19 ديسمبر، 2024 2:14 ص

البرزاني والحسابات الخاطئة!

البرزاني والحسابات الخاطئة!

من الكوارث الكثيرة التي تتحملها شعوب المنطقة بسبب قادتها وزعاماتها السياسية، أن هؤلاء القادة الدكتاتوريين لا يعترفون بأخطائهم السياسية، كما أنهم لا يعرفون شيء أسمه ثقافة الأعتذارلشعوبهم ومن ثم التنحي عن السلطة والقيادة. ولربما يعتبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصرهو الرئيس الوحيد والحالة الفريدة التي لم تألفها الأنظمة العربية والذي أعترف بتحمله المسؤولية الكاملة بنكسة حزيران عام 1967 في الحرب مع أسرائيل. نعود بالقول وخير دليل على دكتاتورية الحاكم العربي وتمسكه بالسلطة هو ما جرى ويجري في سوريا في ظل نظام الرئيس بشار الأسد الذي تحولت سوريا الى حطام كامل ولازال متمسكا بالسلطة والزعامة!. وكذلك نتذكرجيدا ما حل بالرئيس الليبي معمر القذافي من مصير مخزي حيث أغتصبه الثوار قبل قتله!، وقبله الرئيس المصري حسني مبارك الذي لم يعين نائبا له طيلة فترة حكمه لمصر والتي قاربت(30) سنة!، وظل متمسكا بالسلطة حتى اللحظات الأخيرة، وقبل أقالته من قبل الجيش المصري، عين عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات نائبا له!. وينطبق الحال على الرئيس التونسي الذي هرب في اللحظات الأخيرة من غضبة الشعب عليه. وآخرالرؤساء المقتولين هو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ناهيك عن مصير الرئيس العراقي المعدوم صدام حسين، وكيف أنتهى به الحال، وكيف أنتهت حياته السياسية.كل تلك النهايات المأساوية لهؤلاء الرؤوساء والقادة العرب والتي أورثت كل هذا الخراب والدمار والفوضى لبلدانهم كانت بسبب سياساتهم الدكتاتورية وتمسكهم بالسلطة الى حد الموت!. نعود الى صلب الموضوع، فلا أرى أن الزعيم الكردي ورئيس الأقليم مسعود البرزاني يختلف عنهم بأي شيء!، فقد ورث القيادة والزعامة السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني عن أبيه الملا مصطفى البرزاني بعد وفاته عام 1979! ،وبعد أنتهاء رئاسته للأقليم لدورتين بقي متمسكا برئاسة الأقليم لأكثر من سنتين!، الأمر الذي أجج الكثير من الصراعات والخلافات داخل الأقليم بين باقي الأحزاب والتيارات السياسية الكردية وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الأقليم!. فلم يعد خافيا على أحد بأن الأقليم الآن في حال لا يحسد عليه، أذا ما قورن بالسنوات الذهبية التي كان عليها من بعد سقوط النظام السابق في 2003 عندما أصبح الأكراد هم بيضة القبان وصانعي الملوك! فلا يمكن الظفر والفوز برئاسة الحكومة في الأنتخابات ما لم يتم أرضاء الأكراد،حتى قيل بأن الأكراد هم من يحكمون العراق!، فأضافة للدعم الأمريكي والبريطاني والغربي لهم، فهناك دعم الأحزاب الشيعية لهم من خلال التحالف التاريخي الأستراتيجي الذي يعود الى قرابة النصف قرن من الزمان!. ولكن السياسات الدكتاتورية الخاطئة لرئيس الأقليم وأستحواذه وسيطرته على الأقليم وعلى كل مقدراته وأهمها واردات النفط وصراعه مع باقي الأحزاب والتيارات الكردية السياسية وأختلافه حتى مع رفاق الأمس الذين قادوا الأقليم منذ تسعينات القرن الماضي (1991 ) ولحد الآن، وآفة الغرور التي أصابته حتى وصل به غروره بعدم الأخذ بنصيحة الأمريكان والبريطانيين بخصوص عدم أجراء الأستفتاء وهم من صنعوه وأوجدوه ودعموه!!، هي من أضاعت على رئيس الأقليم هيبته وسطوته وأحترام العالم له، وبالتالي أثرت على القضية الكردية بشكل عام، وفي أحقيتها بتقرير المصير!، وهذه كلها أنعكست بالتالي على الحياة في الأقليم التي توقفت بشكل كامل من بناء وعمران وأقامة مشاريع تنموية.ومما لا شك فيه أن كل الأدارات الأمريكية السابقة ومنذ أدارة الرئيس بوش الأب الذي عزل شمال العراق عام 1991 بعد أنتكاسة حرب الكويت وما جرى بعدها من أحداث داخل العراق كلها أبتسمت للأكراد وقربتهم وأحتضنتهم وأشعرتهم بالأمن والأمان وقطعت دابر من يؤشر بأصبعه على الأكراد!. ولكن الغرور الذي أصاب رئيس الأقليم وطمعه وتمسكه بالسلطة وتمدده على حساب دولة العراق ومحاولته فرض نفسه بالقوة، وتمرده على الأمريكان!، بعد أن تصور أن أسرائيل التي وقفت في ظهره والوحيدة التي شجعته على أجراء الأستفتاء سترجح كفته وتحقق له ما يريد! ،ولكن حساباته الخاطئة وعدم فهمه لطبيعة العلاقة التي تربط أمريكا بأسرائيل،وكذلك عدم أدراكه للمصالح القومية العليا لأمريكا، وماذا تعني تلك المصالح، وأصراره وعناده على أجراء الأستفتاء كان بداية النهاية لأحلام الكرد الوردية المشروعة وبنفس الوقت كانت نهاية طموحات رئيس الأقليم غير المشروعة!.يبدوا أن رئيس الأقليم لم يستطع أن يخرج من جلباب الشخصية الكردية المعروفة (بالعناد)!، ففي لحظة من غياب الحكمة والمرونة السياسة، تصور رئيس الأقليم أن أسرائيل التي دعمته وشجعته على أجراء الأستفتاء يمكن أن تضغط على أمريكا وباقي دول الغرب وحتى على الهيئات السياسية والدولية العالمية، بخصوص القبول بأجراء الأستفتاء؟!، الأمر الذي دفعه أن لا يعير أهتماما جديا لنصيحة الأمريكان وبريطانيا وباقي دول الغرب له بعدم أجراء الأستفتاء وتأجيله!.وسرعان ما جاءت قرصة الأمريكان القوية له فأعطت الضوء الأخضر للحكومة الأتحادية بأتخاذ ماتراه مناسبا لتطبيق القانون ردا على اجراء الأستفتاء وفرض سلطة الحكومة الأتحادية حتى على كركوك( التي تعتبر قدس الأقداس بالنسبة لرئيس الأقليم!) وكذلك سيطرة الجيش على باقي المناطق المتنازع عليها!، والتي سبق أن فرض الأكراد سيطرتهم عليها تزامنا مع أحتلال عصابات داعش للموصل؟؟!!.وهنا لابد من الأشارة بأن الأدارة الأمريكية تعرف جيدا بأن نصف واردات النفط أن لم يكن كلها المصدر من قبل الأقليم كانت تذهب الى الحسابات البنكية الخاصة لرئيس الأقليم وعائلته!.وفي السياق ذاته نقل عن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كواندليزة رايس) أبان فترة حكم الرئيس الأمريكي أوباما، عندما ألتقت مرة مع رؤوساء العشائر العربية والوجهاء والأعيان من أهالي كركوك الذين أشتكوا من الممارسات التي يقوم بها رئيس الأقليم في كركوك من أعادة تكريد المنطقة! وعن تهريب النفط وتصديره بعيدا عن علم الحكومة الأتحادية، قولها لهم ( أطمئنكم نحن نعرف ذلك جيدا والأدارة الأمريكية ليست على أستعداد لجعل كركوك قاصة نقود بيد رئيس الأقليم وعائلته!). وأذا كان يتصور رئيس الأقليم بأنه يمكن أن يعود الى الحضن الأمريكي، فهو واهم!، فبعد أن لمست الأدارة الأمريكية من رئيس الحكومة الأتحادية (العبادي) الأعتدال والأبتعاد عن الطائفية في كل خطاباته ولقاءاته وأحاديثه، ومعالجته لمشاكل العراق وأزماته الكثيرة والكبيرة بروح الصبر والتعقل، سرعان ما فتحت ذراعيها له،وبنفس الوقت رفعت العصا بوجه الأقليم!. أخيرا نقول: الشعوب دائما تكون الضحية وتدفع ثمن أخطاء قادتها وزعاماتها السياسية، والشعب الكردي واحد من تلك الشعوب الذي يدفع اليوم ثمن أخطاء رئيس الأقليم التي أوصلت الأقليم الى حالة من التشرذم والضياع والصراعات الداخلية والتظاهرات اليومية التي تطالب بحقوق الشعب الكردي،بالوقت الذي توقع الكثيرين للأقليم أن يكون (دبي) الثانية في غضون سنوات قليلة!، ولكن لات ساعة مندم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات