زرع نخيل الناصرية مذاقاً خاصا في أرواحنا وذاكرتنا قبل طوفان مجازر {الرفاق} بالشجر والبشر ، وما تلاها من غزوات تترية وإنكشارية برفقة البسطال الأمريكي ..!
صيفنا كان يوزع على الأعناب والأرطاب بعد ربيع مغطى برائحة الطلع {الطليع} وعبق {سميسم الله} و{البطنج} و{الريحان } في الأراضي المفروشة بالنبق وزهر الرمان والتوت الأحمر ..!
ذروة المتعة والإثراء تأتي مع حلول آب اللهاب { مقلل الأعناب ومكثر الأرطاب } .. حيث تزحم الشواطئ بسلال التمر ، ويكون البرحي الهدية الأثمن وهو ماجعل شاعرا برقة ناظم السماوي ان يجعل منه مثالا في الحلاوة الآسرة ، والوصف الجمالي المشتق من هواجس الروح وحنينها ..( هاك عمري الضاك حنظل وانت برحي …! ).
ياالله كم كان العمر جميلا ..!
في آب كنت أرافق حلمي محمود الخطاب* ، نتسلل من درابين سوق الشيوخ ، نهرب من حرارة المدينة صوب النهر وبساتين النخيل وهي تفرش الأرض بالأفياء والندى ، ولأنه صاحب هذا المنتجع الطبيعي الباهر في بساتين (الفضلية ) الشهيرة بأجود انواع التمور بالعالم انذاك ، كانت أيادي الفلاحين تحمل لنا اول حصاد عذوق البرحي وسلال (الشويثي ) انها مأكول العارفين بأشهى التمور وأطعمها مذاقاً.
اليوم أحزان العراق تجرّف الذاكرة ، تحاول إعدام بقايا صور الزمن الذهبي ، تقيم مأدبة دائمة للرثاء أذ تضرب الأملاح الصاعدة بالنهر بساتين الخير بالجفاف ، وتتصحر الأرض ، وتكتسي وجوه النخيل غبار الشحوب ويفقد الرطب زهوه ،ويختبأ بريق عذوقه .
مات المطر والبساتين سوف تتخذ قريبا قرار السفر ..!
يا الناصرية كيف يحتلك القهر في العشر الأواخر من عمر الأحلام ..؟
الآن موعد نزول البرحي من النخلات الناجيات من ريح الشرق ،
الآن تعيد قيثارة سومر نشيد الأستقبال لولادة الرطب .
سلام على سلال البرحي ، وهتاف الجواهري العظيم ؛
سلام على هضبات العراق ÷÷÷ وشطيه والجرف والمنحنى
سلام على باسقات النخيل ÷÷ ذي السعفات الطوال، وشم الجبال تشيع السنا
[email protected]
*الاستاذ حلمي محمود الخطاب احد وجهاء مدينة سوق الشيوخ .