسيه المذهب ولكرامة شعبه من رهن رقبته ورقبة شعبه للمجهول؟.
ترى، لو عارض البرزاني ورفاقُه السياسيون الكورد، من أول الغزو الأمريكي للعراق، تدفقَ السلاح والمقاتلين من إيران وسوريا،
ولو جعلوا جيشهم (البيش مرقة) جزءً من جيش الوطن الموحد الكبير،
ولو حرَّموا على شركائهم في المحاصصة إنشاءَ المليشيات التي يعلمون بأنهم سيفتحون بها على الوطن وأهله أبواب جهنم جديدة لا تبقي ولا تذر،
ولو رفضوا الديمقراطية المغشوشة، وأصروا على صياغة قانون انتخاب عادل وشريف ونزيه، ولو تمسكوا بضرورة فصل الدين عن الدولة، ورفضوا تدخل السيستاني وغيره من رجال الدين ورؤساء العوائل والقبائل في السياسة وشؤون الحكم وكتابة الدستور،
ولو تحالفوا مع القوى العراقية الديمقراطية اللبرالية واليسارية، فقويت بهم، وازداوا بها قوة،
لكان العراق، اليوم، جنة الله على أرضه، ولما عاش المواطن العراقي إلى اليوم الذي يرى فيه الحفاة الجياع الجهلة المزورين المختلسين، يحكمونه في هذا الزمن الرديء.
ثم لو أن البرزاني ورفاقه السياسيين الآخرين أخلصوا لكردستانهم، قولا وعملا، وأجعلوها واحةً للحرية والعدالة والنزاهة وسلطة العقل والقانون لكنا أول المصفقين، وأول المصدقين بسلامة نواياهم، وأول المساندين لهم في حروبهم، وأول المطالبين باستقلال كردستان، ولكن..!!
ترى هل يقف أصحابُ العقول النيرة والضمائر النقية من أصدقائنا الكورد في وجه المغامرات والمغامرين، والمقامرات والمقامرين، قبل فوات الأوان؟؟.

 

أحدث المقالات